شيعة يعبدون الأصنام
القرآن الكريم هو المتفق والمشترك الأدق بين جميع مذاهب المسلمين , والخروج عليه خروج من الملة عند الجميع . والقران الكريم يقول (( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )) , ويقول كذلك (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) , ويقول أيضا (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )) . وهذا ما تعززه الاية (( وأن احكم بينهم بما أنزل الله )) . ومن ثم ان أي حكومة بغير ما شرع الله في الإسلام معنية بقوله تعالى (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيدا . وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدُّون عنك صدودا )) . وأن الاحتكام لغير الله عودة الى الجاهلية (( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون )) .
وعند الشيعة كان الاعتراض الأول لعلي بن أبي طالب على اغتصاب غير المستحق لمنصب الخلافة . وهو اعتراض سياسي , لا بالمعنى المعاصر السلبي , بل بما تكون السياسة جزءاً واضحاً من جسم الدين واحدى اهم ادواته لحفظ النظام العام وتوفير البيئة المناسبة لحفظ كرامة الانسان (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا )) . وان الشيعة كانوا الفئة التي تريد الاحتكام الى النص لا الى الرأي على مدار تاريخها . فيكون مذهب التشيع منهجاً عقائدياً قائماً على امتزاج السياسة بالدين . ومن ثم يكون الشيعي الذي يؤمن بفصل الدين عن السياسة غير معتقد بمبادئ التشيع صريحا . فالإنسان خليفة الله على الأرض من واجبه دفع الظلم عن الخلق , ولا يتم ذلك إلا بنظام متكامل للحكم . فعن الصادق (عليه السلام) : ( إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين أن ائت هذا الجبار فقل له : إنني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال ، وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين ، فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفارا ) . وعنه أيضا ( العالم بالظلم ، والمعين له ، والراضي به ، شركاء ثلاثتهم . وكذلك ( من عذر ظالماً بظلمه ، سلط الله عليه من يظلمه ، فإن دعا لم يستجب له ، ولم يأجره الله على ظلامته ) . فتكون المنظومة الاجتماعية – وفق الرؤية الشيعية – مسؤولة سياسياً واجتماعياً عن كل الدائرة الإنسانية . ومن هنا روى الشيعة ان ( عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة ، قيام ليلها وصيام نهارها ، وجور ساعة في حكم أشد وأعظم عند الله من المعاصي ستين سنة ) و ( من أرضى سلطاناً بسخط الله خرج من دين الله ) . وقد ورد عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث قال: ( إياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ) . وورد ابن عذافر عن الصادق (عليه السلام): ( يا عذافر، نبّئتُ أنّك تعامل أبا أيوب والربيع، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال: فوجم أبي فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): لما رأى ما أصابه: أي عذافر، إنّما خوّفتك بما خوّفني الله عزّ وجلّ به، قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموماً مكروباً حتى مات ). وعن حريز قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع، وقوّوه بالتقية والاستغناء بالله عزّ وجلّ , عن طلب الحوائج إلى صاحب السلطان، إنّه من خضع لصاحب السلطان ولمن يخالفه على دينه طلباً لما في يديه من دنياه، أخمله الله عزّ وجلّ ومقته عليه، ووكله إليه فإنّ هو غلب على شيء من دنياه فصار إليه منه شيء نزع الله جل اسمه البركة منه، ولم يأجره على شيء منه ينفقه في حج ولا عتق ولا بر ) . وعن أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أعمالهم – الظلمة - ؟ فقال لي: يا أبا محمد، لا ولا مُدة قلم، إنّ أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله أو حتى يصيبوا من دينه مثله ) .
وبما أن الدولة الحديثة معقدة مشتركة لا يتسنى لمسلم شيعي الخروج من دائرة الظالمين السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والاجتماعية إلا بنظام عادل , شرعي , كان من اللازم على ( الفقهاء ) الذين هم حصون الإسلام الحث على ذلك , وعلى السياسيين والوجهاء الاجتماعيين الذين هم حجر الزاوية في العمل الشيعي التمهيد لهذه الضرورة للتفريج عن الناس . والا كانت القيادة والعمل السياسي – وفقاً لمبادئ الشيعة الشهيرة – اهون من خصف النعل , حسب ما بينه امام الشيعة علي بن ابي طالب عليه السلام ( قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ ؟ فَقُلْتُ لَا قِيمَةَ لَهَا . فَقَالَ عليه السلام : وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ , إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلا ) .
ولهذا كانت ثورة الحسين الدينية سياسة محضة , وكانت هي الأعظم في التاريخ , وعليها مدار اعتقادات الشيعة السياسية . حيث يقول الحسين عليه السلام ( إِنّى لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلا بَطَرًا ، وَلا مُفْسِدًا وَلا ظالِمًا ، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي ، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأَبي عَلِيّ بْنِ أَبي طالِب ) . ولم تكن سيرة الجد رسول الله والأب أمير المؤمنين سوى الحكم بشرع الله وعدله بين عباده . ومن ثم من يظهر يتغنى باسم الحسين ويحتكم الى الطاغوت منافق جلي .
ومن هنا ايضاً تأتي أهمية شخصية مثل زيد بن علي , وثورة مثل ثورته , انها دعت الى الرضا من ال محمد عليهم السلام . عن علي بن موسى الرضا عليه السلام ( .. زيد بن علي فإنه كان من علماء آل محمد غضب لله عز وجل فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله . ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر عليهما السلام انه سمع أباه جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام يقول: رحم الله عمي زيدا , انه دعا إلى الرضا من آل محمد , ولو ظفر لوفى بما دعا إليه . ولقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشانك . فلما ولّى قال جعفر بن محمد: ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه ) . ورضا ال محمد هو رضا الله , فعن الحسين عليه السلام ( ... رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه، وتنجز لهم وعده، من كان فينا باذلاً مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء الله ) , ففيهم تبذل المهجة , للقاء الله , الذي لا يفلح وارده إلا وقد رضي بما حكم به الله ورضيه .
وبالتالي ليس لشيعة اهل البيت في العراق الا الاعتزال , او العمل في ظل سلطان ظالم قائم على غير ما شرع الله من الربا والاحتكام الى الأنظمة الوضعية والتوافق مع اتفاقيات دولية مع دول مستكبرة وخدمة الأجهزة القمعية والامتزاج بحياة أقرب إلى الخلاعة رسميا , ودفع ضريبة الدم الدائمة لرقع كل خطأ من الحاكم .
فيكون دور العلماء الشيعة هداية الناس الى سبيل الرشاد . عن رسول الله صلى الله عليه واله ( إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور . ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا عليهم .. خلع العلوم في الدنيا ) . وعن الإمام الحسن (عليه السلام): ( فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل - يخرجه من جهله، ويوضح له ما اشتبه عليه - على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه، كفضل الشمس على السهى ) . فهل ينتظر الكافل ان يأتيه الى داره يتيم منقطع تائه جاهل ! , أم يبحث عنه ويرشده بحث الأب عن ابنه , ويتصدى لما عرض عليه من محنة .
وبما أن العمل عند الشيعة عقائدياً ممتزج بالدين , فيكون الساسة الذين يعملون خارج دائرة المرجعيات الدينية جهلة بالمعنى العام , و معرضين للخطأ والمعصية الدائمة . فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح ) .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام يحدث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في كلام له: ( العلماء رجلان: رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج وعالم تارك لعلمه فهذا هالك، وإن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه، وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله فأدخله الله الجنة وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق وطول الأمل ينسي الآخرة ) . وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم، و العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل عنه ) . فيكون العلماء مسؤولين عن العمل شاءوا ام ابوا .
فعن علي بن الحسين عليه السلام: ( مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعملوا بما علمتم، فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفراً ولم يزدد من الله إلا بعدا ) . وهذا يبين ان فتح المدارس الدينية بلا منهج عملي لن يكون سوى توسع فارغ غير منتج , بل يزيد الشيعة حيرة وانفصاماً بين ما علموا وبين ما يعملون .
وان العالم الفقيه غير العامل في المجتمع بما علمه من أهل البيت عليهم السلام ليس أكثر من جاهل , إذ ورد عنهم عليهم السلام ( إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون، إن العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله ) . وبالتالي لا يكون اتباعه والارتباط به سوى اتباع وارتباط بصنم .
وان الحياة التي اختارها الفقيه للمجتمع الذي هو فيه او قائده بلا شريعة ليست سوى وجه آخر من وجوه الدنيوية . عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله: وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم ) . وليس اتباع السلطان ان تسير خلفه في الشارع , بل ان تحتكم الى ظلمه وقانونه .
وسوم: العدد 923