إني أحتسب.. أكثر من عشر سنوات مرت، وهذا لم يحصل

السوريون المتعطشون للحوار أو للجدل أو المراء، ما زالوا يطحنون بعضهم بعضا، حوارا أو إذا شئت سمه جدلا ومراء، يترصد أحدهم الكلمة من فم أخيه، وقد تكون خرجت عابرة، أو شاذة أو نادة، فيفتح من أجلها معركة. كتبت منذ نحو عام تقريبا، عن لعبة ام الدقرة والنقرة، الانسان الذي يترصد بصاحبه، أو بمن يجب ان يكون صاحبه، اللفظة والحرف ليخالفه ويناصبه، ويناصبه فيها سر الطائفة الخفية الموهومة، التي يسميها الروافض "الناصبة" لأنها كما يزعمون تكره سيدنا عليا أمير المؤمنين رضي الله عنه، وكل من يشكك في مقولة "لولا علي لهلك عمر" فهو عندهم ناصبي.

المراء السوري- السوري، يتمادى، ويتفاقم ويخرج من قمقمه عفاريت الظلام يوما بعد يوم، بعض الناس يظن أن لهذا المراء أو الجدل وسأصون كلمة حوار عن المقام، خلفيات إيديولوجية، إسلامي - علماني، مثلا

أو خلفيات فكرية، كيف ننطلق من التراث لولوج عالم المعاصرة بثقة واقتدار، لا نفرط في هوية، ولا نخرب بيوتنا بأيدينا، ولا نتقوقع في صياينا كما تقوقع قوم من قبل في صياصيهم، مثلا

وإنما أريد أن أبشر المنتظم السوري العام، والحمد لله على كل حال، لأن البشرى تكون أحيانا بعذاب أليم، أن هذه المراءات لا تكون أشد وطيسا حين تكون بين علماني وعلماني، وقومي عربي وقومي من قوم آخرين، في معلوماتي التاريخية أن الجمعيات القومية العربية والتركية في أواخر القرن التاسع عشر، كانت تلتقي في باريس معا لتحضر لمعاركها، ثم تحرك أدواتها على أرض الوطن بكل هوياته لاصطناع المعارك، وإحداث الإرباك، اليوم الكل يكرر كلمة الوجودي سارتر "جهنم هي الآخرون" أو كلمة نظيره ألبير كامو على لسان بطله في الغريب، وقد سألته أمه: ألا تحب أمَّك يا عزيزي؟ فرد: أنا ،يعني هو، لا أحب أحدا..

المفرمة الحقيقية في الفضاء العربي والسوري خصوصا، هي حين يشتد الجدل بين إسلامي وإسلامي وهذه المعارك، هي أشد المعارك وأحماها، وهي غالبا ما تدور بين أقوام يزعمون أو أشدهم شكيمة، انهم يملكون صكوك الكفران وليس الغفران، اختلف مع أحدهم على قضية مثل "صدقة الفطر نقدا أو عينا" ثم تربص بنفسك قليلا، لتسمع وترى ..

المراء الإسلامي-الإسلامي في كل دوائره، ومستوياته مفرمة، لا رحمة فيها، والنبذ وإصدار قوانين الحُرم، وإعلان الحرب تحت عنوان "البغض في الله" هو أشد وطأة منه في كل الدوائر التي تدور فيها هذه اللجاجات. بعض الناس يظنون أن لهذا الخلاف مرجعياته المذهبية العقدية الكلامية والفقهية والفكرية، ولكن الداء مستشرٍ أكثر من ذلك، فهو يدور بالحميا نفسها بين أبناء المدرسة الواحدة والطريقة الواحدة، والجماعة الواحدة. تمر بالناس فإذا كل واحد منهم جمع خلفه كوم من الحجارة، ثم أتى ببنيه أو بني أخيه وعمومته أو أبناء حيه وبعض بني بلدته، ووقف على السابلة، يرجم كل من يمر به من خلق الله أجمعين..

وهذا وبعد أن أطلت عليكم في التوصيف أردت أن أقول، كل هذا الحال؛ شغل السوريين أفرادا وهيئات، أن يكون لهم خطاب ودود باتجاه المجتمعات التي صاروا يعيشون على ضفافها، أو كما يعبرون ضيوفها!!

هم حتى الآن لم يعرفوا أن يخاطبوا هذه المجتمعات خطابا مؤسسيا مدروسا، محدد المعالم والصيغ، يصوغه خبراء وأدباء ينتمون إلى عقول المخاطبين.

خطاب ود وشكر وبث طمأنينة، وشرح حقيقة، خطاب هو إلى اللحن الانساني أقرب منه إلى اللحن السياسي، خطاب يبتعد عن لغة الأنا المنتفخة، إلى لغة الانسانية المعذبة.

نحن الذي ظلمنا وقهرنا وشردنا هو بشار الاسد، وعليه وحده يجب ان نصب جام غضبنا حين نغضب.

يجب ان يكون لنا خطاب مؤسسي يصدر عن مؤسسة تدرس وتتقصى وتستعين بمستشارين وخبراء لتتوجه إلى أهل كل بلد مضيف بلغته، إلى سواء أهل البلد، ويتجنب الانحياز في حقهم إلى بعض معاركهم.

خطاب يذهب إلى الناس في مواقعهم كل يوم بسلة صلات، وردة أو بسمة أو كلمة أو عبارة، نحن هنا اليوم لأسباب ونحن لفضلكم شاكرون..

هذه النوع من الحوار، لم تبدعه بعد فيما علمت، أو تابعت عبقرية السوريين

نحن نحفظ أن الأرض بتتكلم عربي، نعم صحيح ذلك في الأرض العربية، وحتى الشقيق العربي يحتاج إلى أن نهندس له خطابا، والمعارض لوجودنا على أرضه قبل المرحب بنا، نختاج ان نتكلم مع كل قوم بلغتهم، مهما قلنا فإننا اليوم نستشعر هبوب الريح مثلا من الجهة الشمالية، ولكننا حتى الآن لم نشكل قاعدة لتعزيز العلاقات وتبديد المخاوف بين الشمال والجنوب..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 978