فلسطين بين النار والنور
لقد كان عام 2021 الأكثر دموية وفتكا بالفلسطينيين منذ عام 2014، كما جاء في تقرير بيتسيلم الأخير، حيث أدت العمليات العسكرية وعمليات القتل المتعمد وهجومات المستوطنين، إلى استشهاد 319 فلسطينيّاً من بينهم 71 طفلا في المناطق المحتلّة، وبلغت الذروة في عمليات هدم المباني السكنيّة منذ خمس سنوات، وشرّدت 895 فلسطينيا. وزادت هجمات المستوطنين عن 336 هجوما.
ونستطيع أن نقول إن فلسطين عاشت خلال عام 2021 تجربتين عميقتين، لكنهما متناقضتان تماما. تجربة وضعت جوابا للسؤال الكبير ما العمل للخروج من الأزمة الوجودية التي جلبها الأوسلويون، وصورة أخرى متناقضة تماما تعمل على تعميق التبعية للكيان الصهيوني والارتباط الذيلي بأجهزته الأمنية والسكوت على جرائمه والتنمر على الشعب المناضل.
وأود أن أقدم في هذه المقال صورا لهذا التناقض المريع، بين مناضلين تسجل أسماؤهم بالنور، ومجموعة من المفرطين سيدخلون في سجل العار والتفريط والمساومة. ولنبدأ بالصور القبيحة من أهل الدار، التي هزت كيان الشعب الفلسطيني بكل مكوناته.
منصور عباس ويهودية الدولة
إن تصريح منصور عباس بيهودية الدولة، تجاوز كل حدود واخترق كل الخطوط الحمر، وأساء لنفسه والمجموعة التي ذهب يمثلها في مؤسسات الكيان، ظنا أنه سيصبح صوتا للمقهورين والمظلومين، وإذا به يقفز إلى جانب القتلة والعنصريين، ليكسب رضاهم من موقع الذل والعار. رئيس القائمة الموحدة التي لعبت دورا تخريبيا منذ البداية، فقد شقت الحركة الإسلامية بين الجنوب والشمال ثم عادت وشقت القائمة المشتركة التي حصلت على 15 مقعدا في آخر انتخابات، وبعد الانشقاق خسر العرب خمسة مقاعد. حصلت الموحدة على أربعة مقاعد قدمها عباس هدية لنفتالي بينيت ليتمكن من تشكيل حكومته. إن الاعتراف من الضحية بيهودية الدولة، يعني إنكار حق الشعب الذي تم تشريده وطرده من أرضه ووطنه، وإعطاء صك غفران للقتلة ومجرمي الحرب، الذين ارتكبوا من المذابح ما يملأ عشرات المجلدات، وهو كذلك اعتراف بقانون القومية اليهودية، الذي أقره الكنيست عام 2018، ولقي إجماعا بالرفض من الفلسطينيين كافة في الداخل. هذه ليست زلة لسان، بل هي انسجام من عباس ومواقفه وتصويته داخل الكنيست، وهو الذي وصف الأسرى الفلسطينيين بأنهم مخربون. الرد على منصور عباس يجب أن يأتي من الشعب الفلسطيني المقاوم داخل فلسطين، خاصة في انتخابات مقبلة. ونقترح عليه بعدها أن ينضم لحزب الليكود أو «إسرائيل بيتنا» لعله يحقق حلمه بموقع نائب وزير. يكفيه خزيا أنه يعيش تحت حراسة إسرائيلية مشددة على مدار 24 ساعة، لتأمين الحماية له. والسؤال حماية مِن مَن؟
زيارة محمود عباس لبيني غانتس في بيته
قام الرئيس الفلسطيني بزيارة لوزير الحرب الصهيوني بيني غانتس في بيته في راس العين الفلسطينية المحتلة، القريبة من تل أبيب. فالقرية لم تغير اسمها، بل فرضت عليها الألفاظ العبرية قسرا. ليس جديدا على عباس هذه اللقاءات مع المسؤولين الصهاينة، لكن الذي استوقفني مسألتان. وصف حسين الشيخ للزيارة بأنها زيارة الأبطال. وهذا تعريف جديد للبطولة لم نسمع به من قبل، وحسب هذه المفاهيم لدى الشيخ، قد تكون مقاومة الاحتلال هي الخيانة بعينها. والثانية أن التصريحات الرسمية الفلسطينية أكدت أن الزيارة جاءت على خلفية تحريك ملف المفاوضات المجمد منذ عام 2014، لكن المسؤولين الإسرائيليين سارعوا إلى دحض هذه التصريحات، فقد نقلت قناة «كان» الناطقة بالعربية قولها نقلا عن المسؤولين الإسرائيليين بانها تتعلق فقط بالتنسيق الأمني والقضايا الاقتصادية، ونقلت القناة على لسان عباس، وهو أمر لا ينكره، أنه «لن يسمح بالعنف والإرهاب واستخدام السلاح ضد الإسرائيليين طالما هو على سدة الحكم». معنى هذا أن الطرف الواقع تحت الاحتلال غير مسموح له أن يستخدم أي وسيلة للمقاومة، بينما الطرف الأقوى يجوز له استخدام العنف والإرهاب، وعنف المستوطنين والسلاح وهو ما يحدث يوميا. فقد كان المستوطنون يهاجمون بلدة برقة أثناء الاجتماع بأوامر من غانتس. لقد أساءت هذه الزيارة لكل الشعب الفلسطيني، وأصبحت هذه القيادة فاقدة لشرعيتها، واستطلاعات الرأي تشير إلى ذلك. ومن الواضح أن أحد نتائج هذا اللقاء تعيين وزير داخلية، فالأمور بدأت تنساب من تحت أيدي القيادة، والتذمر من الوضع القائم بلغ أقصاه. تأكدوا أن إسرائيل لن تمنحكم شبرا واحدا من الأرض تقيمون عليه خيمة مستقلة ذات سيادة عن طريق المفاوضات، وكأن دروس 30 سنة من لقاء مدريد حتى اليوم لا تكفي لاستخلاص هذه النتيجة.
جريمة قتل نزار بنات
يجب ألاّ ينسى الشعب الفلسطيني في كل مكان، جريمة اغتيال نزار بنات البشعة يوم 24 يونيو 2021 التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع قوات الأمن الصهيوني في المنطقة جيم من الخليل. كيف يمكن لشعب تحت الاحتلال يتعرض يوميا للاعتداءات وهدم البيوت واقتحامات المستوطنين والاغتيالات والاعتقالات، ثم تقوم قوى الأمن بمضاعفة عذابات هذا الشعب المغلوب على أمره، وترتكب جريمة كهذه بمثل تلك الفظاعة. كيف يمكن لعاقل أن يستوعب ما جرى؟ اسجنوه، حاكموه والقوه في السجن إن وجد مذنبا. أما ما جرى فلا يقبله منطق ولا عقل ولا دين ولا عرف ولا قانون ولا تقليد ولا قانون غاب. إن المحاكمة الصورية لبعض المتهمين لم تقنع أحدا، لا من قريب ولا من بعيد، لأن الذين أصدروا الأوامر وقادوا العملية لم تذكر حتى أسماؤهم. هذه عدالة أوسلو. هذه نتيجة إلغاء كل المؤسسات وكل السلطات القضائية والتشريعية، وتكريس قيادة المنظمة والسلطة وحركة فتح والسلطات الثلاث في يد واحد أحد.
لن نفقد الأمل – انتفاضة رمضان
تجاوبت القدس كلها مع اقتحامات الأقصى في رمضان الفائت. الانتفاضة انتقلت إلى باب العامود والشيخ جراح. مسيرة الأعلام الصهيونية، في ذكرى احتلال القدس لم تتوقف، إلا بتنفيذ التهديد فتفرقوا كالفئران المذعورة. ثم بدأت معركة «سيف القدس». غزة أصبحت بداية من العاشر من مايو عاصمة للكون، خطفت كل الأضواء، وأصبحت مصدر إشعاع وأمل ينير الطرق المظلمة نحو الخلاص. الهبة العظيمة أعادت القضية إلى مركز اهتمام العالم، وأصبح للصمود الفلسطيني العظيم صدى يتردد في العالم أجمع. انتفاضة الداخل، انتصارا لمعركة «سيف القدس» هي أعظم إنجازات تلك الهبة العظيمة. أعادت الاعتبار للسردية التاريخية التي تؤمن بها الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني: شعب واحد ووطن واحد وقضية واحدة لا تنقسم إلا على واحد. أصحاب نظريات حل الدولتين، الذين قسموا الأرض وقسموا الشعب وقسموا الحقوق لا مكان لهم أيام المواجهات. يختبئون.. هرع العديد من أنصارهم في الغرب لإنقاذهم من سقوط مريع، لكن الحلول الترقيعية لا تنفع.
معركة الأمعاء الخاوية
انتصر المعتقل الإداري هشام أبو هواش على سجانيه، بعد إضراب عن الطعام استمر 141 يوما. ومن قبله انتصر كايد الفسفوس بعد 131 يوما، وانتصر الغضنفر أبو عطوان من قبلهما بعد إضراب استمر 65 يوما، أما الأسير المحرر والمعتقل ثانية سامر العيساوي، فقد دخل كتاب غينيس للأرقام القياسية بإضرابه الأطول في التاريخ، الذي تجاوز التسعة أشهر. هناك الآن خمسة أسرى مضربون عن الطعام في ما يسمى معركة الأمعاء الخاوية. وقد أعلن قبل أيام 500 معتقل إداري مقاطعتهم للمحاكم الصهيونية لأنها تعمل فقط غطاء لقرارات الاحتلال ونظام الأبرتهايد الصهيوني. وللعلم تحتجز إسرائيل في سجونها نحو 5000 أسير فلسطيني، بينهم 140 طفلا، و40 أسيرة ونحو 500 معتقل إداري، ومن بين هؤلاء 543 أسيرا يعانون أمراضا مختلفة. كما يعاني نحو 300 أسير من أمراض خطيرة ومزمنة تحتاج إلى علاج فوري لإنقاذ حياتهم وحمايتهم من خطر الموت. بهؤلاء ستنتصر فلسطين. هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون الذين سيصنعون الفجر الجديد للشعب المناضل.
هروب الأسرى الستة
من نقاط الضوء العظيمة التي سجلها هذا الشعب العنيد، قيام ستة أسرى بحفر الصخور، والتمكن من الهرب من سجن جلبوع، الأكثر أمنا في منطقة بيسان. لقد كتب الأبطال الستة سِفـْرا جديدا في ديوان مقاومة الظلم والقهر والعنصرية، لشعب يجترح المعجزات وهو يواجه كل هذا الظلم العالمي والعربي والصهيوني، إضافة إلى المنسقين الأمنيين من الأوسوليين. فكيف لهذا الشعب المحاصر أن يتنصر على كل حلقات الأعداء، لولا تلك الإرادة الحديدية التي تحفر الصخر وتنتصر على السجان وتفتح طريقا عريضا تحت السجون في اتجاه واحد نحو الحرية وذرى المجد؟
وسوم: العدد 963