سوريا الأسد كقضية مخدرات … رياض نعسان آغا والحقيقة المبكرة
عودة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» لأحضان النظام السوري، في هذا الوقت بالذات مدوّخة فعلاً، لا نعني بـ «في هذا الوقت..» الإشارة إلى أصداء مجزرة «حي التضامن»، فهذه قد بدأت بالخفوت، صحيح أنها لن تُنسى، لكن لا يبدو أن أثراً فعلياً لها سيمرّ، بدليل أن الشاعر الممانع، المزاود على المقاومة نفسها، لم يلتفت، ولا حتى بإلماحة من بعيد، إلى ذكر المجزرة.
نعني في وقت تحقيق جنائي كبير أُعلن في ألمانيا ويصل إلى الاستنتاج أن سوريا اليوم ما هي إلا ذلك المصنع الهائل للمخدرات، هائل إلى حدّ أن كل عمليات إلقاء القبض على شحنات سابقة بملايين الدولارات لم تهز شعرة لدى العصابة. عائلة الأسد، والفرقة الرابعة، وميناء اللاذقية، في قلب تلك العصابة، لقد «تمكّن المدّعون العامون الألمان من إثبات ما سيشكّل فصلاً هاماً من تاريخ الجريمة في ألمانيا».
وما بدا في البداية أنه مجرد قضية أخرى تتعلق بعصابة مخدرات، تطوّر منذ ذلك الحين إلى شبكة سياسية من المؤامرات، في قلبها عائلة الأسد».
سيقول قائل – بالعودة للحديث عن «حماس» – إن الكبتاغون، أهم منتجات المصنع السوري، ليس مشكلة عند بعض الإسلاميين، فما من نص ديني يحرّم، أو يأتي على ذكر البضاعة. ليست المسألة هنا؛ هل تساءل العائدون إلى أحضان النظام إن كان ممكناً بعد إنقاذ عصابة المخدرات هذه، تعويمها، أو إعادة تأهيلها؟!
سوريا الأسد كقضية مخدرات، على الأقل، لن تنجو، ويبدو أننا سنشهد فصولاً مثيرة للغاية في أروقة المحاكم الألمانية عمّا قريب.
ومعها سيسقط بالطبع خَلْقٌ كثير.
معرض في السجن
وفي هذا الوقت سيفتتح في السجن المركزي في مدينة السويداء (جنوب المصنع) معرض صور ضوئية «تتحدث عن مخاطر وآثار المخدرات السلبية».
وكالة أنباء النظام «سانا» تحدثت عن «رسائل توعوية متعددة حول مخاطر المخدرات وأثرها في الفرد والمجتمع حملها المعرض».
الخبر يختم بالحديث عن افتتاح مركز ثقافي في السجن المركزي في السويداء «بهدف رفع مستوى النزلاء من النواحي الفكرية والتعليمية والثقافية، وتحويل السجون إلى مؤسسات إصلاحية وتأهيلية».
الخبر يشعرك بالإشفاق حقاً، خصوصاً أن منتجي الصور هم طلبة جامعيون من خريجي «كلية الفنون الجميلة الثانية» في السويداء – قسم الاتصالات البصرية، ولا بدّ أنه لديهم من الهمّة والأحلام ما يدفعهم لـ «التعهّد بإخفاء العالم وإحلال عالم جديد محلّه». الإشفاق لأن خبر المعرض يأتي مع الصورة التي يرسمها المحققون الألمان لمصنع المخدرات السوري الهائل، الذي يفيض عن سوريا ليصل إلى كل جهات الأرض. تقول لنفسك من سيصغي إلى لبطات جنين ما يولد في السويداء، ولن يتاح له الحياة إلا في السجن المركزي!
لن نصل إلى الاستنتاج بأن مصنع المخدرات يبتكر حيلاً، من قبيل معرض صور، كي يموّه نفسه، أبداً، إن مصنعاً بهذا الحجم يبدو واثقاً بلا حدود، أنه مشغول بمقارعة المملكة الأردنية الهاشمية، على سبيل المثال، لإدخال شحنة كبيرة دفعوا لها عشرات القتلى.
الغسيل الوسخ
يعترض بعض النقد الدرامي على موضوعات الدراما التلفزيونية السورية، إذ يسأل ناقد بغضبٍ مدّعٍ، حريص على عدم نشر الغسيل الوسخ: ألم تعد هناك موضوعات للدراما إلا الفساد والمخدرات والنبش في الزبالة، ويشير تحديداً إلى مسلسل «كسر عظم»، الذي حظي بمتابعة وجدل كبير إثر عرضه في رمضان الماضي.
غالباً ما تحتوي هذه الأعمال على فاسد ما في المؤسسة الرسمية، لكنه مفرد وحسب، ولن ينتهي المسلسل قبل أن يلقى هذا مصيره، وقد يحدث أن يلمّح المسلسل إلى أن الفاسد مرتبط بجهات خارجية، أو بعقلية دينية سائدة، تستخدم التديّن غطاء لجرائمها بحق المجتمع. فساد تديره مساجد دمشق، في إشارة لا تخفى على الجميع.
طيب ماذا لو عرف «الناقد» أن بلده برمته هو مصنع مخدرات، وأن مؤسسات بلده موضوعة في خدمة المافيا، وأن ما نراه في الدراما السورية هو أحسن وجه ممكن، لبلد بات مجرد مصنع مخدرات، لا دولة مؤسسات، كما يزعم!
رياض نعسان آغا
«المذيع: دكتور رياض، نحن نعلم جميعاً أن تركيبة النظام هي تركيبة أمنية طائفية. أسسها حافظ الأسد. الجميع يدرك ذلك، أن مستويات اتخاذ القرار كانت محصورة بأيدي أشخاص قلة، جميعهم من الطائفة العلوية. لكن بنفس الوقت، كان هناك، من أجل الشكل الخارجي، كان لا بدّ من تطعيم المشهد العام بشخصيات من الطائفة السنية، وكنت أنت من بينهم. هل كنت تعي هذه المسألة؟ أنك أنت ومصطفى طلاس وعبد الحليم خدام أو غيرهم من الطائفة السنية، مجرد ديكور لدولة طائفية عميقة؟
الوزير السابق رياض نعسان آغا: الحقيقة بدأتُ أعي ذلك منذ عام 1973، أي مبكراً جداً، عندما ذهبت لأخدم عسكرية، ورأيت بعيني ولم أسمع بأذني فقط. يعني أن تجد 10 أو 15 قادة كتائب قد يمرّ واحد ليس من الطائفة، كان أمراً واضحا بالنسبة لي. في الوسائل الإعلامية، في مواقع الأمن.
أنا (مع أني) صرت وزيراً قال لي صديق منهم: كيف تسللتَ وصرتَ وزيراً؟ جاي من إدلب ومستلم منصب.. دوماً عليك أن تكون مواطنا درجة ثانية حتى لو في المناصب العليا. هذا محزن.
كنا نتجاهل ذلك. أولاً خوفاً، أو تجنباً للفتنة.
لقد جعلوني سنياً رغماً عني. وصرتُ متهماً».
مضمون الحوار السابق نجده في تجربة معارض سوري، معتقل سابق، في شهادته لبرنامج «يا حرية»، عندما روى كيف أخذه صديق له من ضيعته في فتوّته الأولى ليجد نفسه في معسكر تابع لرفعت الأسد في دمشق، وبالطبع من لون طائفي واحد، فأدرك الحقيقة المرعبة لجوهر النظام، وقرر منذ ذلك الحين أنه لا بدّ أن يكون ضد كل ما يمثله النظام. خيار كلّفه لاحقاً سنوات مريرة في السجن.
لا نناقش هنا ما هو الجوهر الحقيقي للنظام، إنما نسأل فقط؛ كيف استطاع عارفٌ بجوهر العصابة أن يتدرّج إلى أعلى السلّم فيها، مذيعاً بارزاً، مديراً للتلفزيون، مستشاراً للرئيس، وزيراً للثقافة. ومن بين مهامه التي لا تنسى محاججة معارضي النظام على شاشات التلفزيون، بأي شخصية، أي وجه، لغة، طريقة حياة!
لا نتحدث هنا عن «ربع ساعة أخير»، بل عن سنوات امتدت منذ العام 1973، إلى بدايات العام 2011 عندما اندلعت الثورة في البلاد!
وسوم: العدد 987