خيانة الزوجة

أتعرَّض في مقالي إلى قضية خطيرة، انتشرَت بسُرعة البرق في مجتمعاتنا العربية بعد ثورة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي؛ من (فيس بوك) وغيرها. 

 ما سأَعرضُه كوارثُ حقيقية حدثَت بالفعل، وقد تردَّدنا كثيرًا قبل طرحِها، إلا أنَّ أصحابها كان لهم الرأيُ الصائب والرغبة الشُّجاعة في عَرضِنا لهذه الأَحداث؛ وذلك بعد ما قصُّوها علَينا بمَرارة وألمٍ تفطَّرت لها قلوبُنا، طالبين منا عرضَها؛ حتى يَنتبه الناس إلى خُطورتِها، خاصة بعدما ضاعت بيوتهم وهدمت صروحهم. 

خيانة الزوجة: 

 هذا المفهوم للأسف صار مقصورًا - مِن زمان بعيد - في مُجتمعاتنا العربية على إتيان الفاحشة (الزِّنى) فقط، في حين أنه مفهومٌ له أبعاد كثيرة، تتشكَّل وتتنوَّع حسب التصرُّف والموقف؛ فاتِّصال الزَّوجة برجلٍ غريب وتواصلُها معه على مواقع التواصل الاجتماعي دون علم زوجِها، وإخفاؤها الأمر عليه - بحجَّة أنها ناضِجة وليسَتْ صغيرة، ولن يَجرؤ أحدٌ أن يَشغلَ قلبها غيرُ زوجها، وأنَّ الحرية وانفِتاح التواصُل والأفكار والحضارات، وغير ذلك مسألةٌ صارت واجِبة وضرورة، وغيرها من فلسفات في ظاهرِها رحمة وفي باطنها عذاب - هذا الاتِّصال هو أمرٌ أيضًا يدخل تحت مظلة خيانة الزوجة، وعدم حفظها لميثاق الزوجية؛ باعتبار أنه يجب أن تكون مع زوجها كتابًا مفتوحًا، بعيدةً عن الشبهات، مهما كانَتْ تدَّعي الكمال في دينها وخلقها، فيجب أن تُخبره بتواصلها مع فلان، وأن تُطلِعه على طبيعة التواصل؛ حتى لا يَنفرِدَ بها الشيطان. 

    

خيانة الزوجة: 

 إنشاء الزوجة لأكثرَ مِن حِساب على مواقع التواصُل الاجتماعي، وإبراز أحدِ هذه الحِسابات لزَوجها، وإخفاء الباقي عليه مِن الحسابات الأخرى التي أنشأتها بأسماء مُستَعارة، كذلك أن يكون للزَّوجة أكثرُ من رقم اتصالٍ هاتِفي تُخبِر زوجها برقمٍ واحد منها، وتُخفي عنه باقيَ الأرقام، هو أيضًا يدخل تحت عباءة خيانة الزوجة، وعدم مراعاتها لطاعة زوجها ولميثاق الزوجية. 

خيانة الزوجة: 

 عدم إخبار الزوجة واستئذانها لزَوجها في التواصُل مع زملائها الرجال على المواقع؛ تحت مُسمى أنَّهم أصدقاء، أو أصحاب فضيلة علماء، أو أصحاب فِكْر، ولهم عليها فضْلٌ سابق في علم أو تعليم، أو أنه رجل مسنٌّ في عُمرٍ كبير لن يَطمع فيها، وغير ذلك من تلبيسات إبليس وفلسفات الشياطين الملتوية، حتى لو كانت أمورًا علميةً أو ثقافية أو حضارية أو فكرية، فهو أيضًا يدخل تحت عباءة خيانة الزوجة، وعدم مُراعاتها لطاعة زوجها ولميثاق الزوجية. 

  

خيانة الزوجة: 

 إهداء الزوجة لرجل عرَفَتْه على (فيس) وغيرِه بهدايا ماديَّة، حتى لو كانت كتبًا عِلميَّة أو ثقافية أو دينية أو إصلاحية، أو غيرها من كلمات الإطراء والإعجاب، أو الصور الشخصية، حتى لو كانت تظهَر فيها باحتشام - هو أمرٌ أيضًا يَدخُل تحت عباءة خيانة الزوجة، وعدم مُراعاتها لطاعة زوجها ولميثاق الزوجية. 

  خيانة الزوجة: 

 انجذاب وإعجاب الزَّوجة برجلٍ غير زَوجِها، ووجودُها ليلَ نَهار على صفحته تاركةً بيتَها وزوجها، تُتابعه عن كثب على مواقع التواصُل، تشير إليه بالإعجاب، وتعلِّق على كلماته بالثناء، وهو كذلك يفعل لها وعلى صفحتها، هو أيضًا أمرٌ يَدخل تحت عباءة خيانة الزوجة، وعدم طاعتها لزوجها، وعدم مراعاتها لميثاق الزوجية. 

  خيانة الزوجة: 

 اشتراك الزَّوجة مع رجل غريب - مثقفًا كان أو حتَّى مُتديِّنًا - في محافلَ ومُنتديات وزيارات، وتبادلُهما التصويرَ والصور التذكارية دون علم زوجها واستئذانه، هو أمر أيضًا يَدخُل كذلك تحت عباءة خيانة الزوجة لزَوجها، وعدم طاعته، وعدم مراعاتها لميثاق الزوجية. 

  خيانة الزوجة: 

 نَفْي وإنكار الزَّوجة لرجل على مواقِع التواصُل بعد أن أُعجبَ بها وبمَنشوراتها - نَفْيها له بأنها متزوِّجة هو أمر أيضًا يدخل تحت عباءة خيانة الزوجة؛ بل إن هذا النَّفي والإنكار فيه ما فيه من أقصى درجات التجرُّؤ الشديد على الله مِن الكذب والخيانة، فنفْيُها وإنكارها لزَواجها هي لا تدري بأنها بذلك تكون قد حكمَت على نفسها بفاحشة الزنى، في حين أنها متزوجة برجل على سنة الله ورسوله! 

  أَبَعْدَ هذا التجرُّؤ على الله من كارثة؟! 

والله كلما قصَّ عليَّ هذا الرجلُ قصته وقفتُ طويلاً، وبالتحديد عند هذه النقطة التي لا يَكادُ يُصدِّقها عقل بشريٌّ، أتصوَّر أن كل عاقل - مسلمًا كان أو غير مسلم - لا يُمكن بحالٍ من الأحوال أن يقبَلَ عقلُه مثلَ هذا التصرفِ الشيطاني المحكَم؛ استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم الصدقَ بعد أن أنساهم ربَّهم! 

  

خيانة الزوجة: 

 عدم اهتمام الزَّوجة بنصائح زوجها وخوفِ زوجِها عليها بضرورة توقيف تواصلِها مع الرِّجال على المواقع، ثم عزمُها على المواصَلة بحجَّة أنها ليست صغيرة، أو أنَّ الزمان أصبح غير الزمان، أو أنَّ تبادُلَ الثقافات والمفاهيم والزيارات بين الرجال والنساء في المحافل والمناسبات لا شيءَ فيه؛ طالما أنها تخدم قضية إنسانية، وغير ذلك من الفلسفات الكاذبة تحت زعم إصلاحيٍّ أو ديني أو ثقافي، هو أيضًا يدخل تحت عباءة خيانة الزَّوجة، وعدم مُراعاتها لطاعة زوجِها ولميثاق الزوجية. 

  خيانة الزوجة: 

 حذف الزوجة أو حظرها لزَوجِها مِن الصَّداقة على صفحات حسابها، وتغيير مسمَّيات حساباتها، وإبقاؤها على أصدقائها الرجال دون زَوجها الشرعي، هو باب كبير أيضًا من أبواب خيانة الزوجة. 

 أيها السادة، انتبهوا قبل فوات الأوان! 

صحيحٌ أن هناك من الرجال مَن يَخونُ زوجتَه بمثل هذه التصرفات، إلا أنَّ خيانة الزوجة أخطر من خيانة الزوج بكثير؛ فهي ألم نفسيٌّ يَشعُر به ليلَه ونهاره، يَحول دون طعامه وشَرابه، وحَياتِه ونجاحاته، وقد يقف حائلاً نفسيًّا أمام كل طموحاته، بل هي في نهاية المطاف تَعني طلاقًا وهدمًا كاملاً لصَرحِ الزَّوجيَّة وضياع الأبناء. 

  

أيها السادة، انتبهوا قبل فوات الأوان! 

 فإنَّ خيانة الزوجة شعور ربما عجزَت الكلمات عن وصفِ مدى ألمه، وما يترتَّب عليه في نفسية الزوج، وكذلك الأبناء. 

 أيها السادة، انتبهوا قبل فوات الأوان! 

 أليس من المذهل والمستغرَبِ أن يهَبَ زوجٌ لزوجته الدنيا على طبقٍ من ذهب، وربما مِن ماسٍ، ثم يُفاجأ بأن هذا الطبق قد كان سببًا في صعقه حتى سقَط على وجهِه مغشيًّا عليه يومًا ما، تمامًا كالصاعقة تنزل بدون وقت محدَّد ودون سابق إنذار، فيموت من الصَّعق ومن بعده الأبناء؟! 

  أيها السادة، انتبهوا قبل فوات الأوان! 

 فليس من الوفاء لعقد الزواج والميثاق والحياء والشرع وحفظ المعروف وضمان المواثيق أن يزرَعَ الزوجُ قلبَه وُرودَ حبٍّ وعَطْف، وبذْلٍ وسخاء وعطاء، تتفجَّر من خلالها ينابيعُ وفاءٍ لشَريكةِ حياتِه، ويحيط بها أشجار العاطفة، ويُزيِّنها قطراتِ حنان تمامًا كما تزيِّن قطراتُ ندى الصَّباح اللامعةِ الأزهارَ، ثم تَضرب بذلك كلِّه عُرضَ الحائط، وتذهب لرجل غريب على مواقع التواصل الشيطاني وغيرِها، تتعرَّف عليه وتنشغِلُ به، تُعجب وتشاركه، تَميلُ بعاطفتِها له، تكذب على زوجها من أجله! وهل هذه عادات المسلمين والعرب، أم أنها موبوءات طبيعية اعتَدنا - كمسلمين وعرب - أن نسمع عنها في غير بلاد المسلمين؟! 

  

أيُّها السادة، انتبهوا قبل فوات الأوان! 

 لا يُعقَل بأيِّ حال أن يَجعل زوجٌ زوجتَه تَعتلي هذه الحديقة الجميلة الطاهرة النقية من كل شُبهة وسوء، ويُجلسها على عرش حديقتها، ويأبى أن يعتليها سواها، ثم تأتي هي بمَن تواصلَت معه على (فيس) ومال قلبُها له تحت زعم الدين أو الثقافة أو الفكر الحضاريِّ أو غيرها من مَنطقيات التحليل الزائفة؛ كي تقدِّمه بنفسها لدخول حديقةِ قلبها، طاردةً منها زوجَها، متمرِّدةً عليه؛ ليعتليَ - ذلك الذي أحبَّته وبه أُعجبَت - قلبَها، ويسحبَ اهتمامها ووقتَها وحياتَها، فتتسبَّب الزوجة في هدم صرح الزوجية وتشريد أبنائها، بعدما تكون قد استوجبت كرْهَ الأبناء وبغضهم. 

  

أيها السادة، انتبهوا قبل فوات الأوان! 

 ليس من الأدب والأخلاق والشرع والوفاء أن يُفاجَأ زوجٌ بأن الورود بكل أصنافها مِن قِبَل زَوجته قد صارت تَختفي، وتتحول شيئًا فشيئًا إلى سوادٍ قاتم، وتَذبل بعدها الأزهار، حتى صارت تمتنع عن التواصُل القلبي معه والعاطفي والغرامي، وغيره، وغيره. 

ألا تدرك أو تؤمن مثلُ هؤلاء الفاعلات أنَّها ربما تعيش وتحيا ألف مرَّة في عذاب يَتْلوه عذابٌ قبل موتها؛ جزاءَ خيانتِها لزَوجها، وإنكارها لزواجها منه، وهدمها للصرح الذي بنَتْه بقلبها قبل يدها؟! 

   

أيها السادة، انتبهوا قبل فوات الأوان! 

 انتبِهوا قبل أن تجفَّ الينابيع وتتبخر، وتنهدم المملكة، ويسقط العرش. 

انتبِهوا قبل أن يُخيِّم ظلامٌ وحزن وسكونٌ يُعانق سحب السماء، وتتحول القلوب إلى صحراء قَفْر مظلمة، وقد انغلقت عليها كلُّ منافذ الهواء النقية، بعدما صارت تتنفَّس الهواء الذي أفسد حياتها! 

أيها السادة، انتبهوا قبلَ فوات الأوان! 

 فخيانةُ الزَّوجة من أخطر ما يكونُ، وهي وجعٌ مؤلِمٌ لا يوصَف بكلمات. 

   

رسائلي إلى أخَواتنا الزوجات: 

 1- لستُ واللهِ أكتب من واقع الخيال أو الاحتمال أو قصص أنسجها، بل والله هي حقائقُ ما زال أصحابُها يبكون دمًا قبل الدموع كلَّما قصُّوها علينا، وباعتبارنا متخصِّصين في الاستشارات الأسرية والتربوية؛ فإن مثل هذه الحالات يأتينا أصحابها بها، ليَقذِفوها على أرْوِقَة مَكاتبنا؛ لنُحاول مُستعينينَ بالله مساعدتَهم بدرجةٍ أو أُخرى في تَخفيف محنةِ ما حدَثَ لهم، أو الوصولَ بهم إلى مرحلةٍ من الأمان النفسيِّ ولو بدرجةٍ ما، تُساعدهم على الوقوف ثانيةً. 

  

2- سيداتي الزوجات، اعلمن أنَّ كلمة (خيانة) صارت في مجتمعاتنا سنين طويلة - بل وما زالت - مقصورة الفهم ومحصورة على إتيان فاحشة الزنى، وهذا سيداتي هو المفهوم الأخير للخيانة، أما الخيانة بمفهومها الواسع الشامل فقد تحدَّث عنها علماء كثيرون ومتخصِّصون في الاستشارات الزَّوجية والنفسيَّة والأُسَرية والتربوية، وذكَروا أنَّها كذلك خيانةٌ في ابتسامة، إعجاب، انشِغال قلب، مقابلة، إهداءات، دردشات على النتِّ، اتصالات هاتفية... وغيرها، وغيرها. 

  3- سيداتي الزوجات، هل تقبَلْنَ وترضَين وهل يطمئنُّ ضميركنُّ حين يُعطي الزوجُ كلَّ الحب والوفاء والإخلاص، ويهَبُ حياتَه في سبيل إسعادَكِ، يَخاف عليك، يُحبُّك، يهتمُّ بك، يَحميكِ من الأعداء، لا يَجعلك تعرفين للحاجة سبيلاً، ثم تُعطيه أنتِ في المقابل ألَمًا وخوفًا وحزنًا لا يَنتهي، بعدما تعرَّفتِ على رجل أجنبي لا يحلُّ لكِ؟! 

  

4- سيدتي الزوجة، خيانتُكِ أن يَزرع لك زوجُك طريقًا كلُّه أمل، وأن يأخذكِ بيده لبرِّ الأمان، وأن يفتَحَ أبواب الدنيا أمامكِ ويُضيء المستقبل أمامك بأبهى الألوان، ثمَّ يُفاجأ بكِ تزرعين في طريقه الأشواكَ، بل أشواكًا داميةً، وتَسُدِّين كل الدروب أمامه بمُختلف الصخور والعناد والتمرد. 

  5- سيدتي الزوجة، خيانتك هي أن يرعاكِ زوجك كطفلٍ تمامًا؛ يَسقيكِ الحبَّ، ويُغطِّيكِ بالحَنان، ويجعلُك تعتَلين صدره لتَنامي، وفي المقابل تَسقيهِ أنتِ ألَمًا ودموعًا، ووجعًا وحزنًا، وتَرميه دون غطاء! 

 6- سيدتي الزوجة، الخيانة دمار وتدمير، خلُق سيِّئ وحرام، يجعل من صاحبه أقبح الناس. 

  الخيانة صفة دميمة لا يقبلها دينٌ ولا شرع، الخيانة أن تَقتلي زوجَكِ وحبيبَ قلبك بأبشع الطرُق، وهو عذاب نفسيٌّ لا يُطاق. 

  عودةً إلى الله يا كلَّ السادة: 

  ما أجملَ أن تكون نياتُنا وقلوبنا وأرواحنا صافيةً لا تعرف خيانة ولا ألَمًا؛ كقلوب الأطفال! 

  ما أجمل أن نقدِّر المشاعر التي تُقدَّم لنا ممَّن نُحبُّ، نرعاها ونحافظ عليها بحقِّ الله؛ لتَبقى دومًا! 

  ما أجملَ ألا نقطَع اليد التي امتدَّت إلينا، وساعدَتنا وساندَتنا، وحفِظَتنا من الشبهات والحرام! بل من الوفاء والدِّين أن نَغمرها بالدِّفء والحَنان، ونتعهَّدها ونَسقيَها بالحب والاهتمام. 

  ما أجمل أن نَبتعِد عن الشبُهات، ونتقيَّد بالأخلاق الحميدة، وأن نزرَعَ الوازع الدينيَّ أمام أعيننا، وأن نكون أُمَناء على عواطفنا ومشاعرِنا، فلا نمنحها إلا لمستحقِّيها على شِرعة الله، وأن نكون أُمناء على قلوبنا، فلا يدخلها إلا من ملَكها بحقِّ الله على كتابه وسنة نبيِّه! 

 حينَها والله سيَعمُّنا خيرُ الله، وسينام الواحدُ منا مطمئنًّا حين يريد أن يَنام. 

وسوم: العدد 1000