متى ننتقل من حكم العصابة البهرزية إلى الجمهورية السورية؟
منذ أن وقعت كارثة الغزوة البهرزية المشؤومة المسماة بـ«الحركة التصحيحية» التي قام بها غدراً وغيلة برفاق دربه حافظ البهرزي الأول (لأن حافظ البهرزي الثاني ابن بشار قادم إليكم بمباركة صهيو ـ أمريكية لكن سنفتقد، هذه المرة، وبكل حسرة وأسف، وجود الحسناء الفاتنة أولبرايت في جلسة التطويب والتعميد) وأحوال بهرزستان (أو ما كانت تعرف بسوريا سابقاً) تتردى وتهوي للحضيض والقيعان على كافة الصعد ومختلف المستويات، ولقد طال التخريب والتدمير البهرزي المدروس والممنهج كل زاوية وركن ومفصل وتفصيل من شؤون الحياة وأحوال الرعية و العباد، وفقدت معه سوريا (بهرزستان حالياً) وجهها الحضاري الجميل المشرق منذ ذلك الزمان، كما رفع ما يسمى بـ« حزب البعث البهرزستاني(السوري)» منذ وصوله إلى السلطة شعارات قومية عريضة للغاية زاعماً أن هدفه ليس فقط بعث العروبة في السوريين وحدهم، بل في تحقيق الوحدة العربية الشاملة وتعزيز مفهوم القومية لدى العرب من المحيط إلى الخليج.
وقد أنشأ لذلك ما يسمى بالقيادة القومية فيما كانت تعرف سابقاً بـ«سوريا»(بهرزستان حالياً) لتكون المكتب العام لتوحيد العرب. وقد أنشأ حزب البعث فروعاً له في كل الدول العربية تقريباً، باستثناء الدول التي لم تسمح له بذلك. وقد كانت الشعارات القومية تغلب على الخطاب الإعلامي والسياسي له لسنوات وسنوات.
وقد ظن البعض أن حافظ البهرزي الأول، مؤسس السلالة البهرزستانية، فعلاً يريد توحيد العرب وإقامة الدولة العربية القومية، لكن حتى تلاميذ المدارس كانوا يدركون منذ وصول البهرزي الأب إلى السلطة أن الشعارات القومية في واد والسياسة البعثية الأسدية البهرزية في واد آخر، فقد بدأ حافظ البهرزي بعملية تطييف ومذهبة ممنهجة منذ أن فكر بالاستيلاء على السلطة في البلاد. ولا داعي لشرح الممارسات الطائفية التي سيطرت على الحياة السياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية وحتى الدينية في سوريا البهرزي منذ بداية السبعينيات.
ولقد بدا واضحاً للجميع أن النظام الذي يرفع شعارات قومية كبيرة كان يحكم سوريا ليس على أساس طائفي فقط، بل ربما على أساس ما قبل طائفي، فقد عمل آل البهرزي على تهميش وإقصاء وشرذمة، وحتى التنكيل، ببعض العشائر العلوية نفسها، كالعشيرة «الحيدرية» الأكبر وذات الامتداد العميق في لواء اسكندرون، والتي تم إقصاؤها على مدى نصف قرن وإبعادها واستهدافها مع أبنائها، والتي نالت من حقد البهارزة ما لم ينله أي مكون آخر، أي أن البهارزة كانوا أقرب إلى العصبة والعشيرة منه إلى النظام الطائفي أي أنه حتى الصفة الطائفية الكريهة والمذمومة كبيرة عليهم ولا تليق بهم، لكن لم يكن يخفى على أحد أن حافظ البهرزي كان يستخدم القاعدة الطائفية في الساحل السوري لتعزيز نظامه فقط، حيث تبين لاحقاً أنه لا ينتمي أصلاً للعلويين، وكان يتاجر بهم وزجهم بمواجهة مفتوحة مع بقية المكونات السورية، وهو بالتالي ليس علوياً ولا سورياً ولا عربياً، بل من أصول كردية، ويدين باطنياً بـ«الكاكائية» ويرجع أصله لمنطقة «بهرز» بين إيران والعراق حسب إثباتات منشورة وموثقة صوتاً وصورة وباعتراف من جميل البهرزي (الأسد) الشقيق الأكبر لحافظ الذي احتل منصباً دائماً بمجلس «الشعب» أو الدمى البهرزية حتى موته وهو رجل شبه أمي وجاهل وبالكاد يفك الحروف لكنه حاز على لقب دكتور وكان جل طموحه المهني أن يمتلك «كازية» سطا عليها لاحقاً، وعنوة، في شارع الجمهورية باللاذقية من أحد الفقراء، فكل العلويين باتوا يعلمون الآن أن من يسمون زوراً بآل الأسد ليسوا علويين، بالمطلق، لا من قريب ولا من بعيد، بل هم آل البهرزي الكاكائيون الأكراد الذين تسلّلوا للعلويين ونسبوا أنفسهم لهم، عبر جدهم الرجل المجهول الغامض القادم من خانقين من حوالي القرن ونصف، واستغلوهم في مشروعهم السلطوي «المشبوه» المدمّر الشرير.
لكن بغض النظر عن كون العلويين، أنفسهم، ضحية لأحقاد آل البهرزي، فهم كانوا ومازالوا عصب النظام الطائفي الذي يقود «سوريا»(بهرزستان) حتى هذه اللحظة. بعبارة أخرى، فقد كان هذا النظام العصبوي يرفع شعارات قومية ويحكم على الأرض حتى بطريقة ما قبل طائفية. لهذا السبب حصراً انهارت سوريا وتشرد شعبها وأصبحت دولة فاشلة ممزقة ومقسمة لدويلات وكانتونات منفصلة ذات صبغة طائفية وعرقية، لأنه لم يكن لدى هذه العصبة والشرذمة الدموية الإجرامية المتوحشة والحاقدة أي مشروع وطني حقيقي يجمع السوريين تحت لواء وطني أصيل، بل عمل النظام البهرزي على تكريس العصبيات الطائفية والمذهبية والقومية لدى كل مكونات الشعب السوري، وترهيبها، وضربها بعضها ببعض، فعندما يرى السني أو الدرزي أو المسيحي والكردي أو الإسماعيلي أن كل مفاصل الدولة الحيوية كالجيش والأمن والاقتصاد صارت كلها تتحدث بلسان علوي متنمر على الجميع، فلا بد لبقية أطياف الشعب أن تتمترس في مواقعها الطائفية والعرقية.
في كل دولة حقيقية هناك مذاهب وطوائف وأديان وقوميات مختلفة وكلها تحافظ على خصوصياتها الثقافية والدينية، لكنها تندمج في الوقت نفسه في الهوية الوطنية الجامعة للدولة، فيصبح الانتماء الوطني العام أهم من الانتماء الخاص، لهذا ترى أمريكياً أسود فقيراً لا يجد لقمة الخبز لكنه يدافع في الوقت نفسه عن هويته الأمريكية ويتفاخر بها بينما في الدول اللاوطنية الممزقة كـ«سوريا» البهرزية، تجد أن كل جماعة تدافع عن مصالحها الخاصة ضد مصالح الدولة العامة، لماذا؟ لأن النظام نفسه يقوم على نزعة ونعرة عصبوية، وليس وطنية، لهذا يحذو الجميع حذوه بالتمسك بهوياتهم الطائفية على حساب الهوية الوطنية، فلا عجب إذاً أن النظام عمل على شرذمة الثورة السورية نفسها وتفتيتها على أسس طائفية ومناطقية، وهو على ما يبدو ما كان يسعى إليه النظام الطائفي منذ وصوله إلى السلطة، فقد زرع بين السوريين الأحقاد الطائفية ودق الأسافين بينهم كي يبقى السوريون مللاً ونحلاً متناحرة يعيش على تناقضاتهم الطائفية والمذهبية والعرقية. وقد استخدم النظام هذا السلاح البغيض منذ بداية الثورة، حيث بدأت مخابراته تنشر شعارات طائفية بحتة وتنسبها للآخرين كشعار: «العلوية على التابوت والمسيحية على بيروت». وهي محاولة مخابراتية أسدية قذرة مكشوفة لتحشيد العلويين وبقية الأقليات ضد الأكثرية السنية. وقد كانت المخابرات العسكرية في السويداء بقيادة السفاح المأفون وفيق ناصر (مطلوب للجنائية ومحاكم العدل الدولية بتهم ارتكاب مجازر وإبادات جماعية) تحرّض شباب السويداء الدروز على جيرانهم السنة في درعا. وقد كان ناصر وعصابته القذرة يجمع الشباب الدروز ويقول لهم إن الحوارنة سيقتلونكم، لهذا تعالوا نتصدى لهم سوية.
ولا ننسى أن المخابرات السورية فعلت الأفاعيل وحرضت أهل السهل على الجبل والعكس كي تخلق فتنة دائمة بين أهل السويداء وأهل درعا على أسس طائفية، لكن العقلاء في درعا والسويداء فهموا لعبة النظام وتصدوا لها رغم كل عمليات الخطف والابتزاز والقتل التي كان يديرها رئيس المخابرات العسكرية في المنطقة الجنوبية.
قتل بشار البهرزي، المطلوب للجنائية الدولية بتهم إبادات جماعية وجرائم حرب واستخدام السلاح الكيماوي، وأبوه من قبله أكثر من مليون ونصف مواطن سوري، وسجن واختفى ملايين آخرين تحت التعذيب في سجونهما، كما تم تهجير حوالي خمسة عشر مليوناً آخرين من خيرة العقول والكفاءات والشخصيات والخبرات السورية ونفييهم في أصقاع المعمورة، وكله في مسعى الثنائي البهرزي من أجل تحقيق الوحدة العربية وكذبة وخدعة العروبة وفي سبيل لواء القومية الوهمي الذي رفعاه خلال نصف قرن من الحرب الشرسة ضد الشعب السوري، وكل ما يطلبه الشعب السوري أن يتوقف البهارزة عن رفع هذه الشعارات الكاذبة والمخادعة والفارغة الجوفاء وذلك رأفة بالبقية الباقية من السورية والحفاظ على ما تبقى من سوريين.
نحن كسوريين بتنا ممزقين وطنياً وسياسياً ودينياً وطائفياً وإيديولوجياً وإثنياً. ليس هناك مكون مهما كان صغيراً إلا وهو ممزق إلى ألف قطعة. ليس لدينا أي هوية وطنية حقيقية تذوب فيها كل تناقضاتنا وخلافاتنا الضيقة، لأن هذه بالأصل مهمة النظام الحاكم الذي كان كل همه ضرب المكونات، وتمزيق السوريين إلى ملل ونحل متصارعة، واللعب على تناقضاتهم والاتجار بالحساسيات الإثنية والعشائرية والمذهبية وتوتيرها وتضخيمها، وكان اعتمادها بالتعيينات والترقيات والوظائف، هو المعيار بدل الكفاءة والمؤهلات ونظافة اليد والكاريزما الشخصية والدرجة العلمية والخبرات، لأنه لو توحّد السوريون على هوية جامعة لما بقي النظام حاكما، ليوم واحد.
فهل نحن قادرون في المرحلة القادمة على صناعة الهوية الوطنية السورية، فهي نقطة البداية لإعادة بناء سوريا على أسس صحيحة وسليمة، هذا إن ظل هناك شيء اسمه سوريا أصلاً، بعد هذا الهولوكوست البهرزي والمخاض الأليم. لا بأس أن نبدأ من جديد لبناء شعب سوري عابر للانتماءات الدينية والطائفية والمذهبية والعشائرية والإثنية والقومية التي كرسها «البهارزة» الخبثاء الأشرار خلال نصف قرن من الزمان. ومن دون هذا الانتماء الوطني لن تقوم لنا قائمة على الإطلاق حتى لو تغير ألف نظام سياسي. تعالوا نؤسس لهوية وطنية سورية جامعة تتجاوز الطوائف والقوميات والمذاهب والأديان والأعراق فهي السبيل الوحيد للتعافي والخلاص والشفاء، ولكنس حقبة البهارزة المقيتة السوداء، وبكل ما فيها من ضغائن وآلام وشرور وويلات ودماء.
وسوم: العدد 924