اتفاق قناة البحرين وقرار شركة فايتنز للمياه..الأسئلة الجمر!
اتفاق قناة البحرين وقرار شركة فايتنز للمياه..
الأسئلة الجمر!
نبيل نايلي
في الوقت الذي يوقّع فيه من لا يملك مع من لا حق له، إتفاق قناة البحرين، ويحقّق من حيث يدري أو لا يدري حلم هرتزل الصهيوني، تقرّر شركة فايتنز الهولندية العملاقة للمياه، Vitens، وضع حدّ لشراكتها مع ميكروت، Mekorot، شركة الكيان الصهيوني لتوزيع المياه، "لأسباب سياسية!" إتفاق قناة البحرين، تذكرة، تمّ برعاية أمريكية وبمباركة البنك الدولي الذي إحتضنت مكاتبه ممثّلي الأطراف الثلاثة المعنية: وزير الكيان للتعاون الإقليمي، سليفان شالوم، ووزيرا المياه الفلسطيني شداد العتيلي والأردني حازم الناصر. سيتمّ بمقتضى هذا الإتفاق "مدّ 4 أنابيب بين البحرين يصل طولها إلى 180 كلم، ستنقل 100 مليون متر مكعّب من المياه سنويا من البحر الأحمر إلى البحر الميت وإقامة محطة تحلية عملاقة للمياه في مدينة العقبة بالأردن لتوزيع المياه المحلاة على الأطراف الثلاثة." ممّا ورد في بيان شركة المياه الهولندية، فايتنز، أنها "أبلغت شركة ميكوروت بقرارها إنهاء التعاون بينهما" لتوضح أنها خلصت "إلى نتيجة مفادها أنه بات من الصعب جدا العمل معا في مشاريع مستقبلية لأنّه لا يمكن أن ينظر إليها خارج السياق السياسي"! أما أهم وأخطر ما ورد في البيان، وللأسف الشديد دون إيضاحات بخصوص خروقات السلامة وإنتهاكات القوانين، قولها: "إنّ فايتنز تولي الكثير من الأهمية للسلامة وملتزمة بالقوانين والأنظمة الوطنية والدولية"!! ما لا يريد مسؤولو شركة فايتنز الإفصاح عنه مباشرة، هو ما تناولته ولا تزال وسائل الإعلام الهولندية بخصوص تمييز الكيان الغاصب وتلاعبه في حصص الإخوة الفلسطينيين من المياه. البنك الدولي بعينه، وليس غلاة الفلسطينيين ولا حتى نشطاء غربيين، من يؤكّد أنّ "ثلث البلدات الفلسطينية غير مرتبطة بشبكة توزيع المياه" وأنّ الكيان الغاصب يستولي بمفرده "على نحو ضعفي حصته من المياه المتّفق عليها في اتفاقيات أوسلو الثانية عام 1995"! نعم ضعفي حصته، ومع ذلك ثمّة من يستمرّ في نهج أوسلو التفريطي ويوقّع، بل ويبرّر كما يفعل وزير الثروة المائية الأردني، حازم الناصر، الذي يصرّ أنّ "الاتفاق لا يحمل دلالات سياسية، بل مقتضيات إنسانية صرفة"!!! يبدو أن مقاربات المسؤولين الرسميين العرب ومقاربات مسؤولي الشركة الهولندية فايتنز، لما هو "سياسي" في ما تعلّق بالكيان الصهيوني، كالخطين المتلازمين! لا يلتقيان!!!! مسؤولو العرب يوقّعون إتفاقا إستراتيجيا على غاية من الخطورة، تطبيعيا وسياسيا وأمنيا وإقتصاديا، فضلا عن بيئي، مع كيان غاصب ومحتل، ومسؤولو الشركة الهولندية يُنهون شراكة لدواعي سياسية لها علاقة بحملات المقاطعة وإنتهاكات الكيان وصورة من يتعامل معهم لدى الرأي العام. مع ذلك يُراد لنا أن نقنع أن اتفاق البحرين سيلزم المحتلّ، فقط لأنه تم "لدواعي إنسانية"، ذات الدواعي الإنسانية التي تجعل هولنديين، لا علاقة لهم بالحقوق ولا بكرامة الفلسطينيين، ينتهون إلى قناعة مفادها "بات من الصعب جدا العمل معا"! حين نستعرض تاريخ إغتصاب فلسطين وجرائم المحتل ومعاناة إخوتنا في فلسطين، ونجد من لا يزال مستعدّا إلى "العمل معا"، نشكّ، بكل المرارة، من هو أكثر عروبة وفلسطينية! لئن "فوجىء" مساعد وزير خارجية الكيان، زئيف الكين، "بقرار الشركة الهولندية"، فإنّ باقي مسؤولي الكيان نعتوا قرار الشركة فايتنز "بالسخيف"، بل وال"سخيف تماما"، كما صرّح ايغال بالمور، المتحدّث بإسم خارجية المحتلّ لوكالة فرانس برس. من الغريب والمخجل في آن أن يصرّ وزير سلطة المياه الفلسطيني شداد العتيلي، وينفي، خلال حوار أجرته معه وكالة أنباء (معا)، الإتفاق معتبرا ما حصل مجرّد، "مذكّرة تفاهم"، وكأنّ المذكّرة تعفيه وباقي من وقّع فلسطينيا وأردنيا، من مسؤولية التفريط والإعتراف بحق الكيان في ما لا حق له، ليصرّح " مذكرة التفاهم التي وقّعت مؤخّرا ليس لها علاقة باتفاقية قناة البحرين وقّعنا مذكّرة لبناء محطة لتحلية المياه في العقبة وليس قناة البحرين، إنّ التوقيع على مذكرة التفاهم لا يعني موافقة الأطراف على تنفيذ مشروع قناة البحرين بشكل متكامل"!!! فهذا ايغال بالمور، المتحدّث باسم خارجية الكيان يفضح المستور مجدّدا، على هامش تعليقه على قرار الشركة الهولندية، ليقول بلا مواربة: "هذه المجموعة الهولندية تقاطع ميروكوت في الوقت الذي قرّر فيه البنك الدولي إشراك هذه الشركة الاسرائيلية في مشروع تعاون إقليمي مع الفلسطينيين والأردنيين"!!! مشروع تعاون إقليمي يا جناب الوزير، وليس "مذكّرة تفاهم"!!! أما من يسوّقون لوهم تمتّعهم بحصص مائية يغدقها عليهم كيان محتلّ غاصب فليعودا لكل إتفاقاتهم مع الكيان في مجالاتهم المختلفة ليكتشفوا مدى إلتزامه بالعهود والمواثيق! من خانته الذاكرة أو إلتبس عليه طريق العودة أو أدمن مفاوضات طحن الماء، وجلسات "استحضار روح سلام" موهوم والتسليم في ما تبقّى من فلسطين التاريخية، فلينظر بتقرير البنك الدولي بخصوص إستيلائه بمفرده "على نحو ضعفي حصته من المياه المتفق عليها في إتفاقيات أوسلو الثانية"، أو فقط الإقتداء بهؤلاء الغربيين المقاطعين الذين أضحوا عربا فلسطينيين أكثر من بعضنا، متمسّكين بما تبقّى من ثوابت يسمسر بها من استنسخهم نهج أوسلو، ويدافعون عن حقوق يهدرها أصحابها ثم يبرّرون صنيعهم بما لا يقبله لا عقل ولا منطق... في الوقت الذي نسمع فيه تقارير إذاعة الكيان تعلن وتؤكّد متذمّرة من أنّ "شركات أوروبية أخرى اتخذت قرارات مماثلة في الأشهر الأخيرة"، لتقاطع الكيان ومنتوجاته وتتنصّل من شراكات إستراتيجية معه، يبادر العرب الرسميون بعقد الأحلاف الأمنية والعسكرية والإقتصادية والمائية دون أن يرفّ لهم جفن، أو تهتزّ لغير الرسميين قصبة! بعضهم لم يتورّع عن إستدعاء جزار قانا وسفاح الكيان، شمعون بيريز، ليحاضر في 29 مسؤول عربي عن "الأمن ومكافحة الإرهاب"! وآخرون إجتمعوا بمسؤولي الكيان وجنرالاته من العسكريين والإستخباراتيين لإبرام المعاهدات والإتفاقيات. هؤلاء هم بعض تشكيلة "تحالف القلقين"!! فهل أتاكم حديثه؟ الحقيقة، سبق وسمعنا عن تحالف الراغبين، Coalition of the Willing، ثم عن تحالف المرغمين، Coalition of the Compelled، وما كان ليخطر ببالنا مُطلقا أن يرى النور تحالف جديد تسمّيه قناة العدو التلفزية الثانية ب:"تحالف القلقين، Coalition of the Concerned"، ينسّق من خلاله قادة خليجيون مع قادة الكيان الصهيوني ويعقدون مباحثات سريّة مع مسؤولين صهاينة للنظر في "إمكانية إقامة تحالف جديد للتصدّي لمحاولات التقارب بين الولايات المتحدة وإيران خلال الفترة القادمة، ومواجهة طموحات طهران النووية التي تهدّد كلا الطرفين"! قناة العدو أفادت أن رئيس وزراء الكيان، نتنياهو إلتقى عددا من المسؤولين الخليجيين! كما كشفت خبر "زيارة مسؤول كبير بإحدى دول الخليج العربي لتل أبيب، سرّا، وعقده سلسلة من اللّقاءات هناك"! كل مصاريف التسلّح ذات الأرقام الفلكية، لم تخفّف من حدّة خوف من سلّم العراق وساهم في تدميره ويعمل اليوم على فسخ سوريا من الخارطة ليتباكى بعدها خوفا من زحف "المشروع الفارسي"، ولا يجد حلاّ غير الإرتماء في أحضان الكيان، لينتهي حاله كحال المحتمي من الرمضاء باللهب النووي الصهيوني!! لن نتفاجأ إذا خُصّص قريبا مقعد تشريفي للكيان داخل مقرّات "جامعة العرب"، هي فقط مسألة وقت يختزله هؤلاء الذي يكسرون الحواجز النفسية الحاجز تلو الآخر، وينهون حالة الإشتباك مع العدو، ويسوّقون لعدو جديد! فيتحوّل الكيان إلى حليف موثوق في زمن التيه العربي! أ ليس الذي يجري حلقة أخرى من حلقات التصفية الممنهجة لما تبقّى من قضية مركزية عربية؟ أ لا تلاحظون أن فلسطين لم تعد الشأن، بالألف واللام الزمخشريتين، الذي يهتمّ له "ثوار الربيع" المنشغلين في "التأسيس" والإنتقال" و"التفكيك"؟ ألا تعنيهم اتفاقيات تُبرم هنا وهناك لن يقيهم خرسهم وصمتهم عن موقّعيها لفح مُضاعفاتها؟ كيف يصبح مقاطعون غربيون، وإن قاطع بعضهم بإسم العلاقات العامة أو لمجرّد النفعية، أحرص منّا على قضايانا ونصرة إخوتنا؟ أي حالة تفسّخ قيمي هذه، وأي إختلال في جدول الأولويات الإستراتيجية وأي إنعدام توازن ينتاب هذه الأمة في عز حالات التموضع الإستراتيجي التي تنسف خرائط وعوالم لتقيم خرائط وعوالم بديلة، يساهم في إقامتها أبناء هذه الأمة، للأسف الشديد، كمعاول أو مجرّد أدوات أو حطبا لحروب وكالة ما إن تخمد إحداها حتى تستعر أخرى، لا كذوات واعية تخطّط وتعمل وفق منهجية وإستراتيجية واضحتي المعالم! إتفاق قناة البحرين الذي يتمّ التكتّم على أدقّ تفاصيله، يجري التسويق له الآن ولمزاياه كونه "سيحلّ مشكلة المياه وسينقذ البحر الميت من الجفاف"، تماما كما سوّقوا لخطيئة معاهدة وادي عربة، التي قيل عنها يومها، زورا، أنّها "ستحوّل الأردن إلى سنغافورة جديدة"، لا يشكّل خطوة تطبيعية تربط المنظومة المائية والأمنية والإقتصادية الإستراتيجية بالكيان الغاصب، فحسب، بل يمثّل تكريساً لشرعية الإحتلال الغاصب وتفريطا جديدا في الحقوق واعترافا وقبولا بأحقّية الكيان، في ما اغتصبه عنوة. إلى أن تستعيد هذه الأمة توازنها ويستعيد ثوارها بوصلتهم، ستكتفي فلسطين، بأحرار العالم من نشطاء وحقوقيين ومقاطعين غربيين يصدعون بالحق في زمن التسليم. لا نطالب المسؤولين العرب بالإشادة بهذه الشركات أو الجامعات التي تقاطع الكيان أو تشجيعها، وذلك أضعف الإيمان، فقط نرجو ألاّ يردّدوا دعوة المتحدّث باسم خارجية الكيان، التي تستبطن توعّدا، حين يقول: "من الأفضل لإدارة فايتنز أن تتعقّل وتعود عن قرارها!". نرجو، وإن كنّا..لن نستغرب!!!