من دفتر الذاكرة : درس من التاريخ
أولاً - درس من ليبيا.
يليه غداً
ثانيا- درس من سوريا.
أعزائي القراء ..
في عام 1960 كنت طالباً في الصف الثاني ثانوي بثانوية المأمون ، في ذلك العام كان أستاذ مادة الجغرافيا المرحوم الاستاذ يوسف ديري ، وكان الرجل موسوعة معلومات في جغرافية الأمة العربية وثرواتها المخزنة في أرضها، يومها شرح لنا الأستاذ يوسف ديري عن اكتشاف البترول الممتاز في ليبيا و تاريخ حفر أول بئر للنفط فيها وكان ذلك في عام 1959 و تصديره رسمياً عام 1961.ثم انتقل بالحديث إلى البترول في سوريا يوم لم يكن هناك أي حديث عن البترول السوري ، ومازلت أذكر قوله : هل تعلمون يا أولادي أن سوريا تعتبر من أغنى الدول التي تحتفظ أرضها بالنفط ؟ و أن ميول الطبقات الأرضية المخزنة للبترول تتجة من العراق إلى سوريا ، ولكن يبدو أن هناك أوامر بعدم استثماره حتى لايؤثر على مخزون العراق والذي كان تحت السيطرة البريطانية! .
والسؤال اليوم: ماذا حل بهذه الثروات ؟
تعالوا نتكلم عن ليبيا أولاً: كانت ليبيا دولة ملكية تحت الحكم الملك محمد إدريس السنوسي وكان عدد سكانها في ذلك التاريخ مليون ونصف المليون انسان فقط ، وما أن ظهر البترول في ليبيا وهو من أجود الأنواع، حتى طلبت حكومة الملك إدريس من أحد المكاتب الهندسية الدولية تصميم مساكن بلغ تعدادها 100 الف مسكن على كامل مساحة المملكة على أن تنفذ خلال خمس سنوات وتوزع حسب الكثافة السكانية وتغطي ثلث عدد سكان ليبيا ، وتوزع على الطبقات الاجتماعية الفقيرة حسب دخلها . ووضعت المخططات والمواصفات كاملة وتم تخصيص الميزانية السنوية لها . وما اذكره لكم ليس استرسالاً، بل كان تصريحاً للسيد علي بلحسن معاون وزير الإسكان الليبي يوم تعاقدي مع الحكومة الليبية. ولكن ماذا حل بالمشروع ؟ تقلص في عهد القذافي إلى 10 آلاف وحدة سكنية فقط.
والسؤال لماذا ؟
أعزائي القراء..
هل من مصلحة الغرب أن تصب ثروة العرب في تنمية الأمة العربية ودولها ؟ أم أن تستثمر في مشاريع "الطنطنة الوطنية والموت لامريكا.. والموت لإسرائيل، وكلما كان الصوت مرتفعاً كلما كان حماس الشعوب اقوى"؟ وهل الانقلاب على حكم الملك إدريس جاء عفوياً من قبل عدة عربات بيك أب عسكرية محملة بمئات الجنود فقط يقودها ملازم أول هو الاخ معمر القدافي تمر من أمام القواعد البريطانية والامريكية في طريقها للاذاعة الليبية لتعلن البلاغ رقم واحد بكل بساطة ؟ في الوقت الذي اختير تاريخ الانقلاب بعناية حيث كان الملك إدريس في زيارة لتركيا ، وذلك منعاً لحدوث مشاكل في حال وجوده في ليبيا لاتحمد عقباها ؟
ونجح الانقلاب ببساطة وتم دعمه بالخطب العصماء والهجوم على الرجعية العربية واسيادها الامريكان وإسرائيل وصفقت الشعوب للخطب العصماء ،
فماذا حل بعد ذلك بالثروة الوطنية لليبيا .
- غير العقيد العملة وسمح فقط باستبدال العملة القديمة بالجديدة على ان لاتزيد العملة المستبدلة عن نصف مليون جنيه ، مما استدعى اصحاب الاموال والشركات إلى التجمع في ساحة الشهداء في طرابلس وحرقوا عملتهم القديمة بالبراميل استنكاراً لهذه الجريمة ، فلم يعد لاموالهم أية فائدة ،وهاجر معظمهم لاوروبا تاركين البلد للقذافي والعذراوات والشبيحة.
- صرف الملايين على تنظيمات مسلحة في إيرلندا والفلبين وبعد ذلك استسلم لبريطانيا وسلم لها كل مخططات ثوار ايرلندا مع عقوبة مالية بمئات الملايين من الدولارات.
- صرف الملايين على زعماء قبائل افريقيا لينصبوه ملك ملوك افريقيا ويتصور معهم باللباس التقليدي حيث جلد النمر يغطى جسمه وهو على كرسي الملك وكأنه الامبراطور شارلمان.
- اشترى بمئات الملايين من الدولارات أسلحة خردة من السوفييت من أجل الدفاع عن فلسطين، فاذا بها تتجه إلى تشاد وتقع قواته بالمصيدة ويتم قتل وسجن كبار ضباطه ويبقى المشير حفتر فتخرجه امريكا من سجنه وتنقله إلى واشنطن ليتعلم فن العمالة و تعود به إلى ليبيا لاخذ حصته من الحكم فيها .
- نفذ عملية إسقاط طائرة امريكية فوق لوكربي ليدفع مقابل ذلك أكبر دية بالتاريخ عقاباً له على جربمته. حيث كلّـفت ليبيا خسائر إجمالية بلغت 30 مليار دولار، بينها 25 مليار دولار ناجمة عن العقوبات الأمريكية والدولية التي سُـلّـطت على البلد، والباقي تعويضات دفع قسم منها لضحايا الطائرة الفرنسية التابعة لشركة يو تي آي، والبالغ عددهم 171 ضحية، ودفع القسم الثاني لضحايا طائرة بانام الأمريكية، وهم 189 أمريكيا و11 إسكتلنديا، إضافة إلى قسم ثالث سيصرف لشركات التأمين.
- دفع لحافظ أسد 200 مليون دولار للمحافظة على حكمه وارضاء شقيقه رفعت اسد لابعاده إلى موسكو.
- اوكل الى كاتبه ايطالية تاليف كتاب عنه عنوانه " القذافي رسول الصحراء " دفع لها عدة ملايين من الدولارات .
- أودع سجونه الآلاف من المعتقلين المطالبين بالحرية ، ومازالت جدران سجن بو سليم مصبوغة بالدم على طريقة تصفية السوريين داخل زنزانات سجن تدمر .
- عقد محاكم ميدانية في جامعة طرابلس ، حيث نصبت المشانق في ساحة الجامعة، وتولت "عذراوات الاخ العقيد" بحمل الطلاب المساكين إلى حبل المشنقة وهم يبكون ويصرخون" بريئين ..نقسم بالله بريئين"!! وما من مجيب .
- تلاعب بالقرآن الكريم وطلب حذف كلمة ( قل ) في كل آية وردت فيها لانها حسب كلامه كانت تخص الرسول ولا تخص المسلمين.
هل أعدد؟
أم اكتفي بذلك ؟
وهل عرفنا لماذا ينصب الأعداء علينا حكاماً يهتفون صباحاً ومساءاً ، "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. وعاش أبطال الصمود والتصدي "؟
غداً :درس من سوريا .
ثانيا - درس من سوريا.
أعزائي القراء ..
تكلمنا بالامس عن اولاً - "درس من ليبيا".
تعالوا معاً نتحدث اليوم عن ثانياً :" درس من سوريا" مركزين على موضوع هام هو مصادر الطاقة من بترول وغاز. وكيف تم إحالة هذه المصادر بشكل مقصود إلى أنظمة حاكمة عميلة استقرت أرباحها في جيوب الحاكم وعملائه، تماما كما أشرت بالامس عن بترول ليبيا وكيف استقر في جيب القذافي وعصابته ليتم استنزافه عن طريق اسلوب الصراخ والهتافات وبيع الوطنيات ، لتضيع ثروات البلد بالنهاية في حسابات الدول الكبرى وجيوب الحكام الفاسدين . فلو كانت الثروة في سوريا بيد أبناء الوطن بنظام ديموقراطي لاصبحنا اليوم مركز استقطاب عالمي من الناحية التكنولوجية والصناعية وقلعة علمية لاتضاهى، فإحالة ثروة الطاقة للعملاء الحكام كانت احدى ركائز المؤامرة على الأمة العربية.
نعود إلى سوريا ولنبدأ منذ ساعة الصراخ الإعلامي الممزوج بالطبل والمزمار واغنية بترول العرب للعرب
فكانت هذه الأغنية إشارة البدء لنهب ثروة سوريا، ليكتشف الشعب أن ذاك البترول ليس إلا للطائفة الحاكمة العميلة فملايين البراميل تسرق بشكل يومي من حساب الشعب المسكين !
أعزائي القراء..
بدأ الإنتاج الأولي للنفط في سوريا عام 1967 . أما الإنتاج الفعلي فقد بدأ سنة 1968 بعد أن تم إنشاء أول محطة ضخ في تل عدس شمال شرق سوريا . حيث تم ضخ النفط عبر خط نقل الخام الممتد من المحطة إلى مرفأ طرطوس عبر مصفاة حمص ووصلت أول شحنة نفطية للتصدير إلى مرفأ طرطوس في آيار 1968 .
بدأ التخطيط بوضع اليد على البترول رسمياً منذ تاسيس شركة الفرات للنفط عام 1980 ومن يومها بدأ الشعب يغني اغنية قارئة الفنجان للمرحوم نزار القباني بشكل مختلف:
جلست والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب
قالت يا ولدي لا تحزن فالنهب عليك هو المكتوب
ياولدي ..
يوجد في سوريا حقول نفطية مهمة، موزعة على محافظات متعددة غالبها في المنطقة الشرقية من البلاد، حيث تحتوي محافظة دير الزور على الحقل النفطي الأكبر وهو "حقل العمر"، ويأتي "حقل التنك" كثاني أكبر حقل ويقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور، بالإضافة إلى حقول الورد والتيم والجفرة وكونيكو، وفي محافظة الحسكة يوجد حقل رميلان ومصفاة الرميلان.
ويقدر الخبراء أن آبار النفط الموجودة في حقل الرميلان تبلغ 1322 بئرًا، أما في ريف حمص فيوجد "حقل الشاعر"، بالإضافة إلى مدينة تدمر التي تضم عدة مناطق نفطية أهمها جحار والمهر وجزل، من كل هذه الآبار لم يستطع السوريون في يوم من الأيام الاستفادة من خيراتها وثرواتها، عدا عن أنها لم تدخل في عملية التطوير والتنمية المفترض حدوثها.
فمنذ تأميم شركات النفط وبدء الإنتاج عمل على أن تكون مالية النفط بمنأى عن الأنظار ولا تدخل في ميزانية الدولة إلا ما ندر، بل كانت تذهب إلى جيوب آل الأسد ومن حولهم، عدا عن ذلك فقد كان يُباع النفط السوري بعيدًا عن الأنظار في الأسواق غير الشرعية.
يقول الدكتور الخبير سهيل الحمدان "النفط ينتج بكميات كبيرة بالمنطقة الشرقية، لكن نظام الأسد ومنذ منتصف الثمانينيات كان يدخل جزءًا منه إلى الموازنة ويبيع الباقي لحسابه"، ويضيف الحمدان "كان الإنتاج الحقيقي منذ منتصف الثمانينيات وحتى 2008 يتراوح بين 1.4 و1.6 مليون برميل يوميًا يدخل رأس النظام ثلاثمئة ألف برميل إلى خزينة الدولة والباقي يسرقه".
بدأت سرقة النفط السوري على يد نظام مؤسس عصابة" الصمود" منذ بدء الإنتاج، وامتلكت عائلة الأسد 65% من الشركة إلى جانب شركات أجنبية برئاسة شركة هولندية. كان مسير الأعمال لها محمد مخلوف خال رئيس نظام العصابة السورية بشار الأسد، وفي ذات العام أسس محمد مخلوف شركة ليدز النفطية وامتلكها مناصفة مع نزار مخلوف، لكن محمد مخلوف سجل حصته باسم شقيق زوجته غسان مهنا.
وصل محمد مخلوف إلى نفوذ واسع حتى أنه استعان بخبراء من بريطانيا مع سماسرة لبنانيين في تأسيس إمبراطورية النفط الخاصة به، إذ كان يفرض نسبة مئوية من أي صفقات نفطية تتم في سوريا، مستخدمًا نفوذه مع العائلة الحاكمة".
اليوم تصل ثروة آل اسد فقط حوالي 20 مليار دولار أضيفوا إليها سرقات الحاشية والمقربين .
أما اليوم ، فقد انتقل إنتاج الغاز والبترول إلى قسد ومهربين من عصابة أسد لتنتقل اكبر ثروة سورية من لصوص على هيئة حكام تم تعيينهم من قبل إسرائيل إلى لصوص تدربوا على يد الولايات المتحدة وعصابات التهريب .
لم يكتف لصوص آل أسد بهذه السرقات فقد دعمت الولايات المتحدة طلبات حافظ اسد من السلاح الروسي عن طريق تمويل خليجي من أجل "التوازن الإستراتيجي مع العدو الصهيوني" ، فوصل السلاح بالديون والقروض ووضع ايضاً ثمنه بالجيوب، ليتبين لاحقاً ان هذا السلاح استعمل للتدرب على قتل الشعب السوري ، فمن اجل ذلك اعطي الضوء الاخضر من الولايات المتحدة لدول الخليج بدفع مخصصات التوازن الإستراتيجي.
لقد كانت سرقة اموال الشعب السوري وخيراته تسير وفق خطة إستراتيجية حتى تمنع تقدم هذا الشعب من وصوله لمراتب الدول المتقدمة. يوم سميت سوريا في أوائل خمسينات من القرن الماضي ب"يابان الشرق الاوسط "
أعزائي القراء ..
في عام 1952 زار رئيس وزراء ماليزيا ﻣﻬﺎﺗﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺩﻣﺸﻖ ، ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻮﺭﻳﺎ يومها ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻭﻣﻨﻔﺘﺤﺔ ﺻﻨﺎﻋﻴﺎً ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ رغم مرور 6 سنوات فقط على استقلالها , و امتازت ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺠﻮﺩﺓ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻫﺎ بالقوة ولم يكن البترول والغاز والفوسفات مستثمراً، بل كانت الوطنية والصدق والامانة وتعيين الخبرات في المكان المناسب هو استثمار سوريا ، وهذا الاستثمار هو المقياس الأول في بناء الدول مهما كانت ثروتها .. ﺭﺃﻯ ﻣﻬﺎﺗﻴﺮ محمد ﺫﻟﻚ ، ﻭﺭﺃﻯ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﺟﻮﺩﺓ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ
ﻓﺎﻧﺒﻬر ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﺍﺳﺘﺎء ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺑﻠﺪه ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻘﻴﺮﺓ ﻭﻣﺘﺄﺧﺮﺓ ،و ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺭﺃﻯ تقدم ﺳﻮﺭﻳﺎ، ﻗﺎﺭﻧﻬﺎ ﺑﺒﻠﺪه وﻗﺎﻝ: ( ﺳﺄﺟﻌﻠﻦ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻴﺰﻳﺎ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﻳﺎ )! ووصل لهدفه بفضل المثال السوري .
إخواني الاعزاء ..
سوريا كانت ثانياً في سلسلة هذه المقالات ، وعليكم اضافة ثالثاً و رابعاً وخامساً . .. حتى تستكملوا الحقائق عن دولنا العربية ، ونتعرف جميعاً على أسباب تأخرنا حتى سبقتنا دول لم تكن مسجلة على الخارطة.
وسوم: العدد 1013