تقسيم الأقصى وتطهير عرقي
ما جرى في المسجد الأقصى في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك الموافق 7-مايو 2021 عندما اقتحم المئات من شرطة الاحتلال المسجد بطريقة وحشيّة، وانهالوا على رؤوس المصلي الصّائمين الرّكّع السّجود بالرّصاص المطّاطيّ وقنابل الغاز الخانق وقنابل الصوت، متزامنا مع هجمة التّطهير العرقيّ في حيّ الشّيخ جرّاح، وإصابة أكثر من 200 شخص بجراح مختلفة، ومنع سيّارات الإسعاف من الوصول إلى الجرحى، وإجبار المصلّين بالقوّة على الخروج من المسجد الأقصى، وإغلاق بوّابات المسجد القبليّ بالسّلاسل، بعد قطع أسلاك سمّاعات المسجد ليس حدثا عابرا أو طارئا، بل هو أمر مدروس ومخطّط له، وكما يبدو أنّ الحكومة الإسرائيليّة باتت على قناعة بأنّ الوقت قد حان لتقسيم المسجد العظيم مكانيّا بعد أن قسّمته زمانيّا منذ سنوات، كما فعلت مع الحرم الإبراهيمي في الخليل منذ العام 1992، لتحويل جزء منه إلى كنيس يهوديّ. أو لبناء الهيكل المزعوم بين قبّة الصّخرة المشرّفة والمسجد القبليّ، إذا لم يتم هدمهما كلّيّا وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضهما. وواضح أنّ اسرائيل لا ترعوي للقانون الدّوليّ ولا لقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، ولا للوائح حقوق الإنسان، ولا لاتفقيّات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري، كما أنّها ما عادت تخشى ردود أيّ فعل عربيّ أو إسلاميّ بعد ارتماء أنظمة عربيّة متصهينة في حضن اسرائيل. ويبدو أنّ مخاوف جولدة مائير في شهر آب-أغسطس من العام 1968 عندما أحرق المسجد الأقصى وقالت: بأنّها لم تنم تلك الليلة خوفا من أن تجتاح الجيوش العربيّة والإسلامية اسرائيل نصرة للأقصى، يبدو أنّ تلك المخاوف لم تعد قائمة. بل على العكس فإنّ كنوزها الاستراتيجيّة في المنطقة قد تحوّلوا من سلاح الشّجب والإستنكار استرضاء لشعوبهم إلى داعمين ومتحالفين ومموّلين لاحتلال اسرائيل للأراضي العربيّة علنا وعلى رؤوس الأشهاد.
وليس غريبا أن تتزامن الهجمة على المسجد الأقصى مع هجمة التّطهير العرقي الجاريّة في حيّ الشّيخ جرّاح على بعد مئات الأمتار من المسجد العظيم. فإسرائيل تريد القدس بشكل خاصّ وبقيّة الأراضي العربيّة المحتلّة خالية من السّكّان.
ومع أنّ اسرائيل وحليفتهاأمريكا تعلمان جيّدا من خلال مراكز الأبحاث مكانة القدس والمسجد الأقصى الذي هو جزء من العقيدة بالنّسبة للمسلمين، واعتمدتا على أتباعهما من أنظمة عربيّة متهالكة، إلا أنّهما ومعهما أتباعهما لا يدركون أهمّيّة ذلك لدى الشّعوب المتمثّلة بأكثر من مليار وثلاثة أرباع المليار مسلم في العالم، وغالبيّتهم العظمى ليس لديهم ما يخافون عليه، وهم جاهزون لفداء الأقصى بأرواحهم. والأقصى مقترن بالكعبة المشرّفة وبالمسجد النّبويّ، وهو أولى القبلتين وثاني الحرمين وثالث الحرمين التي تشدّ إليها الرّحال. وما المسّ بالمسجد الأقصى إلا إشعال لحرب دينيّة يعرف مشعلوها متى يبدأونها، لكنهم لا يعلمون لا هم ولا غيرهم متى ستنتهي، وبالتّأكيد سيكونون وقودا لها، ولن يسلم أحد من لهيب نارها، فإرادة الشّعوب لا تقهر، وستدور الدّوائر على آباء أبي رغال وعلقمي العصر كما دارت على سابقيهم.
وسوم: العدد 928