في الاشتغال بغير شغل ... وكل الحكاية عيون بهية
لا أخفي عليكم أنا أشتغل في يومي القصير عشر ساعات بجد ودأب...
وأعتبر نفسي بلا شغل,,,!!
أستطيع بجد أن أميز بين الشغل والتشاغل.
الشغل: أن تعمل على مشروع جماعي، له هدف، وأن تكون مسننا من مسنناته، أو صامولة في عجلة من عجلاته، أو قطرة الزيت التي تخفف من وطأة الاحتكاك بين مدوراته، أو النابض الذي يمتص عملية التضاغط بين قاطراته، وما سوى ذلك هو التشاغل، التشاغل أن تكون في ورشة كبيرة، ولا تجد مديرا يديرك، ولا مشغّلا يشغلك، ولا منظما يجد لك مهمة تتناسب مع إمكاناتك مهما كانت متواضعة.... في عقل "شمشوم" أنه قادر على كل شيء، مستغن عن كل أحد، شمشوم الجبار قادر مقتدر على كل شيء قديرـ إلا أن يوكل لمن دونه أن ... فذلك أمر في عقله لا يجوز..
فالتشاغل: أن تبحث لنفسك عن شغل نافع تملأ به وقتك، ولو أن تعيد قراءة قصيدة المتنبي عن الحمّى التي تزور على استحياء فتتذكر:
يقول لي الطبيب أكلتَ شيئا .. وداؤك في شرابك والطعام
ومـــا فـــي طبـــه أنـــي جـــــــــــواد .. أضرّ بجســــــمه طول الجُمام
اقرؤوها فإنها جميلة جدا..وقراءة الشعر القويم ينقح القريحة، ويسدد البصيرة، ويرفع الهمة، ويؤكد العزيمة، ويقرب البعيد، وييسر العسير. يقول عمر رضي الله عنه: اقرؤوا الشعر فإنه ديوان العرب...إذا أردتم أن تتعرفوا على المكارم فاقرؤوا ديوان العرب، ولا تتابعوا نشرات الأخبار.
واكتشفت متأخرا بعد الخامسة والسبعين...!!
في شبابنا شاعت أغنية، لا أعرف مَن ، ولا كيف، ولكن كان المطرب ينادي فيها: "وكل الحكاية عيون بهية"... فجعلنا من هذا العنوان مادة للعبث، فكلما ضاقت علينا مضاقات الثرثرة أو الجدل، نختصر القول فنقول: "كل الحكاية عيون بهية". مع التقدير لكل من اسمها بهية...
اليوم وبعد ستين سنة اكتشفت اكتشافا فاجعا، أن عيون بهية أمر حقيقي وليس مجرد أغنية، وأن الكثير من الناس لا غاية لهم في كبير الأمور أو صغيرها إلا عيون بهية!! وأن كل ما كان نحكيه لبعضنا عن مكارم وعن دين وعن عقيدة وعن مشروع وعن حاضر وعن مستقبل كان عند بعض الناس مجرد ورق السوليفان اللامع لتغليف عيون "بهية"
ثمة حكاية أخرى في المعنى تروى عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أنه عندما قيل له: إن ابن الزبير يتربص بمعاوية، ليكون له الأمر من بعده، قال لمحدثه: أتعرف بغلة معاوية "الزرزورية" الجميلة تلك؟ قال الرجل نعم ، قال فتلك التي يريدها ابن الزبير!! نحن لا نحشر أنفسنا بين سادات قريش هم أبناء أعمام وعمات وأخوال وخالات، وفي مثلنا الحلبي ذم للذي يحشر نفسه بين البصلة وقشرتها..
وثالثا - بعد غزوة أحد، وبعد مخالفة بعض الرماة، بعضهم وليس كلهم، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل قوله تعالى (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ) يقول أحد الصحابة رضي الله عنه: "ما علمتُ أن فينا من يريد الدنيا حتى نزلت.." !! وأنا أيضا ما عرفت هذا إلا بعد ستين سنة من الطرق على الطريق..
وعرفت أن كل الحكاية عند بعض من يقول أو يتقوّل: "عيون بهية.".. أكتب هذا وأعلم أنه ليس شغلا بل محاولة للتشاغل...
أكتبه متشاغلا متألما لقد تأخرت كثيرا حتى أفقت يا ابن الخامسة والسبعين. واجعل شغلنا في طاعتك يارب ..
"فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
وسوم: العدد 990