هل يختلف المسلمون ؟؟ هل يقتتل المؤمنون ؟؟ ردا على قصاص العربسات .. والعرندسات !!
ويظلون يبدئون ويعيدون، أن المسلمين لا يختلفون، وأن المؤمنين لا تتعارض مصالحهم، ولا تتضارب وسائلهم واهدافهم؛ حتى صار المسلم إذا وجد نفسه في المأزق الضنك، مع من يُفترض أن يسميه "أخاه المسلم" لا يجد لنفسه ملجأ ولا ذريعة ولا وليجة إلا أن يرميه بالكفر والفسق والخيانة والرذيلة والانحطاط وما شئت من هجر القول بعد ..!!
وردا على هؤلاء الذين اختصروا المنهج الإسلامي الواقعي، في أوهامهم الطوباوية المثالية الحالمة، لا نجد أصرح وأوضح وأقطع من قول الله تعالى في محكم التنزيل (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
صراحة ما بعدها صرحة. وواقعية ما بعدها واقعية، وقد يظن بعضهم باباطل أن لهم حقا أو حقوقا يتصورونها أو يتوهمونها، أو تغلب عليهم شقوة استئثار، وعجب أو غرور...وأبسط ما يعلمنا إياه القرآن الكريم: أن لا يكون ثوب الإيمان أو الإسلام، هو أول ثوب يسارع المسلمون إلى تمزيقه عن بعضهم..
نعم مسلمون .. مؤمنون .. موحدون ..ونختلف ونتراشق ويتعاظم بنا الأمر حتى نقتتل ، ولا ينزع أحدنا عن الآخر ثوب إسلام أو إيمان..
وهذا الدرس هو الذي يجب أن نعلمه لدعاة التكفير والتهجير والتطرف.. ليس من شرط أنك تهجر لي بالقول، ثم تقاتلني فتقتلني، أن تكفرني قبلا أو بعدا !! وهذا هو الدرس. ولا نكفر مسلما بمعصية ولو عظمت. هذه هي العقيدة. وحين يجري على لسان أئمة المسلمين شيء من هذا، نحمله على تفسير: كفر دون كفر ، وفسق دون فسق، ولعن دون لعن، واتقوا الله يا عباد الله...
مسلمون ... مؤمنون .. موحدون ...
وتتعارض مصالحنا أفراد ومجتمعات وجماعات، ويكون بيننا الباغي والمبغي عليه، ونرد عن أنفسنا البغي ما استطعنا، ونهجر للباغي بالقول دون التكفير، والإخراج من الملة، والحكم بالردة ...وكل ذلك الذين تعودوا أن يرجموا بالحجر الأكبر على كل رزية وخطيّة ..
وفي آية أخرى من كتاب الله يكون الأمر أكثر تفصيلا ، في اختلاف الولاءات بين جماعات من المؤمنين...
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا، وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
إن إعادة تأويل الآية بما يتناسب وواقع العصر، حيث تختار طائفة لنفسها أن تتبع سبيلا غير سبيل المؤمنين، وأن تناصر أهل الباطل، وأن تركن إلى الذين ظلموا باعتساف اجتهاد، وسوء تأويل، وبعد عن السبيل، كل ذلك يضع هذه الفئة أو الطائفة من المسلمين "في دائرة حمراء" دون أن ينزع عنها إسلام أو إيمان ..
كل ذلك يضعها أو هي تضع نفسها في موضع البراءة منها والنبذ والإعراض عنها من جماعة المسلمين الكبرى، ويسقط عن هؤلاء المارقين، المتنكبين للسبيل، المتبعين لغير سبيل المؤمنين، حقوقهم في أمور أهمها الولاية وهي هنا النصرة العملية، ولاسيما إذا اقتضت هذه النصرة، تقطيع الوشائج، وتحميل الأصل مغبة الجنايات...
لقد أرهق الجيل المسلمَ عصرُ مشاعية الفقه وسوقيته، على أيدي أو ألسن أو أحرف القصاص في مدرسة طوباوية الفقه، ومثاليته، وكأن المسلمين يعيشون في فراغ، ويصدرون أحكامهم على العالم، وكأن واحدهم ممن يقول: للشيء كن فيكون.. وأسمع أحاديثهم كل يوم أفانين وألوانا...
ولو أننا أمعنا في قراءة ما يسمى أدبيات ما يسمى الفكر الإسلامي المعاصر منذ مطلع القرن العشرين، لقرأنا فقها وفكرا مخمليا ناعما وزاهيا يمتع الأبصار، ويعجب القلوب، ويُعرض عن الحقائق التي تقررها الشريعة بل تفرضها... (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا) ويسألونك ومن أين هذا النكد الذي عاشته الأمة وما تزال!!
كلمات اقتضاها حال أقوام باعوا أخوّتنا، وتمسحوا بقاتلنا، وأعرضوا عن نصرتنا ، وكان من حقنا أن نقول لهم بعدا وهجرا وبؤسا وبراءة ..
وسوم: العدد 998