"من ليس معي فهو عليّ" أو لقاء على الكلمة السواء ، وعلى جسور البر والقسط !!
" من ليس معي فهو عليّ "
عبارة يحسبها البعض حقيقية. قد تكون العبارة من حيث الصياغة اللغوية جميلة. ودائما أقول ما كل عبارة جميلة صحيحة ..
وهذه العبارة الشئزة كان يرددها دلس وزير خارجية الولايات المتحدة أيام ايزنهاور" من ليس مع أمريكا فهو ضدها " ويبدو أن هذا النهج ما زال سائدا في السياسة الأمريكية.
وقالها بوش الابن يوم كلمه الله كما قال وأمره بغزو العراق، وان يشن عليه حملة صليبية..كما قال.
وقالها بشار الأسد في خطابه الأول في مجلس الشعب بعد إعلانه الحرب على الشعب السوري وفي مقدمتهم أحرار درعا، وقد خرجت الناس بلا عصا ولا حجر..
قد لا يعلم الكثيرون أن هذه العبارة "إنجيلية" وردت في مختلف الأناجيل منسوبة إلى السيد المسيح عليه السلام "من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرق" انظر: متى 12/30 -لوقا: 11/ 23 - مرقس: 9/ 38...
ولأن العبارة كما وصفتها شئزة، أي دلالتها شديدة الضيق والتحجر، فقد حار فيها مفسرو الأناجيل، وقلبها بعضهم إلى الصياغة التالية: من ليس ضدي فهو معي. وهي عبارة أخرى شديد الرخاوة والمطاطية ..
أولا نحن حين ننتقد عبارة واردة في نصوص الكتاب المقدس، لا ننتقد سيدنا المسيح عليه السلام، فسيدنا المسيح عندنا ، وكافة الأنبياء الكرام لا ينطقون إلا بالحكمة والصواب، وإنما نحيل الانتقاد فيما ننتقد على الرواة الذين لم يضبطوا ما نقلوا، أو على المترجمين الذين يتصرفون في ترجماتهم بكثير من الهوى..
ومع ذلك فإن هذه العبارة بكل ضيقها وقسوتها، شاركت في صنع العقل الديني المسيحي فكان من ثمراتها محاكم التفتيش، كما شاركت في صنع العقل الأوربي الحديث، العقل النابذ الذي لا يقبل من الناس إلا التبعية والانحياز، وهذا يشكل ربما أحد مشكلات العالم الكبرى اليوم ...ونكتب هذا اليوم لنحذر أن تكون هذه المقولة الشئزة قد انتقلت بطريقة التبعية أو العدوى إلى عقول وقلوب المسلمين. وربما نسمع صداها في مقررات أهل الغلو منهم !!
وعلى الضفة الإسلامية يطرح القرآن الكريم فسحة واسعة للتلاقي بين الناس. صحيح يؤمن المسلم أن دينه هو الحق وهو العدل، ولكنه يدعو الجميع دعوة صريحة واضحة مفتوحة للقاء على ما سيميه القرآن الكريم "الكلمة السواء" للتعاون في إطار القيم المشتركة. وهذه الدعوة تفتح الطريق أمام الإنسانية بمختلف مللها ونحلها، للقاء على أصول القيم الكبرى الخيرة. ليس شرطا لنتعاون أن يترك اليهودي يهوديته، ولا المسيحي مسيحيته، ولا المسلم إسلامه ، وإنما يمكن أن يتم التعاون بين بني البشر، دون محاصرة " الآخر " مهما تكن طبيعة هذا الآخر، بهذا الشعار الطنان الرنان "من ليس معي فهو علي" أو " فهو ضدي" ودائما يبقى في العقول والقلوب فسحة للتعاون على الخير المتفق عليه بين كل العقلاء فيما سمي قبلا "القانون الطبيعي" ويمكن أن تعنونه الشرائع الربانية، بمثل قوله تعالى (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فالأمر بالقسط والبر مفهوم عام مفتوح، تشترك في نصيب منه، يكثر أو يقل " كل الملل والنحل والدعوات"،
وقوله تعالى (وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، لا يقصد منه أن نصلي بصلاة كل معبد مهما كان المعبود فيه، وإنما المقصود من إقامة الوجوه التوجه إلى الله الواحد الأحد الفرد الصمد بالعبادة والذكر والتسبيح. إن احترام متعبدات الآخرين جزء من ثقافة المسلم، ووجوب الدفاع عنها جزء من مهمته. وأن لا نمر في متعبد يذكر الله فيه، بغير ما شرع، فجميل منا أن نذكر ولو في أنفسنا كلمة التوحيد وأن نسبح الله ونقدسه. ولا ننسى أن " الله يحب أن يذكر ولو من كافر" على ما ذكر ابن القيم في كتابه أحكام المستأمنين، ونقله عنه الشيخ الشهيد صبحي الصالح: في كتابه العهدة العمرية الذي استخلصه من الكتاب الأول .. معنى نحتاج إلى الكثير من الفقه لندرك أبعاده.
لا شك أن الدعوة إلى مايسمى " الملة اإبراهيمية" بمعنى صياغة دين مهزلة و"كوكتيل" في عقائده وتصوراته وقيمه وأخلاقياته، هي دعوة إلى كفر وشرك وضلال وفساد وانحلال ..ونحن المسلمين مأخوذون بقول ربنا (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ولا شك أن من الطغيان المراد ما يتحدث عنه البعض من ابتداع دين ضلالة جديد أو دين "كوكتيل" مريب تحت عنوان "الديانة الإبراهيمية" أو تحت أي اسم أو أي أنواع . ويجب فورا أن يُقطع الطريق على الذين يحاولون في طريق هذا الطغيان بأن نتلو على كل المخالفين الموسومين حسب شريعتنا بالكافرين (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
ولكن وعلى مستوى آخر، ونحن نتابع حربا شعواء يشنها شياطين الإنس والجن، على كل قيم الفطرة والخير والفضيلة في حياة الإنسانية جمعاء، ويحدث ذلك في محافل دولية، تدّعي أشكالا وصورا من الديمقراطية ..يبقى التعاون على قاعدة "الكلمة السواء" ، لدرء المفسدة وجلب المصلحة، أصل يحض عليه الإسلام.
لنلاحظ مثلا أن الإسلام صحح عقود زواج جميع الملل والنحل للذين دخلوا فيه، ولم يبطل من الزيجات غير زيجات المجوس الذين كانوا يستحلون الزواج بمحارمهم.. اليوم الأسرة في كل أنحاء العالم مهددة بالزوال الأسرة المسلمة والأسرة اليهودية والأسرة المسيحية والأسرة الهندوسية والأسرة البوذية والأسرة الوثنية ...!!
اللقاء على الكلمة السواء - المشتركات- واللقاء على قواعد البر والقسط هي شرعة الإسلام للمخالفين, غير المحاربين وغير المكايدين...إ، تفهم الحقائق، وتتبع عطاءات الشريعة الحقة، يحمي العقول والقلوب من كثير من الخطل الممجوج. ويحمي الحصون التي باتت بحق مهددة من داخلها وخارجها على السواء ...
وسوم: العدد 955