السلطة الرخوة في مواجهة ساويرس … «حروب الخوف»!
لم يدفع النظام العسكري الحاكم بآلته الإعلامية كاملة، في اعلان الحرب على رجل الأعمال نجيب ساويرس، لأنها حروب الضرورة، التي تقدر بقدرها!
فقد تم الدفع بالثلاثي أحمد موسى، ومحمد الباز، ونشأت الديهي طبعاً، في حين أن القوة الضاربة ممثلة في عمرو أديب لم تشارك، وبطبيعة الحال لم تشارك فيها لميس الحديدي، وإبراهيم عيسى، والأخير من رجال ساويرس، وكان المفروض أن يذود عنه، إلا أنه يدرك ان الموجة عالية ومن ثم انحنى لها كما انحنى نجيب ساويرس وعاش في دور الميت، بينما الحرب يشتد وطيسها، لأنه يخشى أهل الحكم خشيتهم منه، وهذه الخشية هي ما تجعل هناك توازن، فلا يطغى عليهم ولا يطغون عليه.
ولم يعمل الانقلاب العسكري حساباً لأحد من الحلفاء إلا لـ»ساويرس» الذي كان يخطط لخوض الانتخابات البرلمانية عبر حزبه، لأنه كان يحلم بالحصول على الأغلبية، وأن يكون رئيساً للحكومة، ولهذا تم تأجيل أول انتخابات برلمانية لأكثر من مرة، وتأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، بالمخالفة للدستور، ثم تولى الحاكم العسكري تفكيك قوته السياسية، فحمله على التنازل عن قناة «أون تي في» وتفكيك حزبه «المصريون الأحرار» بضربه من الداخل، والتنازل عن حصته في جريدة «المصري اليوم» وقد قبل هذا لأنه في حقيقته يخشى المعارك مع الأنظمة العسكرية، وفي المقابل منحوه أرضاً في مدينة الشيخ زايد، ليبني عليها أبراجاً بالمخالفة لقوانين البناء في المنطقة، لأنهم يعملون له حساباً ويتملكهم الخوف المتبادل؛ هو يخشاهم وهم يخشونه، وهذه الخشية هي التي كانت حاضرة وهم يخوضون ضده «حروب الخوف» على وزن «صلاة الخوف»!
الهجوم على النظام:
لقد أدلى ساويرس بتصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، تجرأ فيها على النظام العسكري الحاكم، من حيث استحواذ شركاته على الأعمال، بما من شأنه القضاء على المنافسة، فهو لا يقدم عروضا عندما يرى أي شركات حكومية في المنافسة، وقال إن شركات الجيش والحكومة لا تدفع ضرائب ولا جمارك، وأن المستثمرين الأجانب يخافون من العمل في مصر!
وكان يمكن لهذا الكلام أن يظل سراً، فما تبثه الوكالة الفرنسية لا يحظى بنسب قراءة كبيرة، لولا أن صفحة «الجزيرة مصر» أعادت نشر المنشور، فوقف الخلق ينظرون لنجيب ساويرس وهو يتحدى سلطة العسكر، ويقول كلاماً يخضع قائله للقانون.. قانونهم والقانون الطبيعي في وقت واحد!
ومر اليوم الأول بسلام، فلا القنوات التلفزيونية تعرضت لما قال، ولا الذباب الإلكتروني تعامل مع الهدف، وبدا الجميع في انتظار «التعليمات» للتحرك، وقد جاء رد الفعل خجولاً، فكان هجوم الإعلاميين الثلاثة بقيادة «نشأت الديهي طبعاً» لكي يتحرك الذباب الإلكتروني في اليوم التالي لهذا الهجوم، ظني أن «أولي الأمر» منهم كانوا في وضع لا يحسدون عليه وهم يطالعون ما قاله ساويرس، ثم يخشون من التعامل معه بما يلزم، وليس من المنطق تجاوز هذه التصريحات؛ فيبدو النظام العسكري ريشة في مهب الريح في مواجهة الرجل!
ويبدو أن القرار قد اتخذ بالدخول في حرب محدودة، مع ما في كلام ساويرس من خطورة، ويمثل إدانة لنظام الحكم، وتستمد شهادته قيمتها من أن القائل ليس محسوباً على المعارضة ولكنه من أهل البيت، وهو في جانب منه كاشف عن هروب الاستثمار الأجنبي من مصر، ويمثل تحريضا للاستثمار القادم أو الذي يفكر في القدوم إلى أم الدنيا، إن كان هناك ثمة من يفكر، بأن يسقط مصر من حساباته!
كما أن ساويرس أعاد ترديد كلام المعارضة، من أن شركات الجيش لا تدفع جمارك أو ضرائب، وزاد عليه بأن الأمر يشمل الشركات الحكومية أيضاً، وقد رد السيسي على المعارضة من قبل بنفي كل ما يقال، وعندما يؤكد ساويرس الآن فإن قوله يقع بين احتمالين؛ الأول إنه يعطي مصداقية لكلام المعارضة، والثاني أن يكون هو مردداً لكلامها الذي يفتقد للمصداقية، ومن هنا كان لازماً أن يكون رد الفعل محاكمته بتهمة نشر أخبار كاذبة، وهو الاتهام الذي يتم توجيهه لطوب الأرض الآن، فزميلنا ربيع الشيخ منتج المقابلات في «الجزيرة مباشر» تهمته نشر أخبار كاذبة، مع أنه ليس من أهل النشر، وما جاء في صفحته على «فيسبوك» من أخبار، هي عن المصالحة المصرية القطرية، والدورات التي حصل عليها في معهد الجزيرة للتدريب، فضلاً عن خبر حلمه الكبير بغد مشرق، فما هو الكاذب في هذه الأخبار، وإن كان ربيع أحسن حالاً من زميله بالقناة هشام عبد العزيز، الذي لا توجد لديه صفحة على «فيسبوك» ومن ثم لا ينشر أخباراً ولا يحلم بغد مشرق!
إساءة مخاطبة النائب العام:
في العادة، يتحرك محامي أولي الأمر سمير صبري بتقديم دعوى للنائب العام، لكنه في هذه المرة لم يفعل، واندفع «الديهي طبعاً» يوجه بلاغه على الهواء، في قضية أخرى هي المرتبطة بمشروع ساويرس السكني بالشيخ زايد، ورغم أن الطريقة تمثل إهانة لجهات التحقيق، وسوء مخاطبتها، وإحراجها لأنها لن تحقق بطبيعة الحال في بلاغه، فإن بلاغه يمثل إدانة للسلطة التي تقف وراء مخالفات ساويرس لقانون البناء في الشيخ زايد!
نعرف بطبيعة الحال، عنونة المقالات والشكاوى بـ «بلاغ للنائب العام» ونحو ذلك، لكن مشكلة «نشأت طبعاً في حالة التقمص» التي تتمكن منه، فيبدو كما لو أنه السلطة العليا في البلاد، فيصدر فرماناته للنائب العام بالتحقيق، هكذا، وفي موضوع آخر تقمص شخصية السيسي، فذهب يتحدث عن فلسفته في الأداء وكيف أنه لا يتخذ موقفاً إلا دفاعاً عن الدولة، وذلك بينما يمهد للهجوم، فمن يكون الفتى؟ إلا أن يكون وراء تورم الذات تصوره أنه مندوب الولي الفقيه في أبو ظبي، فيخاطب النائب العام كما لو كان معداً ببرنامجه!
اللافت هنا أن الهجوم على ساويرس لم يتطرق لأصل المشكلة، فلم يكن هناك رد بالنفي على ما أثاره من خوف المستثمر الأجنبي، ومن عدم دفع شركات الحكومة والجيش للضرائب والجمارك، فلم يكرروا حتى ما قال، فانشغل «نشأت الديهي طبعاً» بتوصيف الفعل بأنه هدم للدولة، ثم اندفع يهاجمه في مشروعه بالشيخ زايد، وهو الأمر الذي فعله أحمد موسى أيضاً، أما الباز فقد أعاد التذكير بقضية قديمة خاصة بنشاط شركة المحمول التي كانت مملوكة لساويرس ومن ثم اتهمه بالتخابر والتجسس لصالح إسرائيل، أما بوابة «أخبار اليوم» الإلكترونية، فقد اتهمت ساويرس بأن حفلاته تخرج لسانها للقانون!
لتكون الإدانة واضحة للنظام أيضاً، فالنظام من منحه الأرض في منطقة الشيخ زايد، وسمح له بمخالفة قوانين البناء، وهو الذي غض الطرف عن تطبيق القانون على حفلاته، وهو من تستر على محاكمته بتهمة التخابر والتجسس، إن كان ما قاله الباز صحيحاً. في حين أن أحمد موسى ذهب يمينا ويساراً فهاجم دفاع ساويرس عن المطربين الشعبيين، وتطرق أيضاً إلى مشروع البناء في الشيخ زايد!
واختفى في ظروف غامضة رئيس هيئة الاستعلامات، فلم يقترب من الرحاب الطاهرة لوكالة الأنباء الفرنسية فان كان ثمة جريمة فيما قاله ساويرس فإن الجريمة لم تكتمل الا بالنشر، فلم تصدر عنه تهديدات بإغلاق مكتب الوكالة بالقاهرة، أو سحب تراخيص المراسلين العاملين فيها، أو الاقتراب منها بشطر كلمة!
إنها الحرب المحدودة ذراً للرماد في العيون. فمن يقدر على ساويرس؟!
وسوم: العدد 957