مشاهد منتقاة من قاعدة روسية… ديالا ووارف في الغوطة الشرقية… وهل ما زالت «الأرض بتتكلم عربي»؟!
يعرض برنامج «كلاشينكوفا» على قناة «روسيا اليوم»
على الساحل السوري. يعرض لقاعدة عسكرية مطمئنة، إلى حدّ لم يعد لديها من عمل سوى طلعات تدريبية، بعد سنوات من التأسيس والقتال. سنرى مهابط الطائرات الحربية، أنواعها، جبروتها، بالإضافة إلى قوة الدفاع الجوي من صواريخ. التقرير يحرص إلى جانب ذلك أن يظهر القاعدة كمدينة مكتفية بذاتها، بعيدة تماماً عن محيطها السوري غير الظاهر في الصورة. مدينة بشوارع ومشفى وكنيسة ومطاعم لا تعرف سوى الطعام الروسي المتنوع، الذي لم يداخله طعام سوري، على نحو ما ذكر أحد عسكر القاعدة.التقرير مصمم لكي يشعر المشاهد باليأس، يقول المرء لنفسه إن قاعدة كهذه لم تصمم كي ترحل قريباً، لا شك أنها باقية إلى أبدٍ غير مسمى.
بقدر ما يبدو هذا الإحساس مستفزاً، لا بدّ أن يستفزك أمر آخر بالقدر نفسه، هو أداء المذيعة التي راحت تتقافز بمرح، كما لو أنها مذيعة برامج مسابقات. أساساً المكان برمته يظهر كما لو أن الطائرات فيه مجرد ألعاب افتراضية نظيفة. ليس بالوسع مشاهدة الرعب الذي أحدثتْه الطائرات الروسية على الجهة الأخرى، جهة السوريين الأعداء؛ المشافي الميدانية المقصوفة، المجازر أمام الأفران والأسواق الأكثر شعبية، المجازر الكيماوية شمالاً وجنوباً، الدم والأشلاء وأرغفة الخبز الباقية المدماة.. هذا ما لا يمكن أن يعرضه تقرير لـ»روسيا اليوم».
إن قلنا إن التقرير مجرد بروباغندا فمن حقك أن تسخر من الكلام، فما يمكن أن يتوقع المرء من «روسيا اليوم» وأي وسيلة إعلامية رسمية سوى الدعاية السياسية، أي صور يمكن أن نتوقعها لمن سُمح له وحده بالدخول إلى القاعدة الجاثمة على صدور السوريين، وربما على صدر الشرق برمته!
الرقص فوق أرض المأساة
يذهب الثنائي السوري «اليوتيوبرز»
من أجل فيديو جديد لجمهور المنتظرين. سنقضي جزءاً من وقت الفيديو في الطريق، وسنشهد أن المكان على جانبيه كان أقرب إلى صورة بلاد ضربها زلزال. عندما نصل ستقول ديالا إن لديهما، هي وشريكها، 25 هدية ستوزع على 25 طفلاً. يجتمع الأطفال، وعلى ما يبدو أن شرط الهدية أن يكون أحد الأبوين متوفياً، وقد «صدف» أن هناك من مات أبواه. هكذا سيجتمع الأطفال في مشهد محزن ليتسابقوا على إعلان الوفاة؛ قل إن أحد أبويك ميت واربح ثياب العيد! لم أجد مشهداً أحزن من هذا، هذه المرة وجوه الأطفال وأصواتهم، لا المكان فقط، هي المنكوبة، سوف تعكس وجوه بعض الأطفال وألسنتهم عطباً نفسياً مرئياً بالعين المجردة.مشهد يذكّر بالنائب في البرلمان السوري، والمنتج التلفزيوني محمد قبنض، عندما وزّع بيده سندويشات وقوارير ماء على الخارجين من حصار الغوطة بشرط الهتاف لبشار الأسد، في مشهد هو الأذل، صحيح أن ديالا ووارف لا يشترطان الهتاف، لكن لا يمكنك أن تتجاهل حجم الذل لبلدات الغوطة، هذه التي كانت تعدّ سلّة دمشق، أثاث بيوتها، ظلالها الوارفة، الجنة التي كان السوريون يقضون عطلاتهم وأسعد أيامهم في أحضانها. عدا عن أن شرط عمل الخير، إن كان خيراً بحق، أن «لا تعلم يمينك ما أنفقت شمالك» فأي خير حين تصوّر الأيادي الممدودة وتعرضها لآلاف مؤلفة سيكون جزءاً كبيراً منهم من الشامتين، والفرحين بإعلان الانتصار.
في الجزء التالي سيراهن الشريك شريكته إن كانت تستطيع حلب البقرة، وهي بدورها ستحلب البقرة أمام الكاميرا. ستقال نكات سخيفة، لا ندري لماذا خلط هذا الهزل بمأساة الغوطة الشرقية! مشاهد توحي بأن الشابين لا يتحسسان أصلاً المأساة التي تملأ فضاء البلدة.
غوطة دمشق المنكوبة وضعت أراجيحها وألعاب أطفالها فوق الركام، لا يمكن العثور على أي نوع من البهجة في هذا المشهد. هنا، يمكن أن ترى كل ما حلّ في البلاد دفعة واحدة في فيديو واحد، في اثنتي عشرة دقيقة من الإذلال.
في مكان المجزرة
الاحتفال الأكبر بـ «فوز» بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية الهزلية جاء من حي «بابا عمرو» في مدينة حمص، أكبر المدن الثائرة ضد النظام. هناك ظهر العدد الأكبر من المحتفلين، وإليها توافد عدد من الفنانين المطبّلين، وعلى رأسهم الممثل دريد لحام، هناك تكدّس أكبر عدد من الأعلام والأغاني والهتافات.
المتابعون لمجريات الحدث السوري كانوا يعرفون معنى الاحتفال الضخم في بابا عمرو؛ كلّما تفاقمت أغاني النظام وأعلامه ستعرف أن جريمة فظيعة جرت هناك، وما علوّ صوت الاحتفال إلا لتغطيتها. الكل يعلم أي مجزرة خسيسة ارتكبت في ذلك الحيّ، لقد محي الحيّ تماماً تقريباً في واحدة من مجازر النظام المبكرة. أبيدت سهرات الحيّ الثائرة التي كانت تستمر على الشاشات حتى الصباح في أيام الثورة الأولى.
إنه الحيّ نفسه الذي تسرّب منه فيديو استثنائي لجنود النظام يسرحون فوق الدمار، كما لو في مشهد من أفلام الحرب العالمية الثانية، مع عبارة أرادها الجندي بمثابة عنوان: «بابا عمرو سابقاً».
لو تتبعنا الاحتفالات والحضور البارز لرأس النظام أثناء الانتخابات وبعدها لعرفنا تماماً أين ارتكبت أفظع المجازر.
لا مناص هنا من استعادة عبارة قالها فنان تشكيلي سوري معارض تعليقاً على أداء بشار الأسد واجبه الانتخابي في مدينة دوما، حيث ارتَكَبَ مجزرة كيميائية: إنهم يحومون حول جريمتهم.
لغة إذا وقعتْ
أياً كان الاحتفاء في بلادنا بالثقافات واللغات والحضارات الأخرى، لم نشهد مرة احتفالاً بعيدٍ للغة، ولا حتى باللغة العربية، كما احتفلت دمشق وجامعتها أخيراً بـ «عيد اللغة الروسية» حسب تقرير لوكالة أنباء النظام السوري. معرض توثيقي وقراءات شعرية على مدى أيام شهدتها جامعة دمشق، أساتذة وطلاباً، لا توحي بأن الفعاليات حدث عادي. لقد صادقتْ دمشق على مدى تاريخها المعاصر دولاً وشعوباً، لكنها لم تعرف احتفالات كهذه، ما يوحي بأن الأمر جاء من فوق، من المفوض السامي الروسي. إن الاحتفال يأتي بقرار من المحتل، هذا الذي يقصف هناك، ويدبّر هنا، يغطي قصفاً إسرائيلياً في مكان، ويلفق انتخابات ومفاوضات وذرائع أينما شاء، ثم يفرض على الشبيبة الاحتفال بلغة المحتل، دون غيرها! ها ما زال «قلب العروبة النابض» يتشدّق بأن الأرض بتتكلم عربي؟!
وسوم: العدد 932