نصح ولاة الأمور دون محاباة أو مداراة مسؤولية العلماء والدعاة التي يسألون عنها بين يدي الله
نصح ولاة الأمور دون محاباة أو مداراة مسؤولية العلماء والدعاة التي يسألون عنها بين يدي الله عز وجل يوم القيامة
لا تجد الأمة من تفزع إليه حين تضيق بها الضوائق ، وتشتد بها الأزمات سوى التطلع إلى ولاة أمورها تقرع أبوابهم لتسمعهم أصواتها وأناتها ، وتشكو إليهم ما تكابده وتعانيه من شدة وضيق ، فإذا صمّوا آذانهم عنها ، ولم يبالوا بشكاتها يمّمت صوب علمائها ودعاتها كي يضطلعوا بمسؤوليتهم في إسداء النصح لهم وقد اختاروا هذه المسؤولية عن طواعية وبمحض إرادتهم وذلك بانتمائهم إلى حظيرة العلم ووظيفة الدعوة ، ولم تلزمهم بذلك إلا ضمائرهم ، واستحضارهم السؤال العسير يوم الوقوف بين يديّ الله عز وجل حين يسألهم عن نعمة العلم التي أنعم بها عليهم، والتي بوأتهم أعلى الدرجات عند الأمة، وجعلتهم محل تقديرها وإجلالها ماذا فعلوا بها ، ولا ينفعهم يومئذ أن كذب وهو علاّم الغيوب ، فيقول لهم إن ضيعوا الأمانة التي استأمنهم : لقد تعلمتم ليقال لكم أنكم علماء ،فقد قيل فادخلوا النار مع أمثالهم مما قاتلوا وقتلوا أو أنفقوا ليقال عنهم أنهم شهداء وكرماء ، وقد قيل لهم ذلك في الحياة الدنيا ولا نجاة لهم في الآخرة .
ومعلوم أن قدر العلماء والدعاة في هذه الحياة أن تأتي عليهم لحظات يمتحنون فيها أمام الله عز وجل وأمام الأمة وأمام التاريخ ، وذلك حين يتقاعسون عن نصح ولاة الأمور خوفا منهم أو مداراة و محاباة لهم ، ويكتفون بإسداء النصح للأمة لأنها كما يقول المثل المغربي يتسورون أقصر جدار وهي تئن من إهمال ولاة الأمور شؤونها ، وصمهم آذانهم عن شكاتها مما تعانيه وتكابده ، وهي لا تجرؤ على مواجهتهم بالذي هو بمقدورعلمائها ودعاتها .
وإذا كان ولاة الأمور لا عصمة لهم ،وهم معرضون للزلل ، وللتقصير في مسؤولياتهم ، فينبغي على العلماء والدعاة أن يهدوا إليهم عيوبهم ، وهم أدرى بإعدادها في شكل هدايا لما آتاهم الله عز وجل من علم وحكمة ، ولئن لم يقبلوا منهم هداياهم برأت ذممهم ، وشهد الله تعالى لهم بأداء واجب النصح لهم ، ولئن أوذوا بسبب ذلك وقع أجرهم عليه جل في علاه ، وكان ذلك أفضل الجهاد عنده ، ولكنهم إن تقاعسوا عن أداء واجبهم، كان ذلك أقبح ذنب على الإطلاق، لأنه لا يوجد من يسد مسدهم في تلك المهمة أومن ينوب عنهم فيها.
وفي هذا الظرف الذي تمر فيه الأمة بعسر لا يزداد إلا اشتدادا كل يوم وهي تئن من شدة وطأته ، نسأل علماءنا ودعاتنا الأجلاء ما الذي نصحوا به ولاة الأمور للاهتمام بشكاتها ، وأنينها لكشف ما مسها من سوء بسبب شدة المؤونة ؟ فهل يكفي علماءنا ودعاتنا الأجلاء أن يرددوا على أسماعها آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحملها وحدها مسؤولية ما حل ّمن شدة ، وفي المقابل لا يتوجهوا إلى ولاة أمورها بكلمة واحدة تذكرهم بمسؤوليتهم عنها أمام خالقهم ؟
إن ظهور الفواحش في الأمة يجلب عليها فشو الأوبئة والأوجاع التي لم تكن في أسلافها الذين مضوا، ونقصانها الكيل والميزان يجلب عليها شدة المؤونة وجور السلطان ، ومنعها الزكاة يحرمها القطر ، ونقضها عهد الله ورسوله تعاقب عليه بتسلط عدوها عليها ، وإعراض ولاة أمورها عن الحكم بكتاب الله وتخيّرهم منه يجعل بأسهم بينهم ، بهذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمته وعن ولاة أمورها على حد سواء حين يقعون جميعا فيما نهاهم عنه ربهم ، فهل يكتفي علماؤنا ودعاتنا الأجلاء بتحذير الأمة من ذلك دون تحذير ولاة أمورها من عواقب ارتكاب هذه المناهي ؟ وهل تبقى للأمة من ثقة فيهم وهم يفعلون ذلك ؟
إن توجيه النصح لولاة الأمور من عامة الناس كي يرأفوا بالأمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حجة على العلماء والدعاة الذين يلتزمون الصمت وهم القادرون والأجرئاء على ذلك .
وإننا لا نقول إن علماءنا ودعاتنا سواء في أداء مهمة النصح لولاة الأمور، ذلك أن فيهم من لا يخافون في ذلك لومة لائم وبذلك تبرأ ذممهم، وفيهم من يصمتون صمتا لا يحسن به ولابراءة لذممم هؤلاء ، وفيهم من يدارونهم ويحابوهم و يخشونهم ، ولا ينصحونهم ، وهؤلاء أخسرهم يوم القيامة . وعلى كل عالم أو داعية ان يختار من يكون من بين هؤلاء ؟
وسوم: العدد 1005