لا يتنزل النصر على قوم عاجزين.. يتمنون على الله الأماني
منذ أن خلق الله تعالى السماوات والأرض وما فيهما بالحق، وخلق بعدهما آدم.. وضع الله تعالى لهذه المنظومة الكونية والبشرية، قانوناً ثابتاً راسخاً لا يتبدل ولا يتغير، مهما مرت الأعوام؛ وكرت السنون، وتعاقب الليل على النهار.. لا يحابي أحداً، ولا يداهن مخلوقاً!
بل! الأغرب من ذلك، لا يفضل الله مؤمناً على كافر.. إذا لم يلتزم الأول بالقانون الرباني، والتزم الثاني به! فلو دخل البحر مؤمن وكافر، وكان الأول لا يعرف السباحة، بينما الثاني يعرف.. فسيغرق الأول برغم إيمانه، وينجو الثاني برغم كفره!
إلا في حالات استثنائية قليلة جداً، يُطلق عليها كرامات أو معجزات خاصة بالأنبياء والرسل، وبعض الأولياء الصالحين، بشكل فردي فقط ، وقد يلتحق به مجموعته، التي يقودها.. كما حصل لموسى عليه السلام، حينما انفلق له البحر، ليعبره هو وقومه من بني إسرائيل!
أما بقية الأحداث الحياتية المعيشية العامة، لعامة الناس – سواءً كانوا مؤمنين أو كافرين – فإنها تخضع للسنة الكونية الثابتة ( سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا ) الفتح 23.
وإذا أراد الناس أن يتنزل عليهم النصر، ويتغلبوا على أعدائهم.. فعليهم أن يبحثوا في السنن الكونية، وفي أعماق التاريخ، ليعرفوا الطريق الصحيح، الذي يمكن أن يقودهم إلى النصر.
أما أن يخلدوا إلى الأرض، ويجلسوا مطمئنين إلى أنهم مسلمون، ومؤمنون! ويرددوا كلمات هي حق - لا شك فيها ولا ريب – ( أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ )، وينسوا أن ساعةً عند ربك، كألف سنة مما يعدون، وأن الزمن عند الله، يختلف اختلافاً كلياً عن الزمن الذي يعرفه البشر، فما عند الله قريب، قد يستغرق قروناً مديدة عند البشر، وأن نصر الله، أكيد كذلك، هذا حق - لا شك فيه ولا ريب -.
ولكن هذه المعتقدات! لا تجعل النصر ينزل على الناس، بدون استيفائهم لشروط النصر، وتوفيرها كاملة غير منقوصة.
فالإيمان بحصول النصر لوحده، والابتهال إلى الله تعالى، والدعاء إليه، وترجيه، والبكاء بين يديه، آناء الله وأطراف النهار، لتحقيقه دون استكمال متطلبات، ومقتضيات النصر.. لن يتحقق شيء البتة!
فهذا عمل العاجزين، الخاملين، الكسالى، المتواكلين.. الذين يتمنون على الله الأماني! كما ورد في الحديث الصحيح عن شداد بن أوس (الكيسُ منْ دانَ نفسَهُ، وعملَ لمَا بعدَ الموتِ، والعاجزُ منْ أَتْبَعَ نفسَهُ هواهَا، وتمنَّى على اللهِ الأمانيَّ ).
فالذي يواجه دبابة، بمسدس، لن يستطيع تدميرها.. سيهلك نفسه، ومن معه! وكذلك الذي يدخل البحر وهو لا يعرف السباحة، سيغرق لا محالة - إلا أن يشاء الله -.
إذاً! ما العمل كي يتحقق للمسلمين النصر على أعدائهم، وما الطريق الصحيح، الذي يجب عليهم سلوكه، لإحراز الغلبة عليهم؟!
للإجابة عن هذه الأسئلة وأخواتها، يتطلب أن نبحث بشكل مفصل عن السنن الكونية المختلفة.
السنن الكونية العامة
- لا يَفُلُ الحديدَ.. إلا الحديدُ
- ولا يُقارعُ الفكرةَ.. إلا الفكرةُ
- ولا يَهزِمُ العقيدةَ.. إلا العقيدةُ. .
السنن الكونية التفصيلية
1- إذا تقاتل جيشان لا يملكان أي عقيدة، أو هدف ديني من وراء هذا القتال.. فالجيش الأقوى تسليحاً، والأكثر عدداً.. هو الذي سيهزم الجيش الأقل تسليحاً وعدداً..
وهذا ما حدث في نهاية الحرب العالمية الثانية، حينما اجتمع الحلفاء على قتال ألمانيا واليابان، فهزموهما شر هزيمة، بسبب قوتهم الفائقة..
2- وجود عقيدة باطلة، مع سلاح قليل، لدى أمة أو شعب ما. . تهزم جيشاً قوياً بلا عقيدة! فعقيدة الشيوعية الباطلة في الجيش الفيتنامي، استطاعت هزيمة أمريكا القوية، المجردة من العقيدة.
3- أهل عقيدة فاسدة وباطلة، مع جيش منظم، وسلاح قوي. . يهزمون أهل عقيدة صحيحة، لا يملكون جيشاً، ولا سلاحاً، ولا يلتزمون بعقيدتهم..
فالقرامطة تغلبوا على المسلمين في مكة، وسرقوا الحجر الأسود لمدة عشرين سنة.. في عام 317 هج بقيادة أبي طاهر، الذين دخلوا المسجد الحرام، وذبحوا الحجاج على بكرة أبيهم! وكذلك الصليبيون! الذين تغلبوا على المسلمين، واحتلوا القدس لمدة 91 سنة.. من 492-583 هج.
وها هم الشيعة والصليبيون الجدد.. يتغلبون على المسلمين في الشام، والعراق، واليمن.. لأنهم غير ملتزمين بعقيدتهم الصحيحة؛ ولا يملكون العتاد، والسلاح، والتنظيم الموجود لدى الطرف الآخر.
4- جيش جرار بلا عقيدة، ويملك سلاحاً، وعتاداً قوياً.. يهزم أهل عقيدة صحيحة، لا يملكون سلاحاً، ولا جيشاً منظماً، ولا يلتزمون بعقيدتهم، وهم متفرقون، ومشتتون.
كما تغلب المغول في عام 656 هج على المسلمين.. الذين كان ملكهم في بغداد، لاهياً، عابثاً لا يهمه إلا مُتع الدنيا الرخيصة، ولا يملكون جيشاً، ولا سلاحاً، ولا عتاداً.. فقتلوهم، وقتلوه شر قتلة.
5- أهل عقيدة صحيحة، مع سلاح قليل، وإيمان قوي، والتزام كامل بمنهج العقيدة.. يهزمون أهل عقيدة فاسدة مع سلاح كثير.
فلما استطاع صلاح الدين الأيوبي.. تكوين جيش قوي بالإيمان، مع سلاح قليل، هزم الصليبيين ذوي العقيدة الفاسدة، وأسلحتهم الكثيرة، في معركة حطين. .
6- أهل عقيدة صحيحة مع سلاح قليل، وإيمان قوي، والتزام كامل بمنهج العقيدة.. يهزمون أمة وثنية ذات سلاح كثير. .
فلما تمكن قطز.. من إعادة الروح الإيمانية إلى المسلمين، الذين سبق أن انهزموا شر هزيمة أمام جحافل المغول الوثنيين. . هزمهم هزيمة منكرة، في موقعة عين جالوت. .
وصدق الله تعالى إذ يقول :( كم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) البقرة 249.
هذه ست سنن تفصيلية كونية ثابتة، وثلاث سنن كونية إجمالية عامة، لم تتبدل، ولم تتغير، منذ أن خلق الله السماوات والأرض، وخلق آدم وحواء، وبث منهما رجالا كثيراً ونساءً.
لا يتحقق النصر، ولن يتحقق إطلاقاً، لأي مجموعة بشرية، على مجموعة أخرى، إلا بالالتزام بها، وتطبيقها حرفيا..
والذي يعاند، ويكابر، ويرفض هذه السنن.. ليس أمامه إلا الهزيمة النكراء..
والآن لو ألقينا نظرة متفحصة، ودقيقة على الجيوش الغازية لسورية، لكي نعرف هل هم أصحاب عقيدة أم لا. .
أولاً: إيران ومليشياتها الشيعية المؤازرة لها، من شتى بقاع الأرض.. نجد أنهم أصحاب عقيدة باطلة، يؤمنون بأن قتل المسلمين، وسفك دمائهم، والاثخان في جراحهم، وخاصة أهل الشام أحفاد الأمويين. . سيسرع في ظهور، وخروج الطفل الصغير من سردابه، ليكون مهديهم المزعوم، الموهوم!
إضافة إلى هدفهم الكبير! وهو تهيئة الأرض، لتكون كلها شيعية.. لاستقبال هذا المهدي المكذوب، الزائف!
ثانياً: القيصر الأرثوذكسي الروسي، والقيصر البروتستانتي الأمريكي، والبابا الكاثوليكي الأوروبي. .
كلهم أصحاب عقيدة باطلة، يؤمنون بنبوءات توراتية، وإنجيلية محرفة، عن موقعة هرمجدون، ونزول المسيح المزيف، الدجال.. ليساعدهم ويدعمهم في قتل المسلمين، وتمكين بني إسرائيل من السيطرة، والهيمنة على أرض العرب والمسلمين.
إذاً! الجيوش الغازية المحتلة لسورية، هي ذات عقيدة شيعية، صليبية، يهودية مشتركة في هدف واحد ألا هو: قتل المسلمين، وتهيئة الأرض للمهدي الكاذب! أو المسيح الكاذب، وتمكين اليهود، والشيعة، من السيطرة على الأرض.
هذا الهدف الواحد المشترك بينهم. . لا يمنع، ولا يحول دون وجود أهداف خاصة لكل فريق - سواء كان هدفاً عقدياً أو مادياً - ولا يمنع من وجود بعض الاختلافات، والمنازعات، والخصومات بينهم.
ولكنهم كلهم مشتركون ومتفقون على هدف واحد هو: السيطرة على بلاد المسلمين وخاصة الشام.. لما يعلمون في كتبهم أنها أرض مباركة، وأرض الملاحم الكبرى، وقربها من الكيان اليهودي!
لذلك! ما يقال: ويشاع في الإعلام، عن انسحاب جزئي أو كلي لهذه الجيوش أو مطالبة لسحب جيش إيران من سورية!
هو: كذب، ودجل، وتضليل، وخداع لذرية المسلمين الشاردة، الضالة، التائهة، الضائعة. . لدفعها إلى مزيد من الضلال، والتيه، والضياع.
لن يكون هناك أي انسحاب البتة. . وإنما إعادة تموضع، وانتشار للتمويه، والخداع. .
ولن يكون هناك حل سياسي إطلاقاً
فلا الجيوش الغازية المحتلة تقبل به، ولا الكيان النصيري يقبل به، ولا الكيان اليهودي الذي يحرك كل هذه الجيوش الغازية المحتلة، من وراء ستار، يقبل بالحل السلمي..
هم يزعمون في وسائل الإعلام، أنهم يريدون الحل السلمي، ويسعون إلى تحقيقه.. ولكنها كلها أكاذيب، وتخرصات، وخداعات لعوام الناس..
والحقيقة أنهم يريدون الحل العسكري، للقضاء على أي مجموعة، أو فصيل يحمل السلاح، ويقاوم هذا الغزو المعتدي.. وإرغام الجميع، سياسيين، ومقاتلين على الرضوخ، والإذعان، والاستسلام لشروط الغزاة.
هذا هو تشخيص المرض، أو الواقع في سورية. .
ما هو الحل؟ وكيف يمكن تحقيق النصر، على هؤلاء الغزاة العقائديين؟
هو: تطبيق السنة الكونية الخامسة الآنفة الذكر، تطبيقاً حرفياً.. بتهيئة، وإعداد جيش يحمل عقيدة ربانية، مع تسليح جيد، وتنظيم قوي..
وبنفس الطريقة التي سار عليها عماد الدين زنكي، ثم خلفه ابنه نور الدين، ثم خلفه صلاح الدين الأيوبي.. مع التنويه، والتنبيه أن هؤلاء القادة العظام، الأفذاذ، الفريدين من نوعهم.. لا يوجد أولاً الآن أي قائد مشابه لواحد منهم في سورية.
ثانياً: أنهم كانوا يواجهون جيشاً واحداً ذا عقيدة واحدة.. هي العقيدة الصليبية! بينما في سورية، توجد جيوش عديدة، تحمل ثلاث عقائد.. شيعية، وصليبية، ويهودية..
فالمهمة في سورية الآن أشق، وأصعب بكثير مما كانت أيام الصليبيين.. ومع ذلك استغرقت فترة إعداد، وتحضير، وتهيئة الجيش للمعركة الفاصلة في حطين، وبعدها تحرير القدس، إلى 62 عاماً من الجهاد المتواصل، والعمل الدؤوب، على تحرير المناطق الشمالية والمحيطة بالقدس من الصليبيين، وتوحيدها مع بعضها..
فكم يا ترى ستستغرق من الزمن لتحرير سورية؟
لا شك، ولا ريب أنها تحتاج إلى عشرات السنين، وليس لبضع سنوات، كما يظن المستعجلون.. لأن هذه المعركة، ستكون فاصلة في تاريخ المسلمين، وستكون أشرس معركة في التاريخ..
مما يتطلب إعداداً قوياً، والسير في الطريق الصحيح من البداية.. وبدون تحقيق الشرطين (عقيدة ربانية + سلاح) فلا أمل في النصر إطلاقا..
وسوم: العدد 924