لطمة إسرائيل في أفريقيا.. مثالية تحتاج إلى استكمال
الجهد الذي بذلته دولة الجزائر الشقيقة، برفقة جنوب أفريقيا ونيجيريا، من أجل الحصول على الدعم الأفريقي اللازم لتجميد القرار السابق لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بإضافة إسرائيل بصفة “مراقب”، هو قطعا جهد مشكور يستحق التقدير، وهو محط ثناء كبير في الشارع العربي والإسلامي بالفعل.
لكننا إذا نظرنا نظرة أكثر تعمقا، فسنجد أن الأمر برمته يمثل وصمة عار كبيرة في جبين الدول العربية، حينما عجز بعضنا أو حتى تواطأ لمنع إصدار القرارالأصلي محل الحديث.
وكان الاتحاد الأفريقي قد شكّل في القمة الـ35 له، لجنة من ستة رؤساء دول -بجانب الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي ماكي سال- وهُم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، والرئيس النيجيري محمد بخاري، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، ورئيس الكاميرون بول بيا، ورئيس رواندا بول كاغامي، لبحث الأمر.
ونجحت اللجنة في تجميد القرار، مع أن هذا الانتصار يحتاج إلى مزيد من الجهد والدعم، ليكون قرارا نهائيا وليس مؤقتا كما هو الحال الآن.
المهم في الموضوع ليس تجميد القرار أو تأييده، ولكن في انهيار النفوذ العربي لدرجة جعلت إسرائيل تتجرأ وتطرح هذا الطرح، ويصمت عليه الجميع العام الماضي، في قارة كانت منذ عقود قليلة داعمة بشكل شبه كلي للقضية الفلسطينية والحق العربي، وكانت تقف في نفس الخندق الذي يقف فيه العرب. وكانت دولة فلسطين تشارك منذ زمن منظمة الوحدة الأفريقية بصفتها ضيف شرف في القمم الأفريقية.
والحقيقة أنه يجب عدم إلقاء اللوم على دول الاتحاد الأفريقي، خاصة دول جنوب الصحراء الكبرى التي تعاني الفقر ومعضلات متنوعة، ودفعت ضريبة رفضها مصافحة يد إسرائيل الممتدة إليها بينما الدول العربية تهدر أموالها في الغرب والشرق إلا في أفريقيا.
لأنه لا يُعقل أن تبقى هذه الدول على مواقفها من إسرائيل، بينما العرب أصحاب القضية هم من هرولوا للتطبيع مع إسرائيل، ووصل بهم الانحدار إلى درجة التحالف معها عسكريا، بعد أن كانت هى العدو الأول والوحيد لأمة العرب.
بل إن هناك تقارير تتحدث عن قيام دول عربية -يكاد يعرفها الجميع- بفرض عقوبات اقتصادية على دول أفريقية لإكراهها على سرعة التطبيع.
بينما تتحدث صحف إسرائيلية مثل “جورزاليم بوست” عن أن هناك 21 دولة ذات أغلبية مسلمة في القارة السمراء خاضت معركة لتجميد القرار، من إجمالي 55 دولة أعضاء بالاتحاد.
والمؤسف حقا في هذا الادعاء -إن صح- أن تعارض القرار 21 دولة فقط، بينها دول ليست ذات أغلبية مسلمة مثل جنوب أفريقيا، في حين أن القارة بها 26 دولة ذات أغلبية مسلمة، وكثير من باقي الدول يمثل المسلمون فيها الأقلية الكبرى.
والمفجع أن “تدّعي” الصحيفة الإسرائيلية أن دولا مثل السودان والمغرب وتشاد كانت تقف مع الموقف الإسرائيلي.
ولعله من المهم أن نذكر أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد الذي اتخذ قرار الضم بشكل منفرد في يوليو/تموز 2021، كان رئيسا لمجلس وزراء تشاد، مما يؤكد وجود تدخلات لحكومة بلاده في هذا الموقف.
في العقد الأخير أهمل العرب أفريقيا تماما، وتركوها نهبا للتدخلات الدولية، فتصارعت الضباع جميعا للاستحواذ على الفرص الخصبة فيها، واحتدمت التدخلات الإسرائيلية والفرنسية والروسية والأمريكية والصينية والبريطانية والهندية فيها، ولم نجد دولة عربية أو مسلمة واحدة تدرك هذا الخطر إلا تركيا التي دخلت هى الأخرى في الصراع بمشروعات تنموية واستثمارية في العديد من دولها.
ولم تدرك الدول العربية -لا سيما في الجزء الأفريقي منها- أن علاقاتها مع الدول الأفريقية ليست ترفا، لكنها هدف وجودي لأمنها القومي، لا يقل بتاتا عن أهمية التسليح.
بينما قامت دول عربية أخرى بالاستثمار في أفريقيا ليس من أجل دعم المصالح العربية، ولكن من أجل دعم مصالح تحالفاتها مع إسرائيل.
ونجم عن هذا الغياب تفجّر مشكلات غاية في الخطورة أهمها، إنشاء سد النهضة الإثيوبي، وانفصال جنوب السودان، والانفراد الفرنسي بدول الصحراء الكبرى.
وإحقاقا للحق، فقد أدرك الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي أهمية أفريقيا مبكرا، فكان لنفوذه دور ملموس داخل القارة السمراء، استطاع من خلاله تعويض غياب الدور العربي، حتى إن فكرة تأسيس الاتحاد الأفريقي جاءت بمبادرة منه خلال القمة الأفريقية في مدينة سرت عام 1999، قبل انتخابه رئيسا له عام 2009.
وكان الهدف من ذلك أن يكون الاتحاد مظلة جامعة لجميع الدول الأفريقية الـ55 وليس 35 دولة فقط، كما كان الحال في منظمة الوحدة الأفريقية المنحلة، مع تعديل آليات التصويت فيه.
وكان للقذافي أنشطة كبيرة ومتنوعة في معظم أرجاء القارة، لدرجة جعلت وكالات الأنباء العالمية تصفه في تقارير لها بأنه صاحب النفوذ الأوسع في القارة السمراء.
وقد حذّر الباحث المتخصص في الشؤون الليبية بكلية دارتموث بالولايات المتحدة ديرك فاندويل عام 2010 من تنامي نفوذ ليبيا بقوله إن دورها إحدى القصص التي لم تسطر بعد، ولم يلتفت إلا قليلون لخطورته، والأمر المثير بالطبع هو حجم ما يمكن أن يمنحه القذافي لها وما ترغب الدول الواقعة جنوب الصحراء في تقديمه له.
في الختام، نقول إن اللطمة التي تلقتها إسرائيل في أفريقيا كانت قوية ومستحقة، ولكن ينبغي الحذر من اتفاقات تحت الطاولة.
وسوم: العدد 969