ثنائية المعايير في النظر إلى ما هو حق وعدل من الآفات البشرية التي تنصف هنا ، وتظلم هناك .وكثرت ممارسة هذه الثنائية في العقود الأخيرة كثرة أفضت إلى وفرة ترديد هذا المصطلح والشكوى المريرة من آثاره المدمرة على ضحاياه ، ومنهم الشعب الفلسطيني . ودائما يظهر شجعان شرفاء إنسانيو العواطف والقناعات يستنكرون هذه الثنائية ويقاومونها جهد طاقتهم ، وغالبا هم من محدودي القدرات والإمكانات لطابعهم الفردي أو المؤسسي الصغير . ومن هؤلاء ريتشارد باريت النائب في برلمان جمهورية آيرلنده الجنوبية المستقلة الذي تحدث أمام برلمان بلاده في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ، ودعا في كلمته إلى إدانة غزو إسرائيل واحتلالها لفلسطين ، واستنكر ثنائية المعايير الأوروبية التي تقف مع أوكرانيا في مواجهة روسيا ، وتخذل الفلسطينيين في مواجهتهم البعيدة عن التكافؤ في موازيين القوى مع إسرائيل التي تتلقى من الاتحاد الأوروبي كل صنوف المساندة ، وتتجاهل دوله جرائمها التي تنكب بها الفلسطينيين . والأصوات الآيرلندية المناصرة للفلسطينيين كثيرة ومن كل المستويات ، ولها خلفية تاريخية طويلة مأساوية من مقاساة الظلم الإنجليزي حتى انقسم الوطن الآيرلندي إلى كيانين : جمهورية آيرلنده المستقلة في الجنوب ، وكيان الشمال التابع للتاج البريطاني . ووهبت الأمة الآيرلندية الأدب الإنجليزي أسماء كبيرة سطعت في سمائه ، وفتحت طريق عالميته ، منها الكاتب المسرحي والاشتراكي الفابي جورج برنارد شو ، والشاعر وليم بتلر ييتس ، والروائي وليم فلارتي . وتجد الأصوات الآيرلندية المناصرة للفلسطينيين تماثلا في جنايات بريطانيا ومظالمها في حق الشعبين . وحين نوازن بين هذه الأصوات الحرة الشريفة المناصرة للحق والعدل دون تحيز إلى هويات عرقية مخصصة بأصوات عربية تنحاز إلى أعداء الأمة نفهم أن للحق والعدل أنصارهما فطرة سوية وتربية أخلاقية مستقيمة ، وأن للباطل والظلم أنصارهما فطرة منحرفة ومصالح دنيئة . وفي الثقافة العربية الأخلاقية أن خيانة الشخص لقومه لؤم طبع . يقول الشاعر المخضرم لبيد العامري : " وهمُ العشيرة أن يبطِىء حاسد = أو أن يميل مع العدو لئامها " ، وعزز القرآن الكريم تلك الثقافة ، فصنف المسلم الذي يمالىء عدو المسلمين عليهم عدوا لهم . وهذا الصنف من أنصار الباطل والظلم سيء فاسق في مستويين ، هما المستوى الإنساني ، والمستوى القومي بكل أبعاده . ففي الأسبوع الذي بادرت فيه قوى عالمية كثيرة بإظهار تعاطفها مع الشعب الفلسطيني في ذكرى التقسيم اللاشرعي والجائر لفلسطين بين شعبها وبين المستوطنين المهاجرين الغرباء في 29 نوفمبر 1947 ؛ استقبلت البحرين والإمارات حاييم هيرتزوج رئيس إسرائيل . ولم يرَ عبد اللطيف الزيان وزير خارجية البحرين في تشكيلة الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تحوي غلاة الانتقاميين الحاقدين ، بن غفير وسموتريتش وماعوز، إلا شأنا إسرائيليا داخليا ، وأن البحرين ستتعاون معها في كل الشئون ، وأن " الشعب الإسرائيلي " يحب السلام ‘ فلنسالمه ! ويأتي هذا الالتحام التام مع عدو الأمة في أجواء الرفض الشعبي العربي لكل ما هو إسرائيلي الذي بدا في أعلى تجلياته وأسطعها في مونديال قطر . والالتحام طبيعي متوقع من نظامين لا تأثير لصوت شعبيهما في مواقفهما . ولو كان النظام البحريني يهب موقف شعبه المعادي لإسرائيل أي اهتمام لما استقبل رئيسها بكل الفرح والاحتفاء بينما هذا الشعب يتظاهر غاضبا من الزائر الكريه . وبصراحة ، ماذا نتوقع من دويلتين في مقام البحرين والإمارات ؟! المواقف في مقام أهلها قوة أو ضعفا . وبريطانيا حين قسمت شبه جزيرة العرب وفرقتها على ست قبائل استهدفت تكوين هذه المقامات الصغيرة لتظل مشدودة إلى فلكها وفلك الغرب كله . وهذه هي حالها منذ ذلك التقسيم الوظيفي الذي يحفظ مصالح الغرب ، وانضافت إسرائيل التي هي مشروع غربي إلى الغرب في الإفادة من ذلك التقسيم . وحتما ستكون الغلبة التاريخية لأنصار الحق والعدل على أنصار الباطل والظلم ، فهذه إرادة ربانية لا معقب لها ، " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " ( الإسراء : 81 ) .