قذافي تونس الجديد....والدور الإماراتي والفرنسي
حكومة ماكرون التي تقود حربا على الحريات والحقوق في فرنسا وتحديدا على المسلمين، وتتجاوز على قرآنهم وعلى نبيهم صلى الله عليه وسلم ومقدساتهم فتمنع فتياتهم من الحجاب وتُكره أطفالهم على أكل الخنزير في المدارس، فيما يشبه محاكم تفتيش جديدة في ثوب عصري ولكنه زائف ومقزز، تدعم وبقوة إنقلاب تونس. كثير من المراقبين يرون في فرنسا الداعم الأساسي إن لم نقل المهندس الرئيس لإنقلاب تونس ومنفذه قيس سعيد، القذافي الجديد. القذافي من حيث الخطب الرنانة والشعارات الزائفة، والمسافات الشاسعة والواسعة بين الأقوال والأعمال، والشعور بالعظمة المتعالية والسعي لتطبيق نظام حكم جديد (لفظيا) يسعى لتعزيز الحكم الشعبي وما هو إلا ستار لصناعة وثن سياسي ومستبد دموي. حتى في قراءات النوايا وتوزيع الشهادات على الناس والسياسين، يقتدي سعيد بالقذافي ذراعا بذراع وشبرا بشبر، فهناك كان القذافي يخوّن ويشتم المعارضين والسياسيين، وهنا يحدد قيس بمفرده وبهواه من هو الصادق منهم ومن هو الوطني.
في إتصال هاتفي بين المعتدي على الرسول صلى الله عليه وسلم ماكرون وقذافي تونس، قال الأول إن فرنسا تقف إلى جانب تونس وشعبها في هذه اللحظة الحاسمة، ونقل بيان صادر عن قصر الإليزيه عن ماكرون قوله إثر المكالمة الهاتفية، إن فرنسا تقف إلى جانب تونس والشعب التونسي من أجل سيادتها وحريتها. وأعلن ماكرون "رغبته في أن تتمكن تونس بسرعة من الاستجابة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تواجهها"، مضيفا "تونس يمكن أن تعتمد على دعم فرنسا لمواجهة كل هذه التحديات". من جهته، أكد القذافي الجديد التزامه بالاستجابة للأولويات العاجلة، وقال إنه سيعرض بسرعة خارطة طريق للفترة المقبلة وإنه سيواصل إعلاء الشرعية الشعبية (قذافيات)، متعهدا بعرض خارطة طريق لإدارة المرحلة في أقرب وقت. لاحظ دعم ماكرون المطلق والمعلن للإنقلاب وتجنبه وبشكل كامل وشامل الحديث عن الإنتخابات والديمقراطية وإحترام الدستور.
الداعم الثاني بل ومهندس الإنقلاب على حرية الشعب التونسي، دولة الإمارات العربية والتي تعد بمثابة أنياب إسرائيل وأظافرها في المنطقة والتي تخصصت في إشعال الحرائق والفتن في الدول العربية والإسلامية خصوصا تلك التي سعت شعوبها لنيل حرياتها وحقوقها الأساسية. ففي تزامن –بدا وكأنه منسق بين دعم أبوظبي وباريس- زار أنور قرقاش تونس داعما ومؤيدا للإنقلاب وبشكل علني صفيق قائلا إن بلاده تتفهم قرارات قيس سعيد وتدعمها، وإن الإمارات تدرك أهمية القرارات التي أعلنها سعيد في الحفاظ على الدولة التونسية والاستجابة لإرادة الشعب (كيف توصل لهذا الإستنتاج؟!)، ونقل بيان صادر عن الرئاسة التونسية عن قرقاش استعداد الإمارات الوقوف إلى جانب تونس.
قذافي تونس الجديد يتلقى الدعم الصريح من دولتين ويمتدحهما، فرنسا المحاربة للإسلام وهو الذي كان يزعم أنه عروبي يتكلم الفصحى ويواجه الفرنكفونية ويرفع شعارات إسلامية ويتغنى بعدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقتدي به أمام كاميرات التلفزيون. والإمارات التي لم تكتف بالتطبيع مع تل أبيب بل إن علاقاتها مع إسرائيل غير مسبوقة بين الدول في التاريخ، فهي أشبه بعلاقات الزنى السياسي وفيها الكثير من الشبق والوله والولع. فالإمارات تدعم المستوطنات، وفتحت في زمن قصير للغاية جميع أوجه التعاون بينها وبين تل أبيب، واستجلبت لاعبي كرة قدم منها، وأرسلت طلابها للدراسة فيها ولا يتوقف أبواقها وذبابها الإلكتروني حتى من أصحاب المراكز الأمنية العليا (المتقاعدين) في مدحها والتعامل معها كما تعامل مشركوا الجاهلية مع اللات والعزى تبجيلا وإحتراما. وبالرغم من أن القذافي الجديد أعتبر في برنامجه الإنتخابي التطبيع خيانة عظمى، فإنه لا يتحرج عن مدح دولة الإمارات علنا وتلقى الدعم منها لإنقلابه على الخيار الشعبي.
قذافي تونس يزعم أنه لم ولن يمس الحريات وأنه لم يعتقل أحد مع توزيعه اتهامات الفساد على السياسيين والتي رآها وشعر بها، فقط بعد إنقلابه وكان من قبل الإنقلاب غافلا عنها. أحاديثه عن الحريات والحقوق محض أكاذيب، لا تخرج عن إطار أكاذيبه السابقة عن التطبيع وفلسطين والفرنكفونية وزهده في السلطة، وهي فقط لشراء الوقت حتى يتمكن بتمويل وبتوجيه من حلفائه بل موجهيه الخارجيين (ماكرون، السيسي، وبن زايد) من التمكن من المفاصل الأمنية والعسكرية في تونس، وبعدها لا تستغربوا محاكمات هزلية واعتقالات جماعية وإعدامات واسعة كثيرة.
تقف النهضة والأحزاب السياسية المؤمنة بالحريات والخيار الشعبي موقفا حرجا وتواجه خيارات صعبة، فهي –خصوصا النهضة- إن تحركت الآن شعبيا وسلميا، حركوا الزعران والبلطجية وافتعلوا العنف واتهموها به واتخذوه مبررا لإضطهادها وحظرها. وهي إن أكتفت بالمراقبة فإنها تعطي القذافي الجديد الوقت الذي يحتاجه للتمكن والسيطرة والهيمنة، ومن ثم رمي آخر قناع لديه وإتهام خصومه بالإرهاب –السيناريو السيساوي-. بطبيعة الحال فأنت كما في مصر السيسي لا تحتاج إلى منطق أو قانون أو أخلاق مادمت تمتلك القوة وتفتح بلادك ومقدراتها وسيادتها أمام القوى الدولية مقايضة مقابل دعمها وإعترافها والحصول على الحماية السياسية منها.
وسوم: العدد 941