طعنة مميتة في خاصرة خور عبد الله
هل نحن الأغبياء وأنتم الأذكياء ؟
كاظم فنجان الحمامي
نحن على كثرتنا المليونية الموحدة, وعلى قلة أعدادكم الفردية المتنافرة, كان صوتكم هو الأعلى والأقوى لأنكم تتربعون على رأس السلطة, بينما نقبع نحن مع الطبقات المسحوقة المهمشة, ونحن وعلى الرغم من مؤهلاتنا البحرية العالية, وكفايتنا القانونية والجغرافية والجيولوجية بالمقارنة مع تخصصاتكم الزئبقية الرمادية فقد كانت كلمتكم هي الكلمة القاهرة المعبرة عن سلطة القوى الغاشمة, وهكذا غرقت صيحاتنا في مياه خور عبد الله, وتبعثرت كلماتنا بين صخور رأس البيشة.
لم نتخلف دقيقة واحدة عن التصدي لكم, ولم نتأخر خطوة واحدة عن الوقوف في وجوهكم, ولم ندخر وسعاً في عقد المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية, وخرجنا ضدكم في مظاهرات عارمة, لنحتج عليكم وعلى تفريطكم بمياهنا الإقليمية, ونبين للناس كيف انكمشت سواحلنا على أيديكم, وكيف تقهقرت حدودنا البحرية بمقصاتكم, وكيف تهشمت صروحنا الملاحية بمعاولكم, ولم نقصر في نشر المنشورات وطباعة الكتب والكراريس على نفقتنا الخاصة من أجل فضح انتهاكاتكم, لكنكم تجاهلتم تحذيراتنا كلها, وواصلتم التنازل للكويت, وسرتم على النهج المعوج, الذي سارت عليه الحكومات البائدة عندما تنازلت لإيران عن نصف شط العرب.
لا أذكر أنكم استشرتم خبيراً بحرياً واحداً, ولم يؤيدكم الذين اصطحبتموهم معكم إلى الكويت, لقد كان رئيس المهندسين عزيز هاشم شنيور شجاعاً وصائبا ودقيقا عندما عبر عن وطنيته وأصالته, فوضع النقاط على الحروف برفضه لكل المشاريع الكويتية المقامة على ضفاف خور عبد الله, وسار الكابتن قاسم على قاسم على نهج الحق, فقذف بكلمته بوجه المشاريع الكويتية الاستفزازية. لم يؤيدكم أحد من البحريين والملاحيين, لكنكم أنتم الذين وقفتم وحدكم ضدنا, وضد مصالحنا الوطنية.
بالله عليكم كيف سولت لكم أن أنفسكم أن تنتزعوا العلم العراقي من سواري السفن الأجنبية المتوجهة إلى موانئنا ؟. وكيف تنازلتم عن سيادتنا على مياهنا الوطنية ؟, وكيف رضيتم باقتطاع 70% من خور عبد الله للكويت, التي تمتلك أكثر من 500 كيلومتراً تطل منها على المياه العميقة ؟, بينما تراجعنا نحن على أيديكم إلى الوراء, وتقوقعنا في مياهنا الضحلة.
لقد تعاملتم معنا وكأننا نحن الأغبياء وأنتم الأذكياء, أو كأننا نحن أعداء العراق وأنتم أنصار العراق, وكأننا نحن الذين لا نفهم بالسياسة, وأنتم العباقرة الذين تمتلكون المواهب الخارقة في معرفة ما ينفعنا وما يضرنا.
سيأتي اليوم الذي تقول فيه المؤسسات العراقية الوطنية كلمتها, وسيأتي اليوم الذي تشرق فيه شمس الحقيقة, وتتضح فيه المواقف الوطنية الصادقة, ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الملوث.
لقد سجلت لكم الأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي تنازلكم الرسمي عن المسطحات المائية التي لم يتطرق لها القرار (833), فتنازلتم رسميا عن حقنا في الملاحة المطلقة, وأودعتم الاتفاقية عند (بان كي مون) فأنا لله وإنا إليه راجعون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, وسيعلم الذين تنازلوا عن حقوقنا أي منقلب ينقلبون, والعاقبة للذين حملوا راية الله أكبر فوق سواحل هذه الأرض المقدسة.
لم تسع الدنيا فرحة السفير الكويتي في الأمم المتحدة (منصور العتيبي), كاد السفير يطير من الفرح وهو يقف أمام عدسات وكالات الأنباء ليزف لهم البشرى بالتزام العراق ببنود القرار (833) الذي فرضه مجلس الأمن عام 1993 بقرار جائر أصدره سيء الذكر (بطرس بطرس واطي).
هكذا إذن أسدلتم الستارة على فصل أسود من فصول تراجعاتنا البحرية المتواصلة نحو الخلف. وهكذا وقفت الحكومة العراقية بوجه مستقبلنا البحري. فعذرا للعراق العظيم ولشط العرب الذي فقد اسمه ورسمه, وعذراً لخور عبد الله, الذي فقدناه قبل بضعة أيام على يد وزير خارجيتنا.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين