هزيمة «العدالة والتنمية» ونظرية المؤامرة

fgdjdjd946.jpg 

شكل انهزام حزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات التشريعية والبلدية المغربية التي جرت يوم 8 سبتمبر الجاري، مفاجأة سياسية ضخمة للرأي العام المغربي والدولي، خاصة أنصار الحركات الإسلامية. ومع هذه النكسة، بدأت تتناسل التأويلات التي يصب بعضها في منحى المؤامرة الغربية، وبالضبط دور واشنطن.

ومن النادر جدا تسجيل تراجع حزب حاكم، أو يرأس ائتلافا حكوميا من القوة السياسية الأولى، إلى قوة هامشية لا وزن لها على الأقل على مستوى مقاعد البرلمان، كما حدث مع حزب «العدالة والتنمية» الذي تزعّم الائتلاف الحكومي لمدة عشر سنوات، لينتهي في آخر المطاف إلى المركز الثامن في الانتخابات الأخيرة، وبتراجع من 125 مقعدا إلى 13 مقعدا.

ولعل المثال الذي يسعف في هذا الشأن للمقارنة، ما حدث لحزب اتحاد الوسط الديمقراطي الإسباني، الذي حاز 167 مقعدا في انتخابات سنة 1979 ليحصل فقط على 11 مقعدا في انتخابات 1982 التي كان قد فاز فيها وقتها الحزب الاشتراكي بزعامة فيلبي غونثالث. من التأويلات التي رافقت هزيمة حزب «العدالة والتنمية» المغربي في الانتخابات رواية تقول، إن كل شيء يخضع لمخطط غربي تشرف عليه الولايات المتحدة منذ اندلاع الربيع العربي، ويرمي إلى توريط الحركات الإسلامية في تسيير الحكومات، مع خلق مشاكل لها لتتعثر ولا تقوم قائمة للإسلام كنظام سياسي للحكم والتسيير حتى تمر عقود.

منذ تفجيرات 11 سبتمبر الإرهابية، وضعت مراكز التفكير الاستراتيجي وأساسا معهد راند في كاليفورنيا سنة 2003 خريطة طريق تنص على ضرورة إدماج الحركات الإسلامية المعتدلة في الحكم، لتكون صمام أمان ضد التطرف الإسلامي، الذي مثلته وقتها منظمة «القاعدة». ويعد راند أحد أهم المراكز التي تزود الدولة الأمريكية بخطط العمل مستقبلا، واستوحى معهد راند تصوره من كيفية معالجة واشنطن لملف الحركات الشيوعية في الغرب، ومنطقة أمريكا اللاتينية، لتفادي سقوط هذه الدول في فلك الاتحاد السوفييتي وقتها، فقد شجعت الأحزاب الاشتراكية في أوروبا لتكون سدا منيعا في وجه الأحزاب الشيوعية، ولعبت الأحزاب الاشتراكية هذا الدور بامتياز، في وقت كان المد اليساري في الستينيات والسبعينيات قويا في هذه القارة. ونجحت واشنطن في الدفع بالحركات المسلحة في أمريكا اللاتينية، خاصة أمريكا الوسطى إلى المشاركة السياسية. ورأت واشنطن في الأحزاب الإسلامية، مثل «النهضة» في تونس و»العدالة والتنمية» في المغرب، نموذجا وسيناريو يحاكي دور الأحزاب الاشتراكية في مواجهة الشيوعية، وحالت واشنطن دون إقدام دول عربية على حظر أحزاب إسلامية بعدما شهدت بعض هذه الدول انفجارات إرهابية. لقد وجدت الولايات المتحدة في الربيع العربي، الفرصة المناسبة لإدماج الحركات الإسلامية في المشهد السياسي، بحكم أن هذا الربيع وفّر فرصة لوصولها إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، قبل عودة «الثورة المضادة للربيع العربي» بقوة عبر المال والقمع. وإذا كان الشيوعيون بعد التأقلم السياسي والقبول بمبادئ اللعبة الديمقراطية، قد وصلوا إلى الحكم بشكل فردي، أو ضمن ائتلاف حكومي في الغرب وأمريكا اللاتينية، فقد فشل هذا السيناريو في الدول العربية، بسبب نوعية الأنظمة التي لا تقبل بمشاركة حقيقية للقوى السياسية الأخرى. ولنتساءل مع أصحاب وقوف الغرب وراء إقصاء النهضة وهزيمة «العدالة والتنمية» هل بالفعل حزب مثل «العدالة والتنمية» يشكل خطرا على الغرب ومصالحه الاقتصادية؟ نقتصر على مثالين دالين للغاية لإبراز سطحية مثل هذه التحاليل،

*أولا، لا يشكل «العدالة والتنمية» أي خطر على مصالح الغرب اقتصاديا، فقد تحول إلى التلميذ النجيب للمؤسسات المالية الغربية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إذ لم يسبق لأي حزب حاكم قبله في المغرب أن انصاع بدون أدنى نقاش لشروط المؤسسات المالية الغربية، كما فعل كل من رئيس الحكومة ابن كيران ما بين 2011 – 2016 ثم سعد الدين العثماني ما بين 2016-2021 مع تطبيق ليبرالية متوحشة في شقها الاقتصادي ضد الفئات الفقيرة في المغرب. لقد تراجعت قطاعات استراتيجية، مثل التعليم والصحة والشغل في زمن رئاسة هذا الحزب للحكومة، بل هو أول حزب في تاريخ المغرب يتجرأ ويفكر في إنهاء مجانية التعليم، عندما تولى الحزب رئاسة الحكومة كان المغرب في المراتب العشرين بعد المئة في تصنيف تقرير التنمية الذي تصدره الأمم المتحدة، ويغادر الحكومة ويستمر المغرب في المراكز نفسها.

تبرز التجارب السياسية كيف تستقيل الأحزاب السياسية المسؤولة من الحكومة، عندما تجد عراقيل أو تعجز عن تطبيق برنامجها السياسي

*ثانيا، هل تبنى حزب «العدالة والتنمية» في الحكم سياسة خارجية معارضة للغرب، واصطدم مع المؤسسة الملكية في ملفات مثل التسلح والتطبيع، أو العلاقة مع الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي؟ لقد تنازل «العدالة والتنمية» عن كل صلاحياته في السياسة الخارجية، بل قبل بطريقة مهينة التوقيع على التطبيع مع إسرائيل منذ شهور. لا أحد في المغرب أو من الغرب وضع المسدس في رأس ابن كيران أو العثماني لإجبارهما على تبني قرارات لا تصب في مصلحة الشعب اجتماعيا واقتصاديا. لقد اختار «العدالة والتنمية» بكل وعي وإصرار نوعية السياسية التي طبقها أو شارك في تطبيقها ودافع عنها بدينامية. لقد ارتكب الحزب خطأين رئيسيين وهما:

في المقام الأول، اعتقد حزب «العدالة والتنمية» أن تبنيه للمرجعية الإسلامية في مجتمع مسلم مثل المغرب، كافٍ لضمان قاعدة انتخابية محافظة، وهذا وهم انتخابي.

في المقام الثاني، اعتقد الحزب أنه تحول إلى جزء من الدولة، وبدأ يتصرف على هذا المنوال، خاصة في مواجهة المطالب الاجتماعية والحقوقية، وتبرير الكثير من الخروقات، وكان هذا وهم كبير للغاية، حيث أصبح بعد انتخابات 8 سبتمبر بدون سند شعبي وتخلت عنه الدولة.

تبرز التجارب السياسية كيف تستقيل الأحزاب السياسية المسؤولة من الحكومة، عندما تجد عراقيل أو تعجز عن تطبيق برنامجها السياسي، هذه ثقافة غائبة عند حزب «العدالة والتنمية» الذي فضل البقاء في الحكومة على حساب مبادئه وشعاراته.

وسوم: العدد 946