البيان الختامي لمؤتمر موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده، وبعد:
فإنَّه وبحمد الله وتوفيقه، وبتنظيمٍ من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء المسلمين، ورابطة المغرب العربي- قد انعقد المؤتمر الدولي الأول حول موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية، والذي شاركت فيه تسع عشرة دولة، وذلك يوم الأحد التاسع من شهر رجب عام ألف وأربعمائة واثنين وأربعين من الهجرة، الموافق للحادي والعشرين من فبراير عام ألفين وواحدٍ وعشرين من الميلاد، وبعد إلقاء كلمات متعددة حول هذه الديانة المخترعة، وما ارتبط بها من مخططات، فقد صدر عن علماء الأمة والروابط العلمية المشاركة البيان الآتي:
أولًا: إن القرآن الكريم هو أعظم كتابٍ احتفى بإبراهيم عليه السلام، وفي القرآن سورة باسمه، وسور بأسماء آلِهِ، وبعض بَنِيهِ، والمسلمون مأمورون باتباع هَدْيه، وهَدْي سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 90].
ولذلك، فإن أَوْلَى الناس بإبراهيم عليه السلام هم أهل الإسلام والإيمان، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 68].
ثانيًا: إن علماء المسلمين مع التعاون الإنسانـي، والتعايش القائم على الحرية والعدل، وعدم ازدراء الأديان أو الأنبياء، ومع الحوار الإنسانـي لبناء المجتمعات، ولكنهم يقفون متحدِّين ضد تحريف الإسلام، وتشويه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا هو دين المسلمين.
قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 161].
ثالثًا: إن أساس فكرة الدين الإبراهيمي يقوم على المشترك بين عقيدة الإسلام وغيره من العقائد- وهي فكرة باطلة؛ إذ الإسلام إنما يقوم على التوحيد والوحدانية، وإفراد الله تعالى بالعبادة، بينما الشرائع المحرفة قد دخلها الشرك، وخالطتها الوثنية، والتوحيد والشرك ضدان لا يجتمعان.
والزعم بأن إبراهيم عليه السلام على دين جامع للإسلام واليهودية والنصرانية- زعم باطل، ومعتقد فاسد، قال سبحانه: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: 67].
رابعًا: إن السعي لدعم «اتفاقات إبراهام» للتطبيع والتَّركيع عَبْر تسويقٍ لدينٍ جديدٍ يؤازر التطبيع السياسي هو أمر مرفوض شكلًا وموضوعًا، وأصلًا وفرعًا؛ ذلك أن الأمة المسلمة لم تقبل بالتطبيع السياسي منذ بدأ أواخر السبعينيات من القرن الميلادي الفائت، ولن تقبل اليوم من باب أَوْلَى بمشاريع التطبيع الديني، وتحريف المعتقدات، وقد قال تعالى: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ [آل عمران: 83].
خامسًا: إن طاعة أعداء الملَّة والدين في أمر الدين المبتدع، والقبول به، والدعوة إليه- خروج من ملَّة الإسلام الخاتم الناسخ لكل شريعةٍ سبقته، ولن يفلح قوم دخلوا في هذا الكفر الصُّراح!
قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 100].
وقال جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 149].
سادسًا: على الأمة أن تعي أن أوهام السلام إنما يُبدِّدها اليهود أنفسهم، وقد صرح رئيس وزرائهم في 28 يونيو 2020م في مؤتمر جمعية «مسيحيون موحَّدون من أجل إسرائيل» بأن اتفاقية صفقة القرن قد قوَّضت ما أطلق عليه: «أوهام حلِّ الدولتين»، كما أن وزير خارجية أمريكا الحالي قد قال في الكونجرس في يناير 2020م: «إن الحل الأمثل للنزاع هو التعايش السلمي، وتماهي الطرفين مع بعضهما بعد إنهاء أسباب الخلاف!».
وعلى رأس ذلك العقيدة الإسلامية بطبيعة الحال، قال الله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة: 109].
سابعًا: يحذر العلماء الحكومات الإسلامية من الاستجابة لهذه الدعوات المغرضة؛ لما تُمثِّله من عدوانٍ سافرٍ على عقيدة شعوبها، وضربٍ للثقة التي منحتها الشعوب لحكوماتها، وإشعال لنار الخلاف والفتنة بين المسلمين، مما يؤدي إلى إضعاف أمة الإسلام، وتمكين عدوِّها منها، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)﴾ [الصف: 7 – 9].
ثامنًا: يجب على مسئولي وزارات التعليم والإعلام في العالم العربي والإسلامي الكف عن العبث بمناهج تعليم الإسلام، وتقديمه من خلال القرآن والسُّنة، والتأكيد على ثوابت العقيدة والشريعة، وتحصين الناشئة من الانحرافات والشبهات الفكرية والعقدية، فالشباب أمانة بين أيديكم وفي أعناقكم، وسوف تسألون عنها يوم القيامة.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].
تاسعًا: يدعو المؤتمرون العلماء، وطَلَبة العلم، والدعاة، وسائر المُفكِّرين والكُتَّاب المسلمين للقيام بواجبهم نحو دينهم، ومواجهة فتنة تبديل الدين، وتوعية الأمة بهذا الخطر الداهم، وتحرير المقالات، والكتب، وإقامة الندوات، والمحاضرات، والخطب التي تشرح عقيدة التوحيد، وتُبيِّن ما يناقضها، وتحذر من فتنة هذه البدعة الضالة، وأنه ليس هناك من إكراهٍ أو تأويلٍ في قبول هذا الباطل.
قال تعالى: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 191].
قال سبحانه: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29].
عاشرًا: ينادي العلماء المشاركون في هذا المؤتمر إلى تشكيل هيئةٍ مشتركةٍ من الروابط والهيئات العلمية على مستوى الأمة تقوم بواجب إصدار البيانات والرسائل حول الشُّبهات والعقائد الدخيلة على الأمة الإسلامية، وحراسة الثوابت ومحكمات الإسلام، ويكون لها مؤتمر سنوي جامع يتم عقده في شهر رجب من كل عام هجري.
واللهَ تعالى نسأل أن ينصر من نصر الدين، وأن يعز عباده المسلمين بعز الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وسوم: العدد 924