كورونا في عامه الأول
إختصاصي الجراثيم الطبية
كورونا لم يبلغ من العمر عامه الأول، ولا يزال يضرب بقوة، والناس غافلون عن رسالته البليغة، فهو لا يُميّز بين صغير وكبير أو حاكم ومحكوم، دخل كل الدول دون تأشيرة أو وثيقة سفر، وتحرك بكل الاتجاهات، فهو آية من آيات الله، التي يرسلها عادة على البشرية التي انحرفت لعلها تعود إلى فطرتها السليمة، لقوله تعالى: ﴿لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، ولو أراد الله أن يقتلنا لبعث فيروسا آخرا يميتنا فورا، ولكنه يذكّرنا ولمصلحتنا بقوله تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا﴾.
وقد أرسل الله بعض آياته على الأمم السابقة؛ ولكنهم لم يلتقطوا رسالته فكان مصيرهم الهلاك المحقق، نرى قصصا ملحمية رهيبةً في القرآن الكريم؛ فابن نوح رأى طوفان الماء بعينيه وبتبلد ﴿ قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾، والنهاية ﴿فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾، وقوم فرعونَ أرسل اللهُ عليهم الدم والضفادع والجراد والقمّل، ومع هذا تعاملوا مع الأمر وكأنه لا يعنيهم، والنهاية الحتمية التي حصلت لهم ﴿إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ﴾.
واليوم، أرسل الله علينا فيروس كورونا، فدخل كل قريةٍ وحبسَنا في بيوتنا، فماذا نحن صانعون؟!، هل نقولُ سآوي إلى كمامةٍ تعصمُني من المرض؟ لبسنا الكمامةَ وعقّمنا أيدينا وتباعدنا بدنيا وانعزلنا في بيوتنا، فاختلَّ التوازنُ، وتدمر الاقتصاد، وزادت البطالة، فماذا نحن فاعلون ونحن نرى الفيروس يضرب بقوة أكثر؟
هل بقى لنا غير الواحد القهار؟ لماذا لا نفهم الرسالة جيدا؟ ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ ولماذا لا نعود إلى الله؟ وهو ينادينا بقوله: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾.
لما ظهر الطاعون في أوروبا وقتل خمساً وعشرين مليوناً من البشر، ثم ظهر أكثر فتكاً عام 1930م في إيطاليا وبالذات في مدينة فينيسيا (البندقية) وميلانو وما حولها، وكان سبباً في موت أربعة الاف ضحية يومياً كما ذكر الدكتور مورتن في كتابه (Black Death) أي: الطاعون، وكان الناس يعتقدون في حينها أن انتشار مثل هذه الجائحة مرتبط باقترافهم ذنوباً تسبب لهم عقوبة إلهية!. وكان من المعتاد بعد انحسار أي جائحة أن يتفقد القوم بعضهم بعضاً، ثم يجتمع من بقي من كبارهم وعقلائهم، ليفتشوا عن الذنب الذي اقترفوه وكان سبباً لما حل بهم!!. والغريب العجيب أنهم كانوا دائماً يُجمعون على أن الذنب الوحيد الذي اقترفوه هو أنهم سمحوا لليهود أن يعيشوا بينهم رغم لؤمهم وخياناتهم وفسادهم.
فإذا كانت هذه نظرة واعتقاد غير المسلمين عن اليهود، فلا أدري بأي وجه سنقابل الله تبارك وتعالى نحن المسلمون الذين سكتنا عليهم وعلى مصائبهم، بل وصالحناهم وخطبنا ودّهم، وتعبد بعضنا بالتقرب إليهم وكيل المديح لهم، ونحن نعلم علم اليقين حكم الله فيهم حيث يقول: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
وقد أورد الحافظ ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية”: أنه في سنة 478 هجري كثرت الأمراض بالحمى والطاعون بالعراق والحجاز والشام، وأعقب ذلك موت الفجأة، ثم ماتت الوحوش في البراري، ثم تلاها موت البهائم، حتى عزّت الألبان واللحوم، ثم هاجت ريح سوداء وسفّت رملا، وتساقطت أشجار كثيرة من النخل وغيرها، ووقعت صواعق في البلاد حتى ظن بعض الناس أن القيامة قد قامت، فأمر الخليفة المقتدي بأمر الله بتجديد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل محلة، وكسر آلات الملاهي، وإراقة الخمور، وإخراج أهل الفساد من البلاد، ثم انجلت الجائحة بفضل لله وحمده.
فيا قومنا ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾، وتجعلون الدين ثانويا عند اتخاذ القرارات لمكافحة الجائحة؟؟، الدين هو الأصل والمحور الرئيس الذي تُرتب الأمور حوله وتدور في فلك تعليماته، فما دمنا نحتضن اليهود، ونعتمد على الماديات فقط، ونضع الدين جانبا وكأننا دولة لا دينية، ونتناسى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر… فلا تتوقعوا نهايات سليمة لا في الدنيا ولا الآخرة، ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾.
وسوم: العدد 921