إسرائيل ريشة في عاصفة نذر الانهيار
منذ تشكيل حكومة الائتلاف الديني والقومي المتطرف في نهاية ديسمبر الماضي ، وإسرائيل في عاصفة متلاحقة من التوترات والقلاقل والخلافات بين الائتلاف الحاكم والمعارضة العلمانية وسواها من مكونات هذا المجتمع الاستيطاني . وفي محور العاصفة قضية إصلاح النظام القضائي الذي تصر عليه الحكومة ، ويراه المعارضون لها مخططا لسيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ، وابتعادا عن الديمقراطية ، وانحدارا نحو الاستبداد . وصبت حكومة نتنياهو زيتا جديدا على النار المتقدة بقراءة أولى في الكنيست لقانون أساس الحكم لقطع الطريق على المستشارة القضائية للحكومة إن هي فكرت في الإعلان عن عجز رئيس الوزراء عن أداء مهامه . والبارز في كل هذه الخطوات أنها تستهدف حماية نتنياهو ، ومنحه " عصمة " تشبه عصمة الحكام في أنظمة الاستبداد . وكلمة " الاستبداد " ترعب الإسرائيليين ، وتحرمهم زعمهم أنهم جزء حضاري وثقافي من الغرب ، ولهذه الجزئية يجب أن يحظوا بوقوفه في صفهم مهما أجرموا وتوحشوا في المنطقة التي يرونها غابة توحش واستبداد . ولا يظهر أن العاصفة الإسرائيلية ستدنو من الهدوء . الاشتداد هو السبيل الوحيد المفتوح أمامها ، فالمشاركون في مظاهرات المعارضة يزداد عددهم ، وأماكن هذه المظاهرات تتكاثر ، ولم تعد تكتفي زمنيا بيوم السبت . وشرع المتظاهرون يقطعون طريق سفر نتنياهو إلى الخارج ، واضطروه عند سفره إلى إيطاليا للذهاب إلى مطار بن جوريون بمروحية ، وقبل سفره ، اليوم الأربعاء ، إلى ألمانيا وبريطانيا ، تنادى معارضوه لحشد مظاهرات ضخمة لمنعه من الوصول إلى المطار . وهذه حالة طريد بائس مكروه لا رئيس وزراء دولة . وتوالي زياراته إلى الخارج يكشف سوء حالته النفسية العصيبة التي تحضه على الابتعاد عن جو التوترات والقلاقل والخلافات الذي يخنقه خنقا مع علمنا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي له ميزانية سنوية محددة للصرف على سفراته الخارجية ، وليست ميزانية مفتوحة مباحة مثل الحكام وكبار المسئولين العرب . وفي ولاية سابقة لنتنياهو نفدت الميزانية المخصصة له ، فلم يصرف له أي مبلغ إضافي . ويطارده الغاضبون منه حتى في الخارج . ألف كاتب وأكاديمي ومفكر إسرائيلي ، منهم ديفيد جروسمان ، طالبوا ألمانيا وبريطانيا بالامتناع عن استقباله . وكل ما يحيط به يؤكد أن عمره السياسي يقترب من نهايته ، وقد يكون هذا بعد انهيار ائتلاف حكومته الحالية الذي سيفتح الطريق لمشكلات وتوترات وخلافات أعنف مما يحدث الآن . أعراض كثيرة تنخر في جسد إسرائيل وروحها ، وتتصرف أجهزتها المختلفة تصرفات غريبة متضاربة . الجميع يعلم مثلا أن جريمة المستوطنين في حوارة ما كانت لتحدث إلا بتنسيق مع الجيش الذي سارع بإطلاق سراح خمسة منهم تظاهر باعتقالهم ، وبعد أيام من الجريمة رقص الجنود والمستوطنون قريبا من القرية المنكوبة ، وهاجمها ثانية عدد من المستوطنين ، وبعد كل هذه الخلفية العدوانية فتحت الشرطة الإسرائيلية ، أمس الثلاثاء ، تحقيقا مع عضو الكنيست اليميني تسفيكا فوجل بشبهة التحريض على الإرهاب لقوله ثاني يوم الهجوم على القرية : " حوارة محترقة ومحاصرة ، هذا ما أريد أن أراه بالضبط . " . ما قاله ينسجم مع كل ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين ، فلماذا التحقيق معه ؟! تصرف غريب متضارب وليس تظاهرا بأنها دولة إنسانية وقانون . حتى التظاهر المنافق بالإنسانية والقانونية صارت إسرائيل عاجزة عنه . تعرت أكمل تعرٍية ، وسارع بتعريتها متطرفو ائتلافها الحاكم . وفي الفيلم الوثائقي الذي أعده أور هيلر مراسل الشئون العسكرية للقناة الثالثة عشرة في التليفزيون الإسرائيلي يقول جندي من إحدى وحدات المستعربين إن قادتهم يطلبون منهم إطلاق خمس رصاصات إضافية على كل فلسطيني ليتأكدوا من موته ، واعترف بعض الجنود أن قادتهم جعلوا منهم قتلة ومجرمين . ولا يخفى أن غاية بث الفيلم في الوقت الحالي إنعاش معنويات الإسرائيليين في جو خلافاتهم وتوتراتهم التي تعصف بهم ، والتوضيح لهم أن وحدات جيشهم على تنوعها في كمال فاعليتها وقدرتها على ضرب عدوهم ، وإغداق الأمن عليهم ، وهذه الغاية مرادة تخصيصا قبل رمضان المعظم الذي لا تتوقف كل أجهزة إسرائيل الأمنية والعسكرية والسياسية والإعلامية منذ أسابيع عن التحذير من خطر الصدام فيه مع الفلسطينيين . وكل ما يحدث فيها بين مستوطنيها حكومة ومعارضة ، وكل ما تفعله بالفلسطينيين وتقوله عنهم إنما ينبثق من وهن ذاتي متنوع المستنقعات والآفات المتمكنة في قرارة روحها وخلايا جسدها تمكنا يؤكد أنها أضحت ريشة خفيفة في عاصفة نذر الانهيار . قال السياسي البريطاني ونستون تشرتشل متنفسا الصعداء لحظة صدور وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917: " الآن ألقينا السرطان اليهودي في حلق العرب ! " ، وعلى كثرة ما فعل هذا السرطان بالعرب من قتل وخراب وما سببه لهم من أوجاع وأحزان ؛ يبين جليا أن وقت عودته لحلوق الغربيين اقترب مقصيا مدحورا من منطقتنا العربية والإسلامية بمؤثرات وفواعل تخصه ذاتيا في المقام الأول ، ومؤثرات وفواعل صمود الشعب الفلسطيني في أرضه ، وتضحياته الباسلة حماية لوجوده فيها ، وتلتحم هذه المؤثرات والفواعل الفلسطينية مع رفض الشعب العربي والإسلامي لهذا السرطان الغريب البغيض العدواني .
وسوم: العدد 1023