قرار محكمة لاهاي بمقاضاة روسيا بارتكاب جرائم حرب يثير مخاوف لدى إسرائيل من تبعاته عليها
الناصرة – “القدس العربي”:
يحذر معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب من تبعات قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، بمقاضاة روسيا بارتكاب جرائم حرب، على إسرائيل التي تواجه دعوى مماثلة من قبل الفلسطينيين بسبب الاحتلال والاستيطان والحروب التي تشنها عليهم.
ويرجح الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي انطوان شلحت أن قيام المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، ولا سيما خلال زيارته التي أجراها الأسبوع الماضي إلى مدينة بوتشا في ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، بتصنيف أوكرانيا بأنها “مسرح جريمة”، وقوله في تصريحات صحافية إن المحكمة الجنائية الدولية لديها “أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب جرائم تدخل في اختصاصها في أوكرانيا”، قد حرر من عقالها مخاوف إسرائيلية كانت مكتومة في ضوء قرار المحكمة هذا، الصادر في فبراير/ شباط 2021، والذي نص على أن الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية تمتد إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 وتشملها.
وأوضح أن معنى هذا أن المدعي العام للمحكمة الدولية مُخول صلاحية فتح وإجراء تحقيقات جنائية في جرائم الحرب التي تُتهم إسرائيل باقترافها في هذه الأراضي. ويستذكر شلحت أنه في حينه تميزت ردة الفعل الفلسطينية بالترحيب الكبير بهذا القرار واعتباره قرارا تاريخيا، في حين أن ردة الفعل من جانب إسرائيل والولايات المتحدة اتسمت بالغضب العارم إلى حد الجنون حيال هذا القرار، والتشديد على رفضه ومحاولة الطعن في صدقيته ومشروعيته، بل الطعن في صدقية المحكمة الدولية بالمجمل وشن هجوم كاسح عليها ورميها بأقذع الأوصاف، إلى درجة وصف قرارها الأخير هذا بأنه “مُعادٍ للسامية”.
ويتابع: “مثلما سبق أن أشار الزميل في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) سليم سلامة (“المشهد الإسرائيلي”، 8/2/2021)، لم يكن من قبيل الصدفة، إطلاقا، أن يأتي هذا الهجوم على المحكمة الدولية من هاتين الدولتين تحديدا، والآن بالذات، على خلفية حقيقتين أساسيتين: الأولى، أن إسرائيل والولايات المتحدة ليستا من ضمن الدول الـ 138 التي وقعت “ميثاق روما” الذي أنشِئت محكمة الجنايات الدولية في العام 2002 بموجبه ووفق مواد نظامه الأساس التي تتعلق، أساسا، بجرائم إبادة الشعوب (جينوسايد)، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب المختلفة، والثانية، هي أن إسرائيل والولايات المتحدة تواجهان في الوقت الراهن احتمال إجراء تحقيقات جنائية مع مسؤولين رسميين كبار فيهما، سياسيين وعسكريين؛ إسرائيل على خلفية احتلالها المستمر في الأراضي الفلسطينية وما اقترف من جرائم مختلفة لا تعد ولا تحصى؛ والولايات المتحدة على خلفية احتلالها في أفغانستان وما تخلله من جرائم حرب ارتكبها الجيش الأمريكي، قواته وقادته وجنوده، ضد الشعب الأفغاني.
وتؤكد ورقة تقدير موقف جديدة صادرة عن “معهد أبحاث الأمن القومي” التابع لـ جامعة تل أبيب أن طريقة نشاط خان، الذي سيشغل منصب المدعي العام في محكمة لاهاي مدة تسعة أعوام، تبين بجلاء أنه يتبع نهج جعل هذه المحكمة عنصرا مركزيا وذا تأثير في الصراعات في وقت وقوعها الحقيقي بما من شأنه أن يضفي عليها صفة حامي النظام العالمي في مقابل كل من يحاول تقويضه.
بموازاة ذلك فإن إخضاع روسيا إلى التحقيق من جانب هذه المحكمة يمكن، وفقا للورقة نفسها، أن يشكل نقطة تحول في كل ما يرتبط بموقف الرأي العام العالمي حيال محكمة لاهاي. وتعيد الورقة إلى الأذهان أنه في الماضي القريب تعرضت هذه المحكمة إلى انتقادات حادة على خلفية محاولتها استخدام صلاحياتها ضد سكان دولة ليست عضوا فيها، وجاءت بالأساس من جانب الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب على خلفية التحقيق بشأن أفغانستان، غير أنه في الوقت الحالي تحظى هذه المحكمة بنظرة إيجابية لدى مزيد من الأوساط في الرأي العام العالمي بسبب موقفها من الحرب التي تشنها روسيا.
ويستذكر “مدار” أنه في هذا السياق أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن إدارة الرئيس جو بايدن ستواصل التعاون في كل ما يتعلق بارتكاب جرائم حرب من طرف القوات الروسية بما في ذلك مع مؤسسات دولية، في إشارة واضحة إلى محكمة لاهاي. وفي يوم 24/3/2022 أعلنت بريطانيا أنها، فضلا عن تقديم دعم مالي إلى محكمة لاهاي، ستضع تحت تصرفها عناصر من الجيش والشرطة بهدف تقديم أي مساعدة مطلوبة ضمن التحقيق، وبعد ذلك بأيام أعلنت أيضا أنها عينت محاميا بريطانيا شغل منصب قاضٍ في هذه المحكمة حتى العام 2021 كمستشار مستقل للمدعية العامة في أوكرانيا.
وتلفت الورقة الإسرائيلية إلى أن قرار محكمة لاهاي بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا جاء في إثر توجه 41 دولة أعضاء في المحكمة إليها، ما يعكس مشروعيتها الكبيرة والتأييد السياسي الواسع الذي تحظى به. وفي هذا الصدد ارتأى المدعي العام للمحكمة أن ينوه على وجه خاص بالتوجه الذي تلقاه من اليابان والتي تعتبر أول دولة آسيوية تتقدم بطلب إجراء تحقيق إلى هذه المحكمة ما يدل على اتساع نطاق التأييد لها ليشمل قارة أخرى.
وبموجب ما تقدره الورقة الإسرائيلية فإن هذه النزعات المُستجدة يمكن أن تؤثر على التحقيق الذي قررت هذه المحكمة إجراءه بشأن إسرائيل من عدة جوانب، وأبرزها ما يلي: أولا، زيادة التوجه المتعاطف مع محكمة العدل الدولية ولا سيما من جانب الدول الغربية، والذي يُحتمل أن يضع عقبات أمام سعي إسرائيل لتجنيد دول وجهات ذات تأثير من أجل ممارسة ضغوط على المدعي العام في المحكمة لتجميد إجراء التحقيق ضدها، وذلك بموازاة زيادة الضغط عليها أكثر من السابق في سبيل أن تتعاون مع المحكمة وترضخ لأحكامها. ثانيا، ثمة احتمال بسحب البساط من تحت الادعاء القائل إن هذه المحكمة لا تمتلك الشرعية للتحقيق مع مواطني دولة ليست عضوا فيها، وهو الادعاء الذي تسلحت به إسرائيل كثيرا للحؤول دون القيام بأي تحقيق معها، وذلك نظرا إلى حقيقة أن روسيا ليست عضوا في المحكمة الدولية غير أن التحقيق معها يحظى بتأييد عالمي واسع.
ثالثا، تطرح روسيا في الوقت الحالي مزاعم تبدو بكيفية ما شبيهة بالمزاعم التي تطرحها إسرائيل، وخصوصا الزعم بأنها تهاجم أهدافا عسكرية فقط، وبأن مثل هذا الهجوم مشروع. وبناء على ذلك يمكن أن تكون هناك سوابق تلتجئ إليها المحكمة الدولية حيال هذه المزاعم، وفي حال حدوث مثل هذا الأمر فستكون هذه السوابق ذات صلة أيضا بالنسبة إلى إسرائيل وارتباطا بالهجمات التي يقوم بها جيشها ضد أهداف فلسطينية. رابعا، يبدو أنه بخلاف ما كان يقوم به مكتب المدعي العام في محكمة لاهاي حتى الآن، يتم التركيز على حالات تُعد “أقل خطورة” من الحالات التي قامت المحكمة بالتحقيق فيها في الماضي. ومثل هذا الأمر من شأنه تغيير قواعد اللعب المتعلقة بالتحقيق التي كانت متداولة، ما ينسحب على إسرائيل في حال جرى التحقيق في ممارساتها”. يشار الى أن سلطات الاحتلال ما زالت تمارس ضغوطا على السلطة الفلسطينية والرئيس عباس للتنازل عن الدعوى المقدمة ضد إسرائيل في محكمة لاهاي وتحاول ابتزاز الجانب الفلسطيني وتقايضه وذلك خوفا من قرارا خطير تتخذه المحكمة الدولية وتدين فيه إسرائيل بارتكاب جرائم حرب.
وسوم: العدد 979