هل أصبح الإسلام في خطر حقيقي فعلاً؟
ليس هناك أدنى شك أن الإسلام استطاع أن يصمد منذ ظهوره قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة في وجه كل الحملات المضادة والتشكيك. وما لبث المسلمون يعبرون منذ ذلك الحين عن ثقتهم باستمرار دينهم وصموده طالما أنه محفوظ في كتاب الله.
قلما تجد مسلماً يخشى على مستقبل الدين الحنيف، لأن صمود الإسلام واستمراره أصبح من المسلمات بالنسبة لملايين المسلمين. لكن مهلاً، ألا تعتقدون أن الثقة المفرطة قد تكون خطيرة جداً، خاصة وأن الحملات ضد الإسلام والمسلمين كانت على الدوام من الخارج؟ لا شك أن الهجمات الخارجية قد تقوّي الانتماء الديني لدى المسلمين، كما قوّت الحملات الاستعمارية الانتماء القومي لدى الكثير من الشعوب، لكن الإسلام يتعرض منذ عقود وعقود لعملية تدمير من الداخل. وكلنا يعرف أن العامل الداخلي وليس الخارجي كان وراء انهيار الكثير من الحضارات والأمم، فلو لم يكن الاتحاد السوفياتي الشيوعي مثلاً منخوراً من الداخل لما استطاع الغرب أن يدمره. بعبارة أخرى، فإن الخشب يسوّس من الداخل قبل أن يتفتت.
هل الإسلام بخير الآن؟ أم أن أقوى الضربات التي تهزه تأتي من الداخل؟ لقد أصبح القاصي والداني من المسلمين يرى بوضوح أن الدين الحنيف كان على مدى القرن الماضي، وهي أخطر مرحلة في تاريخه، لعبة سياسية في أيدي جهات عدة. وهو أمر لا يتردد البعض في الحديث عنه بكل حرية وصراحة، فعندما سألت مجلة «نورث أتلانتك» الأمريكية ولي العهد السعودي: «لماذا دعمتم إسلاماً متطرفاً» فقال لها بكل صراحة: «نحن لسنا مسؤولين عن الإسلام المتطرف الذي كان لدينا على مدى عقود، بل إن أمريكا ضغطت علينا لدعم هذا النوع من الإسلام كي تستخدمه في حروبها ضد الاتحاد السوفياتي.» والمرعب في الأمر أن هذا الكلام يأتي من الشخص الذي تعتبر بلاده قبلة العرب والمسلمين وتحتضن معظم الأماكن المقدسة لدى المسلمين في العالم. ولا ننسى أن الإسلام بنسخته السعودية كان الأكثر حضوراً وتأثيراً في العالم الإسلامي لعقود وعقود، لأن السعودية استثمرت المليارات في هذه النسخة التي اتضح لاحقاً أنها صناعة خارجية قلباً وقالباً لأغراض سياسية واستراتيجية بحتة. وكلنا يعلم حجم المبالغ التي تم استثمارها في هذا النوع من الدين، على الجامعات والهيئات والشيوخ والوعاظ والمؤسسات في أنحاء العالم، ثم اكتشفنا أنها كانت مجرد لعبة أو تلاعب مفضوح بالدين، وعندما انتهت وظيفتها السياسية بدأ القضاء عليها واجتثاثها من جذورها، فهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلاً انتهت، وظهرت بعدها هيئة الترفيه.
ولا ننسى أن أمريكا كانت من قبل من أكبر داعمي ما يسمى بالمجاهدين في أفغانستان، وقد وفرت لهم مليارات الدولارات من الدعم وهي تستخدمهم كمخلب قط ضد السوفيات هناك. وكان الرئيس الأمريكي وقتها رونالد ريغان يعتبرهم مقاتلين من أجل الحرية، لا بل استقبلهم في ردهات البيت الأبيض، لكن واشنطن فيما بعد راحت تلاحقهم كإرهابيين في كل أنحاء العالم، ونصبت لهم معسكراً خاصاً في غوانتنامو. وبعد أن انتهت مهمة تنظيم القاعدة في أفغانستان، كلنا يعلم ماذا فعلوا بزعيمه أسامة بن لادن.
واليوم تعيد داعش الكرة مرة أخرى في تشويه الدين واستغلاله في ألاعيب مخابراتية مفضوحة. وكما أساءت الجماعات المتطرفة القديمة للإسلام والمسلمين، فإن داعش وأخواتها الآن أصبحت أكبر مسيء للدين، وكأن مهمتها تنفير ملايين المسلمين من دينهم. بعبارة أخرى فإن القوى العربية والدولية التي استخدمت الدين كأدوات سياسية لم يستفيدوا منه مرحلياً ضد خصومهم فحسب، بل عملوا أيضاً على شيطنته واستخدامه بعبعاً للإساءة للإسلام وتصويره بمظهر يجعل القاصي والداني ينأى عنه بعيداً. فقط انظروا إلى صورة الإسلام في العالم الآن وسترون كيف نجحت لعبة الشيطنة الخبيثة.
لا شك أن البعض سيقول لك الآن إن الذين تلاعبوا بالدين وشوهوه لا يسيئون إلا لأنفسهم فقط وأنهم والجماعات التي ربوها لا تمثل الإسلام. وهذا طبعاً رد ساذج، لأن الضربات التي تلقاها الدين على يد هؤلاء كانت موجعة جداً وخطيرة، وخاصة في عصر مواقع التواصل الاجتماعي التي يرتادها ملايين الشبان. لقد صار الملايين الآن يشككون في كل من دعا إلى الجهاد أو رفع شعارات إسلامية، ويعتبرونه أداة مخابراتية أو سياسية في أيدي هذه الجهة أو تلك. حاول الآن أن تستفتي رواد مواقع التواصل واسألهم: هل تؤيدون الجهاد والمجاهدين، فسيقولون لك فوراً إن هؤلاء ثلة من الإرهابيين والمرتزقة. باختصار، فإن أحد أهم مقومات الإسلام ألا وهو الجهاد أصبح، شئت أم أبيت، مصدر تساؤل وتشكيك في نظر الغالبية العظمى من المسلمين. والأخطر من ذلك، فقد بات ملايين الشباب اليوم يتساءلون: ما الذي يقنعني أن الدين الذي يعلموننا إياه الآن في المساجد والمدارس ليس لعبة سياسية وظيفية كالتي استخدموها في القرن الماضي ثم قضوا عليها؟ فلماذا أورط نفسي في ألاعيب سياسية مخابراتية وأكون مجرد أداة دينية لا ناقة لي فيها ولا جمل؟ لقد بات كثيرون ينظرون إلى دعوات باسم الدين كلعبة سياسية أو كأداة للتلاعب بالناس أكثر منه كمقدس أو كضرورة حياتية روحية وأخلاقية.
ما هو مستقبل الإسلام بعد كل هذا يا ترى؟
وسوم: العدد 960