الرئيس هواري بومدين بومدين.. رجل دولة، وأقام دولة
انقلاب عسكري وليس تصحيح ثوري:
قرأت البارحة لصديقنا Cherif Abdou، عنوان مقال -أقول عنوان، باعتباري لم أقرأ المقال بعد-، وهو يتحدّث عن الرئيس الجزائري هواري بومدين، بعنوان: "تصحيح ثوري أم انقلاب؟".
أقول: ماقام به الرئيس هواري بومدين، رحمة الله عليه انقلاب عسكري. ولا يليق بالمثقف أن يتساءل، حين يتعلّق الأمر بإرادة المجتمع، وبالانقلابات العسكرية. ولا يمكن بحال أن نبرّر لأيّ انقلاب، وفي أيّ مكان، ومهما كانت الأهداف، ومهما كان صاحبها.
الإنقلابات العسكرية يومها، مسّت الدول العربية، والإفريقية، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، وبدعم من دول "ديمقراطية؟ !" تزعم أنّها مع الشعوب، وحرية الرأي كفرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية.
لم أستعمل يوما وأنا مراهق وطالب ثانوي وجامعي، مصطلح التصحيح الثوري، وكنت -وما زلت- أستعمل دوما مطلح الانقلاب العسكري. وحين اشتد عودي، استنكرت على الجزائر -وما زلت-، احتفالها بيوم 19 جوان 1965، وقلت حينها: لايليق بالجزائر أن تحتفل بيوم الانقلاب. وكان ذلك قبل أن يلغي الرئيس السّابق عبد العزيز بوتفليقة رحمة الله عليه، الاحتفال بيوم الانقلاب.
بن بلة، كان ضعيفا، ولم يكن رجل دولة، وكان تابعا لعبد الناصر، بل ذاب في عبد الناصر وفقد شخصيته.
مع العلم، لخضر بن طوبال في مذكراته، يثني عليه كثيرا، ويراه الأفضل والأحسن ضمن السجناء الخمسة الذين اعتقلهم الاحتلال الفرنسي عبر قرصنتة للطائرة التي كانت تقلّهم، وراح بعدها يعدّد عيوب الخمسة، وهم: بوضياف، وآيت أحمد، ومحمد خيضر، ومصطفى الأشرف، بالإضافة إلى أحمد بن بلة.
كلّ الذين عاصروا الرئيس هواري بومدين، لم يكتبوا عنه وهو على قيد الحياة، واختاروا الكتابة عنه بعد مرور عقود من الزمن. وهذه الملاحظة في غاية الأهمية.
بعض مظاهر عظمة الرئيس هواري بومدين:
يقف القارئ المتتبّع لسيرة الرئيس الجزائري هواري بومدين على حقيقة مفادها: أنّه وهو في قلب الثّورة الجزائرية، كان يفكّر ويخطّط لما بعد الثّورة الجزائرية. وأزعم -وإلى أن تكذّبني الأيّام-، أنّه الوحيد الذي كان يملك هذه النظرة، وقد عمل على تحقيقها، ونجح في تحقيقها.
امتاز الرئيس هواري بومدين بالصّرامة والانضباط، ماجعله يكوّن جيشا قويا صارما، مطيعا لقائده، وقد سلّمه قادة الثّورة الجزائرية مقاليد الجيش، لأنّهم لم يستطيعوا وبشهاداتهم ضبط الجيش، خاصّة على الحدود.
اعتمد على الجزائريين الفارين من الجيش الفرنسي، باعتبارهم أبناء الجزائر، ويملكون مستوى تكوين جيّد، ومستوى علمي أفضل. وهذا هو الذي دفع بعض قادة الثّورة الجزائرية أن يغضبوا منه، خاصّة بعد أن منحهم مناصب لهذه الامتيازات. مادفعه لسحق كلّ من يقف في طريقه، ويتشبّث أكثر بالفارين من الجيش الفرنسي المحتل، باعتبارهم أكثر طاعة للقائد، وأكثر انضباطا، وليسوا منافسين له، ودون طموحات عسكرية وسياسية.
ساهم الرئيس هواري بومدين في تكوين الجيش الوطني الشعبي، من حيث الانضباط والصّرامة والطّاعة والامتثال والعتاد والتدريب وحماية التراب الجزائري، ومساندة المصريين بالمشاركة في حربي 1967 و1973، والجيش الوطني الشعبي يومها قليل العدد، ضعيف العدّة، لكنّ إرادته مازالت مستمدة من لهيب وجمر الثّورة الجزائرية.
تصرفات الرئيس هواري بومدين هي امتداد لتصرفاته أثناء الثّورة الجزائرية:
تصرفات الرئيس هواري بومدين، عقب استرجاع الجزائر للسيادة الوطنية، في 5 جويلية 1962، هي امتداد لتصرفاته أثناء الثّورة الجزائرية.
كلّ تصرفات قادة الثّورة الجزائرية، عقب استرجاع السّيادة الوطنية، وإلى أن لقوا ربّهم، هي امتداد لتصرفاتهم أثناء الثّورة الجزائرية. ولذلك وجب فهم موقف قادة الثّورة الجزائرية، ومنهم الرئيس هواري بومدين، أثناء الثّورة الجزائرية، للوقوف على سلوكاته فيما بعد. ومن فقد هذا العنصر، فلا يحقّ له التّطرّق لقادة الثّورة الجزائرية بالنقد، لأنّه فاقد لعنصر جوهري لفهم الشخصى، ألا وهو مفتاح الثّورة الجزائرية.
قوّة الرئيس هواري بومدين من قوّة المجتمع الجزائري:
مجتمع الجزائري يومها، خرج من استدمار فرنسي خرّب، ودمّر، ونسف، ونهب، واغتصب،ظ وأعدم، وأثار الرعب والفزع، وجعل عالي الجزائر والجزائريين سافلها. وأمية طاغية، وفقر، وجوع، وعري، وبطالة، وانعدام زراعة وصناعة وبنية تحتية، وتبعية رهيبة، وتربص الجيران بحدود الجزائر، وسعيهم لابتلاعها، ومعاقين، وأرامل، وآثارتعذيب واغتصاب المجرمين الجلاّدين الفرنسيين، وقوّة عسكرية ناشئة تسعى لفرض نفسها.
الجزائري يومها كانت تكفيه تشييد ابتدائية، ويكفيه بناء مستوصف، وكانت طموحاته بقدر جوعه وعريه وأميته. مايعني أنّ الظروف التي أحاطت بالرئيس هواري بومدين، كانت في غاية السّوء وبالغة الخطورة، وتحتاج إلى قوي لايتراجع، يملك السّيف بيمناه والميزان بيسراه.
تقييم مرحلة الرئيس هواري بومدين، تتمّ ضمن هذه الظروف المظلمة الحالكة. ولذلك، يعتبر قائدا ناجحا، ورجل دولة، بمعايير ذلك الوقت، وحسب الظروف التي أحاطت بالجزائر وبه يومها.
أسئلة وأجوبة عن الرئيس هواري بومدين:
سألني أستاذ جامعي: "رئيس يحكم ثلاث عهدات تقريبا دون دستور و دون برلمان كيف يكون رجل دولة؟".
أجبت: نتحدّث عن فترة سابقة، حسب مفهوم ذلك الوقت، ودون التبرير لأحد. وأؤكّد من جديد، وغير نادم ولا آسف، وبمفهوم ذلك الزمن: الرئيس هواري بومدين، رجل دولة، وأقام دولة.
سألني أستاذ ثاني: هواري بومدين ظلم الشيخ البشير الإبراهيمي، رحمة الله عليه؟.
أجبت: توفى البشير الإبراهيمي بتاريخ: 20 ماي 1965، وبومدين اعتلى الحكم بتاريخ: 19 جوان 1965. ولوفائه للبشير الإبراهيمي، أدخل ابنه أحمد طالب الإبراهيمي، ضمن أوّل حكومة، حيث شارك معه في الإنقلاب العسكري يومها. وظلّ في حكومته حتّى وفاة الرئيس هواري بومدين، وفيما بعد الرئيس الشاذلي بن جديد، رحمة الله عليهم.
خلاصة:
الرئيس هواري بومدين رجل دولة، وأقام دولة. ورجل الدولة يعامل من خلال النتائج، وبما يملك حينها من وسائل، وحسب الظروف المحيطة به يومها.
وسوم: العدد 985