السودان: وفد سرّي إسرائيلي في فندق الاستخبارات!
حفلت الزيارة «السرّية» الأخيرة للوفد الأمني الإسرائيلي إلى السودان (وهي الرابعة حتى الآن) بمجموعة من الإشارات التي تساهم بتفسير طريقة فهم وتعامل السلطات الحاكمة، في بلاد العرب عموما، وليس في السودان فحسب، مع الدولة العبرية، كما تسمح، في الوقت نفسه، بتفسير طريقة تعامل تل أبيب مع النخب، العسكريّة والأمنيّة منها خصوصا.
تكرر في الزيارات الإسرائيلية إلى الخرطوم طابع «السرّية» الذي يجعل مخصوصا على مجموعة محدودة جدا من الأشخاص، وقد أشاعت بعض وسائل الإعلام السودانية أن المسؤولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين المجهولين قد التقوا برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) وبذلك يتمّ اختصار السودان بهذين المسؤولين العسكريين الكبيرين، ويتم، من جهة أخرى، تجاهل وجود حكومة مدنيّة، لم يستطع السودانيون التوصل لتشكيلها إلا بعد عقود من النضال السياسي والجماهيري.
لا يظهر هذا الوضع ازدراء «الدولة الديمقراطية الوحيدة» (كما تشيع إسرائيل عن نفسها) للديمقراطية والحكم المدني وللسياسة بمعناها العامّ، بل يظهر أيضا ازدراء حكام السودان العسكريين بمواطنيهم، وبشركائهم في الحكم، وباستهتارهم المعلن والواضح بالنظام السياسي الموجود حاليا.
يحتسب الإسرائيليون، بالتأكيد، لرئيس مجلس السيادة السوداني، مبادرته للانفتاح على الإسرائيليين، حين التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أوغندا، في شباط/فبراير من العام الماضي، وفتح بذلك الطريق للتطبيع ولهذه الزيارات الأمنية والعسكرية السرّية والعلنية، وربما يحتسبون للحكومة المدنية السودانية محاولتها التملص من الدخول في التطبيع بالقول، بداية، إنها غير مخوّلة شعبيا وسياسيا بفعل من هذا النوع، لكنّ هذا لا يعني، على العموم، أن إسرائيل تفضّل التعامل مع حكومات مدنية ديمقراطية، بدلا من التعامل مع زعماء طغاة وقادة جيوش وضباط استخبارات.
غير أن «مبادرة» البرهان، لا يمكن أن تحتسب بالتأكيد في أن المسؤول العسكريّ الكبير «محبّ للسلام» وأن هذا سبب اندفاعه للقاء نتنياهو وقيادة مسيرة التطبيع، والعكس هو الصحيح، فبالإضافة إلى أن البرهان يعلم أن إسرائيل هي دولة عدوان وغطرسة وتجبّر، فهو يعلم أيضا أنها دولة لها تأثير كبير على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، والعالم، ولعله افترض، كما يفترض أكثر من حاكم عربي، أن أي علاقات «سرّية» مع أجهزة أمن وجيش إسرائيل، ستكون نوعا من بوليصة التأمين لوجوده في الحكم، و«تمكينا» له في مواجهة الشارع السوداني، وهو أمر يفسّر تكرار تهديداته، هو وحميدتي، للحكومة المدنية، وإنذاره بإمكان تشكيل حكومة طوارئ.
أضافت الزيارة الأخيرة إلى الخرطوم، معلومة جديدة، وهي أن الوفد الإسرائيلي سيبيت هذه المرة في السودان، ولن يغادر العاصمة بسرعة كما فعلت الوفود السابقة، وأن مبيته سيكون في «فندق الاستخبارات العسكرية» وبذلك تحصل المفارقات السودانية – الإسرائيلية على خاتمة «ظريفة» تكتمل فيها عناصر التشويق والإثارة والتآمر، مع معرفتنا أن للاستخبارات العسكرية السودانية فندقا، لا بد أن يكون من خمس نجوم، ليقبل الوفد الإسرائيلي المبيت فيه!
وسوم: العدد 917