هل أصبح الصدر بطل القادسية الثالثة وتحرير الفاو؟
خلال المواجهات الأخيرة التي شنها أنصار مقتدى الصدر على القصر الجمهوري، خرجت أصوات من الجمهور السني في العراق، وكذلك من دوائر إعلامية عربية مقربة من واشنطن تحتفي بمقتدى بوصفه محارب الإيرانيين في العراق، ووصل الأمر إلى القول إن هجوم ميليشيات الصدر المسلحة على المنطقة الخضراء «لا يقل عن تحرير الفاو»، كما قال النائب السابق في البرلمان العراقي ناجح الميزان، في وصف مشابه لما قاله النائب السابق الآخر الكربولي عن أن مقتدى هو بطل القادسية الثالثة.
ويبدو أن خيارات المعسكر المضاد للقوى الشيعية المقربة من إيران، قد ضاقت، فبعد المراهنة الفاشلة على «شيعة أمريكا» مثل إياد علاوي والإسلاميين الشيعة الأكثر اعتدالا مثل رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وحتى على ما يسمى حشد شعبي غير ولائي، ضد حشد ولائي، أصبح الرهان على التيار الصدري هو المفضل الآن، رغم أنه تيار إسلاموي شيعي يقوده رجل دين معمم، ويمتلك أحد أكبر الميليشيات الشيعية في العراق، وبات مساعدوه سابقا، كقيس الخزعلي والكعبي قادة أكبر ميليشيات شيعية مرتبطة بالحرس الثوري في العراق.
يبدو أن حشر إيران في كل شي وتحويل كل نزاع داخلي إلى معادلة ضمن الحرب على إيران، هو طرح مسيس غير معرفي، ففي المواجهة الأخيرة، هاجم الصدريون مقر القصر الجمهوري وليس الحشد الشعبي، ومن اشتبك معهم في معظمهم قوات حكومية من الجيش والفرقة الخاصة، والقتلى معظمهم من الجيش مع وجود ثلاثة قتلى من أمن الحشد فقط، سقطوا بقذيفة هاون، وليس اشتباكا، فالصدر نفسه قال في خطابه إن الحشد لم يطلق رصاصة واحدة، بل وجه شكرا للحشد الشعبي.
وهكذا فإن التنافس بين الصدر وخصومه هو صراع محلي في أساسه، جذوره قديمة ويرتبط بفوارق طبقية ونزاع سلطة ضمن البيت الشيعي العراقي، وعلى العكس إيران هي من كانت تحاول احتواء الخلاف، لأن اقتتال الشيعة وتخلخل قوتهم في العراق خطر على أمنها القومي. ولو نلاحظ كيف عملت المرجعية الشيعية على الضغط على مقتدى لإيقاف هجومه في بغداد، فكانت ضابط الإيقاع، إذ أرغمت مقتدى على سحب أنصاره خلال دقائق وجعلته يعلن «المرجع قال ماكو تدخل بعد». وحولت خطابه من ثائر عاشوراء إلى «القاتل والمقتول في النار» ومن الميليشيات الوقحة إلى «شكرا للحشد الشعبي». تصوير كل نزاع أهلي وخصومة بين شيعة العراق، وفق معادلة عربي/إيراني، هي في الأصل رواية سنية بعثية، وضعت منذ حكم القوميين العرب في العراق، الذين عززوا ثنائية العربي/ الفارسي لتحاشي ولتبرير أزمة طائفية بين عرب العراق، واليوم تطابقت مصالح الأمريكيين مع هذا التوجه لاستخدام نزاع شيعي ـ شيعي في إضعاف المحور المقرب لإيران، ويظهر تهاوي هذا الطرح عندما يتحول «صكاكة» أبو درع لمنقذين للسنة، فهنا تختل البوصلة، فهل عداؤك مع إيران، أم مع الطائفيين؟ ايران لا توجد لديها دبابة واحدة في العراق، وإنما حلفاء شيعة عرب وصلوا للسلطة منذ 2003 بإصوات ملايين الشيعة العراقيين، ويفترض أن سبب المشكلة لدى سنة العراق مع المالكي والميليشيات الشيعية المقربة من إيران، هي سياساتهم الطائفية، إذن ما الذي يختلف فيه هنا التيار الصدري وميليشياته؟ منذ تعليق صور مقتدى في الأعظمية عام 2004 وبعض السنة يروج معادلة الصدر العروبي ضد إيران، بعدها بعام أصبحت المفردات الأكثر رواجا بين الجمهور السني هي أبو درع والبطة وخلف السدة، وهي رموز الميليشيا الأكثر تطرفا وطائفية جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر.
وأذكر أن قياديا سنيا شهيرا في العراق، حضر عدة اجتماعات في دولة خليجية، لبناء تقارب مع التيار الصدري عام 2007، رغم أن شقيق هذا القيادي قتل على يد جيش المهدي في الشعلة شمال بغداد قبلها بعامين، وعندما كنت أسأله عن ذلك كان يقول «هل معقول أن الصدريين قتلوه؟!». فكرة «التشيع العروبي» في مواجهة «التشيع الصفوي» زرعت منذ عقود، وهي كما قلنا روجت لإنكار وجود مشكلة طائفية مستمرة، تخبو أحيانا وتستعر أحيانا أخرى، لكنها راسخة قبل حكم الخميني، وقبل قرون حتى في العراق، فعندما كان الخميني ضيفا لاجئا على حزب البعث في السبعينيات كانت المواجهات والاعتقالات والإعدامات في صفوف حزب الدعوة قائمة، منذ ما يعرف بانتفاضة صفر 1977 حتى إعدام باقر الصدر، وكانت حينها الرواية الحكومية بعهد البعث تقول، إن المؤامرة من سوريا وليس إيران.
الأمريكيون أيضا والدوائر الإعلامية الممولة أو المقربة منهم، باتت تحتفي بالصدر وتصوره وكأنه زعيم مدني يحارب إيران، بينما كان مقتدى الصدر مجرما مطلوبا القبض عليه ومتزعم عصابة متمردة بنظر بوش والجيش الأمريكي، خلال وجود الجيش الأمريكي في العراق، حسب البيانات الرسمية للجيش والإدارة الأمريكية وبول بريمر، فعندما كان الأمريكيون في العراق، قال قائد الجيش الأمريكي في العراق عام 2004 «إن مهمة الجيش الأمريكي قتل الصدر أو اعتقاله»، وأعلن بوش «لن نسمح للصدر بالتحكم بالبلاد». والان تروج دوائر ممولة من الخارجية الأمريكية القول، إن صراعا محليا لميليشيا الصدر الطائفية مع منافسيها من الميليشيات الشيعية على السلطة والغنائم، على أنه ثورة وطنية ضد إيران. ودعونا نقرأ فقرة من تقرير الجيش الأمريكي في العراق عن « انتفاضة الصدر» عام 2004، «في ربيع 2004 أوضح سانشيز لسلسلة قيادته، أن الشاغل الرئيسي لقوة المهام المشتركة هو مقتدى الصدر وأتباعه المقاتلين. هذا الحكم شاركه فيه معظم قادة الولايات المتحدة في واشنطن، الذين اعتبروا الصدريين التهديد الأكثر أهمية لنقل السيادة المخطط له إلى حكومة عراقية مؤقتة في يونيو. كانت ميليشيا جيش المهدي التابعة للصدر راسخة في الجنوب ذي الأغلبية الشيعية بحلول ربيع 2004، بعد أن تسللت إلى الشرطة المحلية والحكومة، وأنشأت محاكم شرعية، وشكلت عصابات تهريب وخطف. اعتقد سانشيز أنه تحت ضغط من كبار القادة الأمريكيين لضمان نقل السيادة في الوقت المناسب، من أجل إعطاء الإدارة الأمريكية نجاحا سياسيا قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2004. ونتيجة لذلك، خططت قوة المهام المشتركة لتدمير منظمة الصدر، ولكن بانتظار تقارير استخباراتية والفرصة المناسبة للقيام بذلك». ولعل تردد السيد مقتدى وتقلبه سيكون العامل الأقوى في تخلي جمهوره عنه وتخلي المراهنين عليه، عنه أيضا، فخلال لقائي بمقتدى، في إبريل 2003، كان مساعدوه ومنهم الخزعلي ينصحونه بتجنب الإجابة عن قتل الخوئي، الذي كان أول من قتله الصدريون لتصفية نزاعات والد مقتدى مع منافسيه الشيعة، الذين سماهم»الحوزة الصامتة»، وكان السيد مقتدى منذ ذلك ينكر كل شيء ويردد أنه مستقيل من السياسة، فقبل فترة استمعت للقائي مع السيد مقتدى عام 2003 بعد أيام من احتلال بغداد ومقتل الخوئي، فوجدته يجيبني «حبيبي الخوئي قتل نفسه، وانا لا أتدخل السياسة».
وسوم: العدد 996