قضينا بين القضونة والقضينة
كنّا في الماضي، نقول للثرثار المدعي: "حاج تتقضون علينا" وكنا في لغتنا المحكية نقصد بالقضونة، ادعاء بعضهم منصب القضاء ، فهو الحكم في كل شيء، والمرجع فيه، والأعلم في كل شيء والبواب على باب الجنة والنار، فهو مالك وهو رضوان.
وأكثر ما كان يعجبني في أهل حلب، انهم كانوا يُسكتون من يظل يهرش في لحوم الناس باسم الحرام مرة وباسم العيب أخرى بقولهم: خل الخلق للخالق. وفِي موطن أخرى يقولون لكل من يسمعونه يطعن في دين الناس أو في عبادتهم أو في أخلاقهم "عبد ورب" يعنون لا تدخل نفسك فيما ليس لك فيه ...
في عصر الزوم والتويتر والفيس انتشر عدد المتقضونين، والفاضي بيعمل قاضي، كما نقول في المثل.
ومن القضونة الشخصية أو الفردية ندخل في عصر "القضينة" والقضينة أمر أخطر وأبعد أثرا في قضم الأوقات، وإشاعة العداوة والبغضاء...
يموت الانسان من العامة أو الخاصة فإذا الموقف منه وهو بين يدي الحكم العدل قضية..
تمر الذكرى من أمر الدين أو الدنيا فإذا الموقف منها قضية...
يبدو لبعض الناس انهم يمكن ان يقدموا خدمة اجتماعية مشروعة تحت عنوان ما... فإذا الامر الذي بدا لهم قضية..
يطرح امرؤ فكرة أو عنوانا، أو يمر قصدا أو عفوا على عنوان من عناوين التاريخ أو الجغرافيا أو علم الاجتماع فإذا ما طرحه قضية ..
ينظر أحدهم إلى واقعة سياسية أو وطنية من زاوية رؤية مختلفة فإذا ما سبق إليه ذهنه أو لسانه قضية...
وفِي كل ذلك تشحذ الألسنة، وتحمر الأنوف، ويُستدعى الكتاب والسنة والفقه والعقل وما قال الأولون والآخرون ، والأمر لا يعدو أن يكون كمسألة " كيس الفساء" ولست هنا لأمتع ولكن لأشرح..
فقد تساءل بعض الأولين: هل الريح التي تخرج من الانسان نجسة أو طاهرة؟ وجعلوا من هذا السؤال والجواب عليه قضية، وهو قضية أكثر استحقاقا من كثير مما يختلف عليه اليوم المختلفون..
في مسألة نجاسة ريح الفساء أو طهارته؛
قال بعضهم : هي في أصلها طاهرة، ولكنها لما مرت على النجاسة تنجست، وقال آخرون بل هي نجسة بعينها، وقال فريق ثالث بل هي طاهرة ، واحمرت الأنوف واستدعى الكثيرون الحجج والنصوص.
وثمرة الخلاف فيما زعموا:
إذا ملأ امرؤ كيسا من ريح الفساء، وحمله على ظهره، ونصب للصلاة هل تصح صلاته؟؟؟
ربما من المقبول ان يشتغل بعض الخليبن المكفيين بمثل هذا، ولكن هل يصح ان يشتغل بمثله قوم تسفك دماؤهم وتنتهك أعراضهم وحرائرهم تنشد!!
ليت للبراق عينا فيرى ما أعاني من عذاب وضنا
قيدوني عذبوني ضربوا ملمس العفة مني بالعصا
وسوم: العدد 952