الشعب التونسي قادر على تصحيح مساره الديمقراطي
سهلت مسارعة الإعلام المصري والسعودي والإماراتي لتأييد ما قام به الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو الحالي حين أقال الحكومة وعزل رئيسها المشيشي ، وجمد البرلمان شهرا ، وجرد أعضاءه من حصانتهم ؛ نقول سهلت تلك المسارعة تحديد هوية ما حدث . إنه انقلاب لا حركة تصحيحية ، ولو كان ثورة تصحيحية ما أيده هذا الإعلام الذي يعبر عن الموقف الرسمي للدول الثلاث . " الأهرام " المشهورة برزانتها وصفت ما حدث ب " خسارة آخر موقع للإخوان في المنطقة " ، وصحيفة " 24 ميديا " الإماراتية وصفته ب " قرار جريء لإنقاذ تونس " ، وكتبت عكاظ في عنوان لها : " تونس تثور ضد الإخوان " . وذكر موقع " ميدل إيست آي" البريطاني أن أمنيين ليسوا تونسيين كانوا في قصر قرطاج ليلة الانقلاب ، وأنهم قدموا المشورة لسعيد ، ورجح الموقع أنهم مصريون . ونسب موقع " عربي 21 " لمصادر لم يعينها أن السفير الأميركي في تونس دونالد بلوم طلب من سعيد مغادرة ضباط مخابرات مصريين وإماراتيين قال إنهم قدموا إلى تونس قبل أسبوعين من الانقلاب بحجة تقديم مساعدات لمقاومة وباء كورونا . وربما يكون بعض هؤلاء الضباط هم من ضربوا رئيس الوزراء المشيشي حين رفض الاستقالة ، وترك الضرب آثاره في وجهه ، فلم يظهر بعده . وفي مسارعة سعيد للأمر بإغلاق مكتب قناة "الجزيرة " مسعى لإرضاء النظام السعودي الذي كان إغلاق القناة كليا أحد شروطه الثلاثة عشر لإعادة العلاقات مع قطر بعد قطعها في يونيو 1916 مع الإمارات والبحرين ومصر بتهمة تشجيع قطر ودعمها للإرهاب في المنطقة . ولا عبرة بالمصالحة الحالية بين النظام السعودي وقطر ،فالجمر تحت الرماد ، وفي نفس هذا النظام الكثير من الحقد والحسد نحو القناة ، ونحو نجاحات قطر في السياسة والاقتصاد والرياضة . ووجود الأمنيين المصريين والإماراتيين في تونس قبل أسبوعين من الانقلاب يبرر اليقين بأنه مدبر مسبقا مع قوى خارجية منها هذه الدول الثلاث ، ويعزز هذا اليقين التغريدة التي بشر فيها ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي بضربة جديدة قوية للإخوان ، وعدها خبرا سارا . وقطعا وراء الانقلاب قوى أجنبية ، فلا يعقل أن يتحرك سعيد مع الدول العربية الثلاث دون تأييد خارجي غير عربي . وتحريك الشارع التونسي في 25 من الشهر الحالي كان موجها من الرئيس سعيد وأنصاره ليصب الشارع غضبه على كتلة النهضة الإسلامية ورئيسها راشد الغنوشي ؛ رئيس البرلمان ، واتهامهما بالعجز عن مواجهة سوء الأوضاع الاقتصادية والصحية في البلاد . ما حدث في تونس بإقالة حكومة المشيشي ، وتجميد نشاط البرلمان ، وتجريد أعضائه من حصانتهم صدم كثيرين في العالم العربي لما رهنوه على التجربة التونسية من آمال في الوصول إلى حياة سياسية ديمقراطية مستقرة تصبح قدوة لبقية الشعوب العربية بعد ما رأوه من اختلافها عن بقية الدول العربية التي وقعت فيها أحداث ما حسب في البداية ربيعا عربيا ، فلم تُهرَق في تونس دماء مثلما حدث في سوريا وليبيا واليمن ، ولم يتدخل الجيش للتأثير على أحداث ثورتها لحرفها عن أهدافها الشعبية مثلما حدث في مصر . صحيح ، تعثر المسار الديمقراطي في تونس وتباطأ إلا أن الثورة التونسية ظلت أنقى من سواها ، وظل الأمل كبيرا وحيا في وصولها إلى نهاية سليمة حميدة . الآن ، بعد الانقلاب ، انهار كل شيء ولو مؤقتا . يستحيل أن يضع النظام المصري والسعودي والإماراتي أيديهم في أمر ، ويأتي منه خير . والأنظمة الثلاث ، كقوى مضادة للثورة ، يؤلف بينها عداء مرضي مستحكم للإخوان المسلمين ، وترى في إبعاد كتلة النهضة ذات الأصول الإخوانية ، وإن ابتعدت تنظيميا عن حركة الإخوان مثلما ابتعدت حماس ؛ انتصارا كبيرا لها . وتراقب الجزائر ما يجري في تونس مراقبة ملازمة ملحة ، ولا تتوقع خيرا من تدخل الأنظمة الثلاثة في ما تراه مجالها الحيوي الأول ، وتوجها من هذه الرؤية قال رئيسها عبد المجيد تبون : " لن نسمح بوقوع تونس تحت النفوذ السياسي والعسكري لمصر . " والشعب التونسي بوعيه المتميز بالعمق ، وبثقافته السياسية والاجتماعية ، وبأحزابه الجيدة التنظيم ؛ لن يسمح لمصر التي يسيطر فيها العسكر على السياسة والاقتصاد والتجارة والإعلام والثقافة والفنون ، وللنظامين السعودي والإماراتي اللذين يحرمان شعبيهما من الحقوق السياسية وحرية التعبير ؛ بتوجيه الأحداث في تونس وجهة تجعل النظام فيها صورة من الأنظمة الثلاثة باستبدادها وفسادها وتبعيتها للغرب وإسرائيل . تونس شيء مختلف ، وربما لا ينقضي وقت طويل حتى يختفي سعيد من الحياة السياسية التونسية بطريقة ما ، فما فعله ليس هينا عاديا ولا مؤقتا عابرا ، وإذا لم يُبعَد عن هذه الحياة فستكون لفعله عواقب كبيرة الضرر على تونس وعلى محيطها المغاربي ، وعلى المشرق العربي .
وسوم: العدد 940