ثنائيات متداخلة في عملنا الدعوي والحركي
جمال زواري أحمد ـ الجزائر
(4)
الحوار والمماراة
في كثير من الأحيان يقع الخلط والتداخل بين مفهومي الحوار والمماراة في عملنا الدعوي والحركي سواء على المستوى الداخلي أم مع الآخر الفكري أو الأيديولوجي أو السياسي أو الديني ، فالحوار إذا روعيت آدابه وعرفت ضوابطه ، دليل حياة وعلامة ثقة في النفس ومؤشر على الصدق والمرونة وسعة الأفق ، كما أنه سمة مهمة من سمات التحضر .
حيث أنه من خصائص الإنسان الحي المتحضر الواثق أن يحاور ويناقش ويتباحث ويتفاعل ويتأمل ويتدبر ويقلب وجهات النظر ، ويحاول الفهم والإدراك والوصول إلى الحقيقة.
آداب الحوار :
فللحوار الفعال المنتج المثمر على المستوى الفردي والجماعي آداب وضوابط ، ينبغي التأدّب والتقيد بها ، وإلا أصبح مراء مذموما وجدالا عقيما لا خير فيه ، من أهمها :
1 ــ أن يكون القصد منه الوصول إلى الحق ، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله:((ما ناظرت أحدا فأنكر الحجة إلا سقط من عيني ، ولا قبلها إلا هبته ، وما ناظرت أحدا فباليت مع من كانت الحجة ، إن كانت معه صرت إليه)).
2 ــ أن يكون بعيدا عن أجواء التعصب المقيت للذات أو الرأي أو الفكرة ، لأن ذلك يؤدي إلى إحياء مقولة الجاهلية:((كذاب ربيعة خير من صادق مضر)) ، فتعمى عندها القلوب والأبصار والبصائر فتحرم بذلك من الوصول إلى الحق وإدراكه.
3 ــ أن يكون خاليا من الإثارة والاستفزاز والدس والوقيعة والسخرية والاستهزاء ، لأن ذلك من شأنه أن يسوق إلى مرتبة من:(إذا خاصم فجر).
4 ــ أن يخلو من نبرة الاستعلاء ونية الإقصاء ، وأن تكون لغته شدوا نتبادله لا صخرا نتقاذفه ، فرفع الصوت والصخب المستهتر من علامات اللدد في الخصومة التي ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبها بقوله:((أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ))(متفق عليه).
فرفع الصوت في أي حوار أو نقاش لا يقوي حجة صاحبه قط ، وفي أكثر الحالات يكون صاحب الصوت المرتفع قليل المضمون ضعيف الحجة ، يستر عجزه بالصراخ ، على عكس صاحب الصوت الهادئ الذي يعكس في العادة عقلا متزنا وفكرا منظما وحجة قوية وثقة كبيرة ، وأنظر إلى البحر تجد الصخب والضجيج على الشاطئ عند الصخور ، حيث الماء ضحل لا جواهر فيه ، في حين تجد الهدوء لدى الماء الأعمق حيث نفائس البحر وكنوزه، وقد وجد بالتجربة أن الصوت الهادئ المتأني من غير صراخ أو صياح ومن غير إسرار وإخفات هو الأدخل للنفوس والأنفذ للأعماق والأحفظ لجلال الكلمة ووقار المتكلم والمحاور.
وقد نصح الإمام البنا رحمه الله في إحدى وصاياه فقال:(لا ترفع صوتك أكثر مما يحتاج إليه السامع ، فإنه رعونة وإيذاء).
5 ــ أن يتصف صاحبه بسعة الصدر والأفق ، فإن الصدر الضيق يهدم ما يبنيه العقل الواسع ، وإن من ضاق قلبه اتسع لسانه ، وأن يتم بعيدا عن الضغائن والأحقاد المتبادلة والقلوب المريضة والنفوس المعتلة ، كما قال الإمام الأوزاعي رحمه الله:(دع من الجدال ما يفتن القلب وينبت الضغينة ويجفي الطبع ويرق الورع في المنطق والفعل).
فقد تقع بعض الحدة في أجواء الحوار والنقاش حول أي قضية ، خاصة إذا كانت مصيرية ، لكن الواجب أن لا يبلغ ذلك القلوب ، كما روي أنه:( كان بين خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما كلام ، فذهب رجل يقع في خالد عند سعد ، فقال له سعد: صه إن ما بيننا لم يبلغ قلوبنا أو ديننا).
6 ــ تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ، فإن ذلك من شأنه أن يوصد أبواب التفاهم ويقطع حبال التواصل ويرسخ منطق الانطلاق من الخلفيات والنظرات والأحكام المسبقة من الطرف الآخر.
7 ــ حسن الاستماع للطرف الآخر واحترامه وترك المجال له حتى ينتهي من طرح رأيه دون مقاطعته، وفي حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع عتبة بن ربيعة حين أرسلته قريش لمساومته ، خير دليل على ذلك ، حين عرض عليه ما عرض ، رغم سخافة هذه العروض ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يستمع إليه ولم يقاطعه ولم يشمئز من كلامه ، أكثر من ذلك يفسح له المجال للمتابعة كي يفرغ ما في جعبته، وعند الانتهاء يسأله ويكنيه بكنيته قائلا له:(أوقد فرغت يا أبا الوليد؟ ، ثم يقرأ عليه سورة فصلت )، بهذا الحوار استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يحيّد عتبة ومن ورائه أكبر تجمع قبلي بعد بني مخزوم هم بني أمية عن مواجهته ومواجهة دعوته وانتشارها.
8 ــ التركيز على الرأي لا على صاحبه ، كما قال الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله :(إذا لزم النّقد فلا يكون الباعث عليه الحقد ، ولكن موجّه إلى الآراء بالتمحيص ، لا إلى الأشخاص بالتنقيص)
9 ــ الرجوع إلى الحق والاعتراف بالخطأ وعدم المكابرة والتعنت عند التأكد بعد الحوار من أن الصواب مع الطرف الآخر المحاور وإن كان أقل علما.
10 ــ المرونة وعدم التشنج ، مع الكثير من الصبر والحلم وتهدئة الأجواء حتى عند خطأ أو تجاوز الطرف الآخر المحاور ، لأن ذلك من شأنه أن ينزع فتائل نواسف الحوار.
ثمار الحوار :
من الثمار الإيجابية للحوار:
1 ــ ينمّي عناصر الثقة المتبادلة بين الأطراف المختلفة ، ويقضي على موجات الشك والتوجس.
2 ــ الإطلاع على عدد من وجهات النظر ، ورؤية الأمور من أبعادها وزواياها المختلفة .
3 ــ توضيح المواقف وجلاء الأمور وتصحيح المفاهيم وغربلة الحقائق وحصحصة الحق.
4 ـ فتح مسالك التعايش بين الأفكار ووجهات النظر المختلفة ، ممّا يعطي فرصا أكبر للتفاهم والتقارب وتضييق دوائر الخلاف.
5 ــ التغلب على أمراض التعصب والانغلاق وإدعاء القداسة ورفض الآخر واحتكار الحق والصواب .
6 ــ تنقية الأجواء والقلوب من كل صور الإقصاء والإلغاء والأحقاد والبغضاء ، وصناعة فرص للإقناع والقبول المتبادل.
7 ــ التخلص من منطق الأحكام المسبقة والصور النمطية التي من شأنها أن تنسفه من البداية وتدق في نعشه أسافين الفشل المسبق.
8 ــ يوّلد أفكار ورؤى وحلول جديدة ومبدعة ، تساهم في ترجيح كفة الحوار دائما على أساليب العنف والرفض المطلق .
9 ــ تبادل الأفكار وتفاعل الخبرات ، وتنمية روح الاعتدال والعدل والإنصاف لدى المتحاورين.
10 ــ يساعد على تنمية التفكير وتخصيب العقل وتنشيط الذاكرة وشحذ الفاعلية وصقل الشخصية ، والاختبار العملي للزاد الفكري والعلمي والمعرفي والأخلاقي.
المراء وآثاره المرّة :
فكل حوار على أي مستوى كان ، لا يتقيد أصحابه بالآداب التي ذكرناه أعلاه ، ولم يلتزموا بالضوابط سالفة الذكر ، انقلب مراءا مذموما وجدلا ممقوتا ، عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه ، إلا أوتوا الجدل )(الترمذي).
المراء الذي قال فيه مسلم بن يسار محذرا :(إياكم والمراء ، فإنها ساعة جهل العالم ، و بها يبتغي الشيطان زلته).
وإذا أردت أن تعرف ما أنت فيه حوار هو أم مراء ؟، فأنظر إلى ما يورثك من صفات وخصال ، فالحوار يورثك ما قد ذكرنا آنفا، والمراء (يقسي القلوب ويورث الضغائن) كما قال الأمام مالك رحمه الله، وقال الإمام الغزالي: (وأشدُّ الأسباب لإثارة نار الحقد بين الإخوان المماراة والمنافسة ، فإنها عين التدابر والتقاطع، فإن التقاطع يقع أولًا بالآراء، ثم بالأقوال ثم بالأبدان) ، فكل ما أورثك قسوة في قلبك وضغينة في نفسك للطرف الآخر ، وأشعل نار الحقد والمنافسة غير الشريفة معه ، ودفعك إلى التدابر والتقاطع فهو مراء مذموم وجدل محموم لا خير فيه بل هو شر كله ووبال عليك في الدارين.
كذلك من ثمار المراء المرة التي يجنيها أصحابه ، اللجاجة والإعجاب بالرأي المؤدية إلى تمام الخسران على كل الأصعدة ، كما قال بلال بن سعد رحمه الله:( إذا رأيت الرجل لجوجا مماريا معجبا برأيه ، فقد تمت خسارته ).
وأجواء المراء ينتشر فيها الجهل المتبادل والملاحاة والشحناء والاتهامات، وترتفع فيها الأصوات ، ويعم الصخب ، وتتفشى المهاترة ، ويشتد الغضب ، وتكثر الخصومات ، وهذا يؤدي حتما إلى تعفن هذه الأجواء وتلوثها ، وتضييق مساحات الوفاق والتعاون والتقارب والتنسيق ، وترسيخ ثقافة الإقصاء والإلغاء والتهميش والاستبداد والأحادية وإدّعاء القداسة، بدل تأصيل ثقافة المصالحة والتعايش والتكامل والتعدد الإيجابي، التي تكون نتيجة اعتماد فن الحوار كمعلم مهم من معالم عملنا التربوي والدعوي والحركي والسياسي .
فبقدر ما تكون راقيا في حوارك تجذب الناس إلى جوارك ، فالحوار بآدابه وضوابطه التي ذكرناها مطلوب مرغوب فيه ، والمراء بموروثاته وآثاره التي أشرنا إليها مذموم مرفوض.
ــ الحلقة الأولى كانت مدخلا بين يدي السلسلة.
ــ الحلقة الثانية كانت حول ثنائية النقد البناء والانتصار للنفس
ــ الحلقة الثالثة كانت حول ثنائية الاعتدال والتفريط
ثنائيات متداخلة في عملنا الحركي(5)
الاحترام والتقديس
في الكثير من الأحيان يقع الخلط والتداخل بين مفهومي الاحترام والتقديس ، فاحترام أهل الفضل من العلماء والدعاة وذوي الهيئات وأهل السبق الأحياء منهم والأموات وتقديرهم وحبّهم والتأدّب معهم وإلتماس الأعذار لهم وغمر أخطائهم في بحور حسناتهم ، من خصال أهل الفضل وأخلاق أصحاب المروءة :(فإنما يعرف الفضل من الناس ذووه) كما قيل، وهو سمة المنصفين الأخيار الكرماء الذين يأسرهم الإحسان ، وقد قال أحدهم :(من علّمني حرفا كنت له عبدا) ، أي تلميذا مطيعا محترما معترفا بالجميل ، فما بالك بمن كانت هدايتك على يديه ومعرفتك لدينك عن طريقه ، ألا يكون أهلا للتبجيل والاحترام والحب ؟
وقد قال يحي بن معاذ :( العلماء أرحم بأمة محمد من أبائهم وأمهاتهم ، قيل : كيف ذلك ؟ ، قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا ، وهم يحفظونهم من نار الآخرة).
وهو سلوك الأحرار :(فالحر من راعى وداد لحظة ، وانتمى لمن أفاده لفظة) كما قال الإمام الشافعي ، فكيف بمن أفاده كلمات وكلمات وعلّمه لفظات ولفظات ؟
ولو نظرنا إلى سيرة سلفنا الصالح ، لوجدنا عجبا في التأدّب مع أهل الفضل ومعرفة قدرهم ومكانتهم واحترامهم ، فهذا الإمام الشافعي الذي تتلمذ على الإمام مالك وخالفه في مسائل ، ومع ذلك كان يقول:(إذا ذكر العلماء ، فمالك النجم)، ويقول:(مالك حجة الله على خلقه).
وهذا عبد الله بن المبارك الذي خالف الإمام أبا حنيفة في مسائل كذلك ، فلمّا سمع أحدهم ينتقص منه ، نهره قائلا:(ياناطح الجبل العالي ليكلمه أشفق على الرأس لاتشفق على الجبل).
وقبل هؤلاء الأكابر نجد زيد وابن عباس رضي الله عنهما يختلفان في مسائل ويتحاجّان حتى يعرقا ، ومع هذا لمّا يركب زيد دابته ، يجد ابن عباس ماسكا بلجامها يقودها ، فيقول له زيد:(ماهذا ياابن عم رسول الله ) ، فيقول ابن عباس :(هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا) ، فيطلب منه زيد أن يناوله يده فيقبلها ويقول:(هكذا أمرنا أن نفعل بآل نبينا).
وقد أشار ابن القيم إلى قاعدة جليلة في أدب التعامل مع الرجال ، فقال:( من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل من غيره ، ويعفى عنه ما لا يعفى من غيره ، فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.. وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين وكما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ***جاءت محاسنه بألف شفيع).
وقد أحسن ابن رجب الحنبلي بقوله:( ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه ، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه).
وهي القاعدة نفسها التي أكدها الإمام ابن باديس وهو يعلق على كتاب((العواصم من القواصم)) لأبي بكر بن العربي حيث قال:(( و إذ لم يكن بد من الخطأ لغير المعصوم ، فليس تفاضل الناس في السلامة منه ، وإنما تفاضلهم في قلته و كثرة الصواب التي تغمره)).
فالإنصاف والعدل والاحترام ومعرفة الفضل وتقدير السبق في الخير في التعامل مع الرجال هو الحق ، فلا غلو في الحب حتى درجة التقديس وإدعاء العصمة ، الأمر الذي يؤدي إلى ربط الحق بالرجال الذين يحملونه ، فإذا ماانحرف هؤلاء تزلزلت صورة الحق في الأذهان وتشوهت صورته وضعفت هيبته في القلوب ، لذلك كان العلماء والدعاة يوصون بأن لايربط الحق بأشخاصهم ، كما قال بديع الزمان النورسي وهو يوصي تلاميذه:( إياكم أن تربطوا الحق الذي أدعوكم إليه بشخصي المذنب الفاني ، ولكن عليكم أن تبادروا فتربطوه بينبوعه الأقدس كتاب الله وسنة نبيه ، ولتعلموا أنني لست أكثر من دلاّل على بضاعة الرحمن ، ولتعلموا أنني إنسان غير معصوم قد يفرط مني ذنب أو انحراف فيشوّه مظهر الحق الذي ربطتموه بذلك الذنب أو الانحراف).
وقد فعل الشيء نفسه الإمام البنا ، لمّا تحمّس أحد الطلاب وهتف بحياة الإمام وهو يخطب في مؤتمر الطلبة سنة 1938 ، فغضب الإمام البنا وقال:( إن اليوم الذي يهتف في دعوتنا بأشخاص لن يكون ولن يأتي أبدا ، إن دعوتنا إسلامية ربانية قامت على عقيدة التوحيد ، فلن نحيد عنها ، أيها الإخوان لا تنسوا في غمرة الحماس الأصول التي آمنّا وهتفنا بها :(الرسول قدوتنا ) )، وبهذا الموقف الرباني الحاسم والحازم وضع الإمام البنا شباب الدعوة أمام صورة حيّة للمحافظة على جوهر الدعوة والاستمساك بها ، وعدم التعلّق بأشخاص مهما كانت مواقعهم ومراكزهم في مسيرة العمل الدعوي والحركي والعلمي.
وهذه صورة أخرى لهذا الأمر تظهر جليّة في موقف الإمام ابن القيم وهو يشرح كتاب شيخ الإسلام الهروي في المدارج ، فيعتذر إليه ويأول له التأويل الحسن ، فلما لايجد عذرا أو تأويلا لموقف من المواقف أو رأي من الآراء يردّه ويقول:(شيخ الإسلام حبيب إلى قلوبنا ، ولكن الحق أحبّ إلينا منه).
ومع كلّ ذلك لا ينبغي أن نجحد جهود الرجال وجهادهم وفضلهم ومكانتهم وسبقهم وإنجازاتهم ، ولا نبخسهم أشياءهم ، بحجة الحذر من التقديس المرفوض ، وما أروع عبارة الإمام الشاطبي التي ختم بها كتابه الاعتصام والتي قال فيها:( وإذا ثبت أن الحق هو المعتبر دون الرجال ، فالحق أيضا لايعرف دون وسائطهم ، بل بهم يتوصل إليه وهم الإدّلاء عليه).
فالاعتبار دوما يكون للمبادئ وللحق وللدعوة وللإفكار، أما الدعاة إلى هذا الحق وهذه الدعوة وهذه المبادئ وأصحاب هذه الأفكار ، فلابد أن نزنهم ونحكم عليهم من خلالها لاالعكس ، وهو ما أكده الشهيد عبد القادر عودة بقوله إنّ :(الدعوة هي دعوة الله وليست دعوة أشخاص ، وأن الله علّم المسلمين أن الدعوة ترتبط به ولا ترتبط بالدعاة غليها ، وأن حظّ الأشخاص منها ، أن من عمل لها أكرمه الله بعمله ، ومن ترك العمل لها فقد أبعد الخير عن نفسه ، وما يضر الدعوة شيئا).
فحب الصالحين من العلماء والدعاة من أهل الفضل والسبق وتقديرهم ومعرفة فضلهم من غير أن تطغى عواطفنا نحوهم على إفهامنا ومن غير تعطيل لعقولنا ، حتى نصل بهم إلى مرحلة التقديس المذموم ، هو عين المروءة والنبل ، كما أن نسيان حقوقهم والتطاول عليهم وتجاوز الأدب معهم وتبخيسهم هو عين الدناءة واللؤم ، فلا التقديس محمود ولاالتبخيس محمود كذلك ، والخير كل الخير في الوسطية والاعتدال والإنصاف .
ففرق بين حبّ الرجال واحترامهم ، وبين تقديسهم وإدّعاء العصمة لهم ، فالأول مطلوب مرغوب فيه ، والثاني مرفوض مذموم.