الأطفال مفقودو النسب ثمرة من ثمرات الجريمة المجتمعية
الأطفال مفقودو النسب ثمرة من ثمرات الجريمة المجتمعية بأبعادها
الثقافية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية
جريمة كانت وجريمة يجب ان تبقى. ويجب ابتداء ووسطا ونهاية ان تستنفر كل القوى الراشدة في الدولة والمحتمع، لمكافحتها، والحد من انتشارها. ووضع التشريعات الملائمة لمصادرة واحتواء مخرجاتها الأقسى قسوة في الضمير العام لأبناء أمتنا وفي مجتمعنا بل وللمجتمعات البشرية على السواء. وكان من أمر شريعة الاسلام انها اعترفت بكل عقود الزواج في كل الشرائع والحضارات، واعتبرت ذلك جسرا للاعتراف بالأسرة الانسانية محضنا لانتاج الانسان.
ومهما كتب الكتاب، وخطب الخطباء، ونظم الشعراء، وقال البلغاء إن الثمرات المرة لهذه الجريمة، هم مجرد ضحايا أبرياء، لا يد لهم فيما جرى عليهم. فإن كلمات المجتمع في وصف كل مجرم غارق في الظلم والفساد بأنه "ابن زنا" أو "ابن حرام" أو "بندوق" ستظل راياتٍ حمرا تعصف فوق رؤوس هذه الفئة من الأفراد.يا ويحهم بل يا ويلهم من ألسنة الناس.
ومع ورود بضعة أحاديث نبوية شريفة في تجريم هذه الثمرات الاجتماعية النابية عن السياق، من كون ابن الزنا لا يدخل الجنة، ومن انه شر الثلاثة، بمعنى انه شر من والديه الزانيين!! إلا أن أئمة الاسلام جزاهم الله خيرا، تعقبوا هذه الروايات إما بالتفنيد، أو التخصيص، أو التأويل. حتى كان المستقر في مقررات الفقهاء القاعدة الشرعية التي تمثلها الآية القرآنية (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) وأنه ليس هناك إنسان يولد مع خطيئة، لا خطيئة والديه المباشرين، ولا خطيئة أبيه الأول آدم، كما يقول النصارى، الذين قرنوا ذلك بحاجة الانسانية الى الفادي والمخلص.
ومع ذلك بل ومع كل ذلك، ومع كل ما نتابع من محاولات ترويجية لمصطلحات الشقاء العصري على المستوى الثقافي من مثل "الأمهات العازبات" وما تجر إليه نظم "المخادنة" التي أصبحوا يجملونها بمصطلح المساكنة، حيث تفرز هذه المخادع للمجتمعات ثمرات مشوهة نفسية، تظل تعيش الأزمة بكل أبعادها.
وإذا كنت في هذا المقال لا أريد ان اتقمص دور الواعظ الأخلاقي مع انه يشرفني ذلك؛ إلا أنني سأضرب مثلا من حياة الغربيين، الذين يظنون انهم تجاوزوا المشكلة اجتماعيا، حيث يتم التعامل مع "شارل بن كارل" كفرد بعيدا عن أسرته؛ إلا انها لا تحصى الأفلام الهوليودية ، التي تعتبر من موضوعاتها الرئيسية المفضلة الشاب او الفتاة، ينشآن مكفيين في ظل أسرة تتبناهما، ثم حين يعرفان حقيقتهما يعيشان أزمة البحث عن الذات ألوانا، تتفنن السينما بكل براعاتها وأفانينها في أشكال تقديمها اللامحدودة.
شكل من أشكال الازمة الثقافية أو الروحية أو الانسانية، تلقينا من جديد في أحضان مقولة سيدنا المسيح عليه السلام: ليس بالخبز وحده يحيا الانسان. ليس بالكفالة ولا بالتعليم ولا بالموقع الاجتماعي. مع أننا نقر بالحاجة إلى كل ذلك ؛ واسألوا هوليود لا تسألوني.
أما على المستوى "السياسي" فإن هذه الثمار البشرية الخداج مخرج من مخرجات الغطرسة الانسانية الذكورية، وصورة من صور استضعاف المرأة، والعدوان على ذاتها، واعتبار أرقى خصائصها - الأمومة- نقطة صعفها، حيث كان ولا زال "اغتصاب النساء" سلاحا من أسلحة أقوام لا خلاق لهم، ولا سهم لديهم من شرف أو من ضمير..كان ذلك من عمق التاريخ، وما يزال في القرن الحادي والعشرين،
ويبقى للبعد الاقتصادي، دوره في تعزيز هذه الجريمة، حين تجعل المجتمعات تلبية الحاجة الفطرية الغريزية شبه مستحيلا في شروط اقتصادية بالغة الصعوبة، كالتي يعيشها الشباب العربي هذه الأيام، في جيلنا كان عمر الزواج للشاب يبدأ من سن العشرين، ويحط رحاله عند الخامسة والعشرين. واليوم يتحدث الشباب عن الخامسة والثلاثين. في هذا الزمان أصبح الطلاق أكثر والزواج بالمطلقات أقل، وأعتقد أن كل هذا تحديات تفرض نفسها على الفقيه المسلم ليواجهها بجرأة واقتدار وفقه وبعد نظر؛ اتقاء لثورة الهرمونات..
وأخيرا يسهم الانحطاط الأخلاقي، والتفلت من كل أشكال الالتزام، والشعور بالمسئولية بدوره في تغذية هذه الظاهرة، وأن يلقى بعضهم في بحيرة المجتمع مزيدا من المخلفات الضارة، أو في طريقه مزيدا من الحطام، حطام البشر الذين لا يعرف الناصح كيف يبدئ القول فيهم او يعيد..
الأطفال المجهولو النسب هم في الحياة العامة المستنقع الذي يحتاج الى تجفيف.
ومع ذلك وفوق كل ذلك فإن ما وصفناه بالمخلفات البشرية الضارة، أو حطام البشر، يحتاج إلى حكمة الحكماء، وشفقة المشفقين، ورحمة الرحماء، وأن ندرك جميعا أنه لا تزر وازرة وزر أخرى. وظللنا نحفظ من تاريخنا اسم والي العراق لبني أمية زياد بن أبيه، ولا ندري لها سرا، حتى كبرنا وتعلمنا..
اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد تعز فيه أهل طاعتك، وتذل فيه أهل معصيتك، من الخارجين على الفطرة التي فطرت الناس عليها.
وسوم: العدد 1016