نحو تدويل قضية احتجاز جثامين الشهداء الأسرى
تحتجز سلطات الاحتلال الإسرائيلي في سجونها جثامين 9 شهداء أسرى، إلى جانب 256 في "مقابر الأرقام"، وفقًا لمعطيات المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، وذلك في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، وخصوصا اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، والشرعة الدولية لحقوق الانسان. ويوم الجمعة الماضي العشرين من شهر أيار صادفت الذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد المعتقل عزيز عويسات، من جبل المكبر في القدس المحتلة، الذي ارتقى في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعرض حينها الشهيد للضرب الوحشي والتعذيب على يد السجانين، وتحديدا من قبل قوات "النحشون"، ما أدى لإصابته لاحقًا بجلطة قلبية أدت إلى استشهاده في مستشفى "أساف هروفيه" الإسرائيلي. ويذكر أن الشهيد عويسات من مواليد عام 1965، وهو من جبل المكبر في القدس، وأب لستة أبناء، اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي في 3 آب/ أغسطس عام 2014، وحكمت عليه بالسجن لمدة 30 عاما.
وتشير المؤسسات الحقوقية الفلسطينية إن الاحتلال يواصل احتجاز جثامين 9 شهداء أقدمهم الشهيد المعتقل أنيس دولة وذلك منذ عام 1980، وعزيز عويسات عام 2018، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السايح، وأربعتهم استشهدوا خلال عام 2019، وسعدي الغرابلي، وكمال أبو وعر اللذان استشهدا عام 2020، وسامي العمور خلال 2021، وآخرهم داوود الزبيدي الذي ارتقى في 15 من أيار الجاري. في حين بلغ عدد الشهداء المعتقلين حوالي 228 شهيدا ارتقوا في معتقلات الاحتلال منذ عام 1967 آخرهم الشهيد داوود الزبيدي الذي ارتقى متأثرا بإصابته برصاص جيش الاحتلال حيث أعلن الاحتلال عن اعتقاله لاحقًا بعد نقله إلى مستشفى "رمبام" الإسرائيلي.
علما أن هناك مئات المعتقلين الذين ارتقوا بعد الإفراج عنهم بفترات وجيزة، نتيجة لأمراض وإصابات ورثوها عبر سنوات اعتقالهم، آخرهم الشهيد إيهاب زيد الكيلاني من نابلس الذي ارتقى بعد شهر من الإفراج عنه، حيث اكتشفت إصابته بالسرطان بعد أن وصل المرض إلى مرحلة متقدمة.
ومن بين الشهداء المعتقلين ارتقى 76 نتيجة للقتل العمد، و7 بعد إطلاق النار عليهم مباشرة، و72 نتيجة لسياسة الإهمال الطبي "القتل البطيء" التي تنفذها إدارة معتقلات الاحتلال، و73 نتيجة للتعذيب.
إن جريمة احتجاز جثامين الشهداء هي إحدى أبرز الجرائم التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي على مدار العقود الماضية، وتحولت هذه الجريمة إلى نهج سياسي ومنظم ومقصود منذ اندلاع "الهبة الشعبية" نهاية عام 2015، كما أن هذه الجريمة تشكل انتهاكا لكل القوانين والأعراف والمواثيق الانسانية الدولية، وهي شكل من أشكال "العقاب الجماعي"، التي تطال الأسرى وعائلاتهم وعموم الشعب الفلسطيني بشكل عام.
وفي عام 2008 أوقفت سلطات الاحتلال هذه السياسة ولكنها عادت إلى ممارستها كآلية ضبط وعقاب للفلسطينيين، بقرار من الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2015.
وفي سبتمبر/أيلول 2019 أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارًا يجيز للقائد العسكري احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتًا لغرض استخدامهم كأوراق تفاوضية مستقبلًا.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2021 أقر وزير الدفاع بيني غانتس سياسة عدم تسليم جثامين منفذي العمليات الفدائية بغض النظر عن نتائج العملية أو عن الانتماء الفصائلي للشهيد، ليسارع أعضاء في الكنيست بالدفع لتشريع قانون يخوّل شرطة الاحتلال احتجاز جثامين الشهداء، وخصوصًا في غياب أي أساس قانوني إسرائيلي يعطي الشرطة تلك الصلاحية.
ويُعد استمرار احتجاز إسرائيل " القوة القائمة بالاحتلال" لجثامين الشهداء وعدم الكشف عن أماكن المفقودين مخالفة واضحة لمعاهدة لاهاي لسنة 1907 التي تتعلق بقوانين الحروب وأعرافها، ومخالفة أيضًا لاتفاقية جنيف الأولى في البند 15 و17 التي تلزم الدولة المحتلة بتسليم جثامين الشهداء لذويهم ودفنهم مع المحافظة على كرامتهم حسب معتقداتهم الدينية قدر الإمكان.
وأمام هذه المعطيات التي تؤكد انتهاك إسرائيل "القوة القائمة بالاحتلال" للقانون الدولي الإنساني، ومضيها في ارتكاب حق الحياة للأسرى، وامتهان كرامتهم الإنسانية والاستمرار في احتجاز جثامين الشهداء منهم ، بات من الضروري التحرك وطنياً وعربياً ودولياً، نحو تدويل قضية جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال، وإحالة ملفهم لمحكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة، باعتبار استمرار احتجازهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني، لإجبار الاحتلال على الإفراج عن جثامين الشهداء وإغلاق هذا الملف نهائياً.
وسوم: العدد 982