حرائر مصر... وعار الأبد!!
حسام مقلد *
رفضت حرائر مصر الطاهرات العفيفات الانقلاب العسكري الظلوم الغاشم، وخرجن بكل شرف وإباء يطالبن بالحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لجميع المواطنين، لكن الانقلابيين الفجرة تجاوزوا كل الحدود وأطلقوا كلابهم الضالة تقتلهن وتفتك بهن وتنتهك حرمتهن بلا وازع من خلق أو ضمير أو حتى بقايا رجولة.
والحق أن حرائر مصر قد فاجأن الجميع بموقفهن البطولي ضد الانقلاب الغاشم؛ فعلى مدى عقود طويلة من الزمن ووسائل الإعلام المختلفة ترسم صورة مزيفة للمرأة المصرية تُظهرها بمظهر المرأة السافرة السطحية المتطلبة التي لا همَّ لها إلا الشكليات والتفاهات... وكرست الدراما عبر المسلسلات والأفلام والمسرح جزءا كبيرا من نشاطها لإبراز حرائر مصر في ثوب المرأة المتحررة لدرجة الانحلال، والتي لا هم لها سوى إشباع غرائزها واهتماماتها الفارغة!!
وساهم ذلك بكل أسف في رسم صورة ذهنية مضلِّلة عن المرأة المصرية ترسخت مع الوقت في أذهان الكثيرين؛ حتى إن بعض الأخوة في الدول الخليجية يتخيلون معظم المصريات إما راقصات أو مطربات أو غانيات يعملن في النوادي الليلية ومواخير المجون والانحلال!!
وجاءت ثورة 25يناير المباركة وما تبعها من أحداث متلاحقة لتظهر المعدن الأصيل للمرأة المصرية فهي بحق صانعة الرجال وبانية الحضارة، ومناهضتها للانقلاب العسكري الغاشم خير دليل على ذلك، فقد أذهل الجميع هذا الصمود الأسطوري لحرائر مصر في وجه الانقلابيين الطغاة رغم شدة قسوتهم وجبروتهم!!
وإن كان للصهيونية العالمية ومؤيديها في الدوائر الغربية أن يخشون من شيء في مصر فعليهم أن يخشوا غضبة الأجيال الجديدة ـ والحرائر في القلب منها ـ التي يتأكد لها كل يوم بل كل لحظة أن الغرب لا يُكِنُّ للمصريين خصوصا ولا العرب والمسلمين عموما سوى العداء الأيديولوجي والحقد الدفين والكراهية والبغضاء!!
إن صورة فتيات حركة (7الصبح) وهن خلف القضبان بوجوههن البريئة الملائكية الباسمة المشرقة البشوشة طافت العالم كله لتؤكد للجميع أن مصر قد تغيرت بالفعل ولكن للأفضل بإذن الله، كما تؤكد أن قادة العسكر المتوحشين إلى زوال عاجلا أو آجلا؛ لأنهم يبطشون بهؤلاء الفتيات الصغيرات ويسحقون بلا رحمة أيدي الأطفال الغضة لمجرد أنها ترفع شعار رابعة، أو تستعمل بعض الأدوات المدرسية التي تحمل هذا الشعار.
كما برهنت طالبات الأزهر مجددا بجرأتهن ووقفتهن الباسلة في وجه طغاة الداخلية والعسكر أن مصر بخير وأنها إلى خير إن شاء الله، وسوف ينتصر شعبها الأبي الباسل على هؤلاء الطغاة الجبابرة الذين يضربون الفتيات الصغيرات ويسحلونهن في الشوارع، ويُمعِنُون في إذلالهن وتوجيه الإهانة إليهن في مشاهد بشعة وجرائم مروعة لم تَرتكب قواتُ الاحتلال مثلها.
أما المنافقون والمنافقات والمخذولون والمخذولات من: أدعياء حماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ومن لف لفهم وتعاون معهم من أدعياء السلفية، وزاعمي التدين المستنير، ومن أولئك الذين يدَّعُون التحضر والمدنية فقد لفظهم الشعب المصري بعد أن فضحهم وكشف زيف ادعائهم وكذب مزاعمهم!!
يجب على الفن الآن أن يكون صادقا وأمينا في تقديم صورة مشرفة للمرأة المصرية الثائرة الشجاعة التي تقاوم ببسالة المدفَع والهراوة وقنابل الغاز، وتواجه العسكر الظالمين وكل الفاسدين بقوة وصلابة وقناة لا تلين...!!
إن المرأة المصرية الكريمة العفيفة الشريفة الطاهرة تاج على رأس كل مصري وكل عربي ومسلم فهي المربية الصابرة المحتسبة والمكافحة من أجل دينها وحرية وطنها ومن أجل كرامتها وعزة نفسها.
إن المرأة المصرية العفيفة الشريفة ليست هي تلك المومس العاهرة أو السكِّيرة المقامرة التي يقدمها لنا الفنانون العلمانيون في أعمالهم الرَّثَّة الرديئة الهابطة...!! وكم من نماذج النساء المصريات العظيمات تستحق فعلا كل التكريم والإجلال!!
فكم من امرأة مصرية توفي عنها زوجها وهي في عز شبابها لكنها أنكرت ذاتها واختارت الصبر والتفاني والتضحية؛ من أجل الحفاظ على أبنائها الصغار، فعملت ليل نهار لتربيهم وتعلمهم وتنشئهم على القيم والأخلاق ليشبوا مواطنين صالحين، وكم من أخت كبيرة ضحت بنفسها وبمستقبلها من أجل تربية أخوتها الصغار والحفاظ عليهم من الضياع، وكم من زوجة وقفت إلى جوار زوجها وتحملت شظف العيش، وعملت بكل جد وإخلاص من أجل دعمه ومساندته في مواجهة أعباء الحياة القاسية شديدة الأنواء... وكم من أم حرمت نفسها من الطعام الجيد والكساء الجديد لتوفر لأبنائها ثمن كتاب أو زجاجة دواء... كم من أرملة تئن من وطأة الحياة عليها، لكنها تصبر وتحتسب رغم ما تتجرعه يوميا من آلام وأحزان.
والله لقد شعرنا بالخزي والعار يجلل جميع المصريين ونحن نشاهد صور العسكر وأشاوس الداخلية وهم يضربون الفتيات والطالبات والسيدات المسنات ويسحلونهن في الشوارع، ويندفع الواحد منهم وهو ملثم الوجه بلا وازع من دين أو خلق أو مروءة ليُمسك بكل وحشية بفتاة ضعيفة مسالمة عزلاء ويجرها من شعرها أو قدميها وينهال عليها لكما وصفعا... فأين النخوة والرجولة؟! أين ما عرف به المصريون على مر الزمن من المروءة والشهامة والحفاظ على كرامة المرأة وتقديس العِرض وصيانة الشرف؟!
ما الذي فعله الانقلاب القذر في جنود مصر وضباطها سواء أكانوا في الجيش أو في الشرطة؟!! وهل يظن أولئك الحمقى أن الشعب المصري سيفرط في عرضه وكرامته؟!! إن ترويع المصريين وتخويفهم بالسيناريو الجزائري أو السوري لن يدفعهم للعنف أبدا كما يتمنى الانقلابيون!! لكن الشعب المصري الأبي لن يقف مكتوف الأيدي وبناته تضرب وتهان على مرأى ومسمع من الجميع... وشيطنة الإخوان على هذا النحو السفيه الأرعن لن يزيد الجماعة إلا قوة وتماسكا، وسوف يندفع الشعب لمناصرتها والالتفاف حولها...!!
إن من يشعلون الفتن في جسد مصر يلعبون بالنار وسيكونون أول من يحترق بها لأن المصريين يفضلون الموت ولا تنتهك أعراضهم أو تهان حرائرهم، ويؤمنون أن الله تعالى معهم يحميهم ويدافع عنهم وينصرهم ... (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج : 38] ... (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف : 21]!!
* كاتب إسلامي مصري