المبهورون بثقافة الغرب، والجامدون
[ باختصار من كتاب "الحلال والحرام في الإسلام"، للدكتور الشيخ يوسف القرضاوي ]
وقد رأيت معظم الباحثين العصريين في الإسلام، والمتحدّثين عنه، يكادون ينقسمون إلى فريقين:
فريقٌ خطف أبصارهم بريق المدنية الغربية، وراعهم هذا الصنم الكبير، فتعبدوا له، وقدموا إليه القرابين ووقفوا أمامه خاشعةً أبصارهم ترهقهم ذلّة، هؤلاء الذين اتخذوا مبادئ الغرب وتقاليده قضية مسلمة لا تعارَض ولا تناقش، فإن وافقها الإسلام في شيء هلّلوا وكبّروا، وإن عارضها في شيء وقفوا يحاولون التوفيق والتقريب، أو الاعتذار والتبرير، أو التأويل والتحريف، كأن الإسلام مفروض عليه أن يخضع لمدنية الغرب وفلسفته وتقاليده. ذلك ما نلمسه في حديثهم عما حرّم الإسلام من مثل: التماثيل، واليانصيب، والفوائد الربوية، والخلوة بالأجنبية، وتمرّد المرأة على أنوثتها، وتحلّي الرجل بالذهب والحرير... وفي حديثهم عما أحلّ الإسلام من مثل: الطلاق وتعدد الزوجات... كأن الحلال في نظرهم ما أحلّه الغرب، والحرام ما حرّمه الغرب. ونسوا أن الإسلام كلمة الله، وكلمة الله هي العليا دائماً، فهو يُتّبَع ولا يَتّبِع، ويعلو ولا يُعلى عليه، وكيف يَتبع الربُّ العبدَ؟ أم كيف يخضع الخالقُ لأهواء المخلوقين؟. (ولو اتّبعَ الحقُّ أهواءَهم لفسدت السماواتُ والأرضُ ومَن فيهنّ). {سورة المؤمنون: 71}، (قُل هل مِن شُركائكم مَن يهدي إلى الحق؟ قل اللهُ يهدي للحق. أفَمَن يَهدي إلى الحق أحقُّ أن يُتّبَعَ أمّن لا يَهدّي إلّا أن يُهدى، فما لكم كيف تحكمون؟). {سورة يونس: 35}. هذا فريق.
والفريق الثاني جمد على آراء معينة في مسائل الحلال والحرام، تبعاً لنص أو عبارة في كتاب، وظن ذلك هو الإسلام، فلم يتزحزح عن رأيه قيد شعرة، ولم يحاول أن يمتحن أدلّة مذهبه أو رأيه، ويوزنها بأدلة الآخرين ويستخلص الحق بعد الموازنة والتمحيص.
وسوم: العدد 1001