حل السلطة الفلسطينية هو الخيار الوحيد
أسوأ وأخطر ما في المشهد الفلسطيني، أننا في كل مرة نشهد مجزرة إسرائيلية، أو اقتحاما للضفة الغربية، أو عدوانا من المستوطنين، نجد قطاعاً واسعاً من الفلسطينيين يندفع إلى انتقاد السلطة الفلسطينية، وكيل الشتائم لها، واتهامها بالتواطؤ والتخاذل والاكتفاء بالمشاهدة، من دون أن تقوم بأي فعل من شأنه حماية شعبها.
أغلب منتقدي السلطة وموجهي الاتهامات لها، هم بطبيعة الحال من الشباب الذين ولدوا بعد أن تأسست هذه السلطة، أي بعد عام 1994، وهؤلاء أبصروا النور فشاهدوا من حولهم حكومة فلسطينية، وشرطة، ومؤسسات ووزارات، وغير ذلك من المظاهر الخادعة. والخطورة في هذا التعاطي والتعامل مع السلطة أنه يقوم على اعتبار أن السلطة الفلسطينية هي «دولة» وأن عليها أن تمارس وظيفتها الأساسية التي تتمثل في حماية شعبها والحفاظ على سيادة أراضيها، ومنع أي هجوم خارجي يستهدف الأرض والإنسان، والحقيقة أن هؤلاء ينسون أن السلطة الوطنية الفلسطينية ليست سوى «سلطة حُكم ذاتي» نشأت بموجب اتفاق أوسلو، وأنها ليست دولة، وأن كلاً من الشعب الفلسطيني وسلطته ومؤسساته، وكل تفاصيله يعيشون تحت الاحتلال، وأن هذا الاحتلال هو الجريمة الأساس التي يجب أن تنتهي.
الوهم الذي يتسلل إلى عقول بعض الناس بأن يتم التعامل مع السلطة على أنها «دولة»، والتعامل مع رجال الشرطة على أنهم «جيش»، هذا الوهم هو أحد الكوارث التي نتجت عن اتفاق أوسلو البائس، حيث تم وتتم خديعة الشعب الفلسطيني وتزييف وعيه الجمعي بإيهامه أن لديه دولة، وأن مشكلته تتلخص في أن هذه الدولة ليست قادرة على حمايته، والحقيقة أن الفلسطينيين جميعاً، بمن فيهم السلطة ومؤسساتها يقبعون تحت الاحتلال الذي لم يتوقف ولو للحظة واحدة، وهذا الاحتلال هو سبب المآسي التي يعاني منها الفلسطينيون، فلا الذين يعيشون في الضفة مشكلتهم في أن حركة فتح تحكمهم، ولا الذين يعيشون في غزة مشكلتهم في أن حماس تحكمهم، وإنما المشكلة الأساس لكل الفلسطينيين هو أن الاحتلال يمارس جرائمه اليومية ضدهم.
توهم الشعب الفلسطيني بأن لديه دولة، وأنها ليست قادرة على حمايته، والحقيقة أن الفلسطينيين جميعاً، بمن فيهم السلطة ومؤسساتها يقبعون تحت الاحتلال
السلطة الفلسطينية كانت إحدى المحاولات والاجتهادات التي قادها الراحل ياسر عرفات، على أمل أن تكون خطوة في اتجاه بناء دولة فلسطينية حقيقية ومستقلة، وقد فشلت هذه المحاولة، وتبين أن هذا المشروع لا يُمكن أن يكتمل، كما تبين أن النوايا الإسرائيلية ليست صادقة، وقد اكتشف عرفات ذاته هذه الحقيقة في صيف عام 2000 (خلال محادثات كامب ديفيد)، وبعدها قرر العودة إلى الشارع، ودفع حياته ثمناً لذلك لاحقاً. اليوم بعد ثلاثة عقود من هذه التجربة أصبح واضحاً، أن السلطة الفلسطينية ليست مشروعاً ذا جدوى، وتبين أنها تحولت إلى عبء على الشعب الفلسطيني، وعبء أيضاً على حركة فتح وعلى منظمة التحرير، وهذه السلطة هي الملهاة التي حولت المناضلين إلى موظفين يعملون في إدارات مختلفة تقوم برعاية شعب تحت الاحتلال وتقوم بتقديم الخدمات اليومية لهذا الشعب. وبينما تحول المناضلون إلى موظفين، فقد تحولت بوصلة اللوم لدى كثير من أبناء الشعب الفلسطيني إلى هؤلاء الموظفين (السلطة) بدلاً من توجيه اللوم للاحتلال، وهذه واحدة من الكوارث التي نتجت عن نشوء السلطة الفلسطينية. هذه السلطة ليست سوى فخ نصبه الإسرائيليون لمنظمة التحرير، ومشروع يهدف لتخفيف العبء عن الاحتلال، وهذا ما يحدث بالضبط حالياً، ولذلك فمع تصاعد وتيرة الاعتداءات اليومية وتمسك حكومة اليمين الإسرائيلية بمشاريعها العدوانية التي تقوم على الاستيطان والتهام المزيد من الأراضي في الضفة والقدس المحتلتين، فلا جدوى من وجود السلطة، ولا خيار أمام الفلسطينيين سوى الاعتراف بفشل هذا المشروع، واتخاذ قرار جريء بحل السلطة الفلسطينية والعودة إلى ما كانت عليه الأحوال قبل اتفاق أوسلو، الذي كان اتفاقاً مؤقتاً أصلاً وانتهت مدته.
حل السلطة الفلسطينية يعني عودة منظمة التحرير إلى سابق عهدها، وعودة حركة فتح إلى ما كانت عليه في السابق قبل التورط في هذه السلطة، ومن ثم يعود الفلسطينيون أمام اشتباك يومي مباشر مع الاحتلال، وتعود إسرائيل إلى أزمتها في الضفة الغربية كما كانت سابقاً.
وسوم: العدد 1021