الإصرار على عملية سلام ماتت
لا يوجد له حتى لو بحثنا في القاموس اسم آخر سوى «التعايش» تحت ضغط المفاصل الأساسية المصلحية مع عدو يتربص بالأردن قيادة ودولة وشعبا هو اليمين الإسرائيلي الذي يزداد تطرفا هذه الأيام. الأرجح انه نمط تعايشي يعيد الأردن قصرا الى بيت الطاعة، يسميه زميل ومحلل كبير بـ « مسار التكيف». ويسميه بعضنا الآخر براغماتية الواقع والأزمة».
وبعضنا الثالث تفاعل مع وقائع الأمور واستجابة لنصائح الأصدقاء ولم يعد سرا أن الأصدقاء في حالة النصيحة المشار اليها هم أشقاء في بعض دول الخليج وحلفاء مفترضون لن يكونوا معنا في اللحظات الحرجة في الولايات المتحدة.
نعم لنقول الأشياء كما هي وبصراحة: استئناف الاتصالات مع بنيامين نتنياهو تكيف لا يمكن عمليا لوم الوطن عليه، والاسترسال في توقيع مذكرات إعلان مبادئ بذرائع واهية مرة باسم الكهرباء والماء وأخرى باسم تنظيف حواف نهر الأردن تعايش براغماتي مع الخطر.
تلك وقائع نقدر عبرها ونحن نشاهدها نرصدها بألم بعدما تركنا أخوتنا العرب وحدنا مع الفلسطينيين في منطقة اللامكان.
ظروف البلاد وأصحاب القرار واضحة ونتفهم بثقة الاعتبارات في الموقف الرسمي والتحولات الغامضة الدراماتيكية في الإقليم والمجتمع.
كما نتفهم صعوبة تغيير الجاد والروح والذات معا عبر بناء رهان سرعان ما قد يتبين أنه واهن أيضا على محور المقاومة وتوابعه المعروفة.
واجبنا أن نثق بمؤسساتنا الأردنية وحساباتها وتقديراتها واعتباراتها ومصالحها. لكن هذا الواجب يصبح منقوصا إذا لم نكمله نحن بزرع مفردة «ولكن» بعد مفردات مثل «نقدر ونتفهم». «لكن» كبيرة لكل ما يجري بعدما أصبح مسار التعايش أو التكيف أو حتى الخضوع لقوى الواقع الموضوعي إقليميا ودوليا إن شئتم.
ونحن نحذر من شيطان التفاصيل ومن كلفة وفاتورة الإصرار على عملية سلام ماتت ودفنت وشبعت لطما.
وثانيا: على تصنيف الإسرائيلي بأنه صديق محتمل أو شريك مفترض.
لا هذه ولا تلك فإسرائيل اليوم تعلن مشروعها وفي طريقها لابتلاع المصالح الوطنية الأردنية الأساسية الحساسة فيما القوم في بعض دوائر القرار من موظفين ومستشارين وأحيانا وزراء يواصلون التورط في الكمين الذي حذر منه علنا يوما المخضرم الكبير زيد الرفاعي وفي مؤسسات عسكرية عندما قال بالحرف «وضع القيادة ـ أي قيادة في أي وقت أمام خيار استراتيجي واحد خطوة ترقى إلى مستوى الخيانة».
ذلك ما قاله أحد أهم وأعتى رجالات الطبقة السياسية في تاريخ الدولة الأردنية الحديث ولم يقلها حراكي صاحب أجندة في الشارع أو معارض ما يبث سمومه في الخارج أو لديه طموحات في الداخل.
وصية الرفاعي تلك آن أوانها ونعيد من بعده التذكير بأن إصرار بعض النخب الحالية على وضع مركز صناعة القرار أمام خيار استراتيجي واحد بعنوان التكيف أو التعايش مع اليمين الإسرائيلي سلوك طائش وعبثي حتى لا نستخدم تعبيرات الرفاعي نفسه.
للتذكير فقط نتنياهو الذي يخطط قومنا اليوم لفكرة التعايش معه هو نفسه الذي كتب مؤلفات في الوطن البديل وهو نفسه الرجل الذي كافأ موظفه القاتل بعدما قتل مواطنين أردنيين بدم بارد في عمان ثم استقبله وطلب منه السهر مع عشيقته.
ونتنياهو هو الذي كاد يعلن الحرب لأن الأردن قرر استعادة أراضي الباقورة ورفض بيعنا 8 ملايين متر مكعب من المياه وقت الحاجة، وهو أيضا الذي ضرب عرض الحائط بكل مصالحنا وأحلامنا عندما حمل معولا وزرع شجرة ثم ابتسم للكاميرا تماما على الحد الفاصل في منطقة الأغوار وهو يعلن ضمهم.
نتنياهو نفسه لم يتغير وأغلب التقدير أنه لن يتغير لأنه لا يوجد في علم السياسة اليوم أي قوة تدفعه لأي تغيير. وبالتالي التنظير لسلوك التعايش معه مجددا شائن ومقيت ويظهر ضعفا في غير مكانه، ليس فقط لأن طموحات نتنياهو وأفكاره وأفلامه معروفة ومسجلة، ولكن أيضا لأن لحظة التعايش المشار إليها هي اللحظة التي ينسحب فيها القول أردنيا ووطنيا بأنه آن الأوان لتنويع الخيارات الاستراتيجية ووقف أحاديتها المختلة.
وآن الأوان للإيمان محليا بأن معادلة أمن الدولة والنظام ليست ولا يمكنها أن تكون معزولة عن أمن الوطن والشعب الأردني مادامت هوية الأردنيين السياسية والوطنية لا يزال نظامهم السياسي يعبر عنها. الأردن لديه أوراق قوية إذا لم تستخدم الآن قد لا تستخدم لاحقا. دور المملكة في استقرار المنطقة ومكافحة الإرهاب واحتضان اللجوء السوري أوراق قوة.
تحصين الجبهة الداخلية والإصلاح السياسي الديمقراطي الحقيقي والاستعانة بالشرفاء والعودة للعمل مع الزعامات الوطنية والعشائرية والاجتماعية هي الورقة الرابحة أكثر.
ألا تعقل الأدوات والنخب.
وسوم: العدد 1007