دستور زليخة !
دستور زليخة !
أ.د. حلمي محمد القاعود
زليخة هي امرأة العزيز التي أرادت أن تفرض إرادتها الآثمة على نبي الله يوسف عليه السلام ، وتحصنت بمكانتها وسلطتها لتحمي رغبتها الشريرة وتعاقب يوسف الذي رفض الامتثال لمشيئتها الشيطانية . وأحسب أن الدستور الانقلابي الذي صاغة الانقلابيون الطغاة هو دستور زليخة بامتياز ، ويمكن أن نقول إنه دستور الكنيسة التي تحكم مصر بقوة وعجرفة وغطرسة واستكبار ، وكان بطل الصياغة الأنبا بولا المتمرد تلميذ شنودة صانع الفتن والمؤامرات على مدى أربعين عاما ، فقد أخاف بيادق السلطة وأرغمهم على الانصياع لما يمليه عليهم ، ونفى ما يتعلق بهوية الشعب المصري المسلم وفرض علمانية لا ترضاها الأغلبية الساحقة!
كما قال بعض المراقبين خرج الأزهر الشريف من مولد دستور 2013 بـ"خفى حنين"، بعد فقد مرجعيته فى دستور زليخة الكنسي ، كما فقد مرجعيته فى توضيح مبادئ الشريعة الإسلامية، والمادة 219 المفسرة لها، بالإضافة لفقده مرجعية هيئة كبار العلماء، وأيضاً عدم قدرة ممثليه على حذف كلمة مدنية التي تعني علمانية من الديباجة، وحفظاً لماء الوجه تم استبدالها بكلمة "حكم مدنى".
الخطورة هنا تتجاوز كلمة مدنية التي أصر بولا المتمرد على تضمينها في حكم مصر إلى فرض هوية غريبة على الشعب المسلم بعقيدته وثقافته . وتحويله إلى شعب من صنيعة الطغاة والمستبدين منذ بداية تاريخه حتى اليوم ، ونفي هويته الإسلامية الأصيلة التي خدمت الإنسانية طوال أربعة عشر عاما بتحرير النصرانية نفسها من قبضة الغزاة وصنعت لها ميلادا جديدا مع دخول الإسلام إلى أرض مصر ، حيث عرف النصارى بعد قرون من القتل والتشريد والاضطهاد أو ما يسمى بعصر الشهداء نعمة الانتماء إلى عقيدتهم وممارسة شعائرها في أمان وشاهدوا العدل لأول مرة من خلال المساواة بين أبنائهم وأبناء أمراء المسلمين !
زعماء التمرد الطائفي ممثلين في بولا ورئيسه تواضروس يرون المسلمين غزاة ومحتلين وبدوا ولغتهم العربية تشعرهم بالتقزز ويرفضون انتماء مصر للإسلام لذا استبعدوا كل ما يمت لها بصلة ، ولم نسمع لمن أيدوا الانقلاب الدموي بحجة الدفاع عن الهوية صوتا ولا ركزا وكأنهم أكلوا سد الحنك !
المفارقة أنهم في ديباجة دستورهم الانقلابي الركيكة استدعوا مقولة صانع التمرد الطائفي شنودة " مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنه وطن يعيش فينا " ، وتجاهلوا دلالة العبارة الطائفية التي يشير بها صاحبها إلى إصراره أن تكون مصر صليبية وليست إسلامية ، وأنها تعيش في داخله مع أن المسلمين يعيشون فيها ، وقد روج الشيوعيون والناصريون والليبراليون والمرتزقة لهذه العبارة الآثمة دون أن يشيروا إلى مدلولها الإجرامي الذي ينتمي إلى ما يسمى " لاهوت التحرير " ، بمعنى أن مصر ستتحرر من الإسلام والمسلمين في يوم ما ، وهو ما عمل شنودة من أجله طوال أربعين عاما بالإكثار من بناء الكنائس على هيئة قلاع واستحكامات حربية ، وبث ثقافة الاستشهاد ضد المسلمين ، والاستيلاء على أكبر مساحات من الأراضي وخاصة في الصحراء الغربية ومرسى مطروح ، وبناء كنائس في شتى أرجاء العالم لتكون سفارات للدولة النصرانية المحررة . وعن طريق أذرعه من خونة المهجر أعلنوا ما يسمى دولة الأقباط التي تجاهر بالأفكار الانفصالية والارهابية والبذيئة ضد المسلمين في مصر .
ديباجة الدستور الركيكة تتحدث عمن تراهم ضد الإسلام وقيمه وحضارته ، وتشيد بأفكارهم الموالية للغرب وثقافته ، وتتجاهل استبدادهم وطغيانهم وهزائمهم التي جعلت مصر معرة الأمم . تشيد الديباجة الركيكة مثلا بمحمد على وانجازاته المادية ولكنها لم تشرإلى إذلاله للشعب واستبداده به ومعاركه التي كان أغلبها في غير صالح المصريين وهو ما أدى في نهاية حكمه إلى هزيمته وفرض هيمنة العالم الصليبي علي مصر ثم احتلالها في عهد أحفاده . كما تشيد الديباجة الركيكة بقائد الانقلاب الأول جمال عبد الناصر صانع الهزائم المذلة التي لم يسبق لمصر أن عرفتها في تاريخها الطويل بينما تجاهلت الديباجة الرديئة التي ليس لها مثيل في أي دستور من دساتير العالم إلى أنور السادات الذي حرك لأول مرة جيش مصر ليرد على الهزيمة المذلة التي صنعها سلفه جمال عبد الناصر !
أعجب لدستور يتكلم في ديباجته المهلهلة عن دستور يغلق الباب أمام أي فساد وأي استبداد، ويعالج جراح الماضي من زمن الفلاح الفصيح القديم، وحتى ضحايا الإهمال وشهداء الثورة في زماننا، ويرفع الظلم عن شعبنا الذي عانى طويلًا، وبعض فئاته التي تعرضت لمظالم عديدة بسبب خصوصيتها الثقافية أو موقعها الجغرافي، كأهل النوبة والصعيد وسيناء والواحات ، وهو في الوقت نفسه يؤسس للفساد والاستبداد والمزيد من الأمراض والكثير من المظالم للأغلبية الساحقة من الشعب المصري وهي الأغلبية الإسلامية التي يسميها الانقلاب الدموي بالشعب الثاني صاحب الرب الثاني .
هذا الدستور يؤسس لفساد المؤسسات المحصنة وفي مقدمتها الجيش . كان ينبغي إخضاع الجيش للإرادة الشعبية الخالصة التي تمنحه المال ليشتري السلاح ويدفع الرواتب ويوفر الملابس والأحذية والجوارب والمهمات والامتيازات والمساكن الفخمة والسيارات الفارهة وغير ذلك مما يجعل أفراده قادرين على حماية حدوده ووجوده وهزيمة العدو . دستور زليخة جعل وزير الدفاع فوق القانون وفوق الرئيس الذي يفترض أن ينتخبه الشعب فلا يستطيع هذ الرئيس ان يعزل أو يعين بديلا له ، ولكن المؤسسة العسكرية هي التى تفعل ذلك ، ومن ثم فلا أحد يستطيع أن يحاسب الوزير المحصن على دماء الضحايا التي أريقت بغير حق في ميادين مصر وشوارعها ومدنها وقراها ، ولا أحد يمكنه أن يتعرض لميزانية العسكر أو طرق إنفاقها وصرفها .. ثم وهو الأخطر محاكمة المدنيين - في الدولة التي قالوا إن حكمها مدني - أمام المحاكم العسكرية حيث لا نقض ولا مراجعة لأحكامها القاطعة . وفي ذلك ما فيه من استمرار لموّال الظلم الأبدي الذي يعيشه المصري من عهد الفلاح الفصيح !
التحصين للجيش ومجلس النواب والنائب العام وغيرهم يعني فتح الباب لاستبداد وفساد لا يعلم مداهما الإ الله ، فضلا عن مصادرة إرادة الشعب .
دستور زليخه يحرم الإسلام عمليا حين يقرر عدم قيام الأحزاب على أساس ديني – أي إسلامي – لأن ذلك يعني حل جميع الأحزاب الإسلامية بما فيها الحزب الذي شارك في صياغة الدستور الانقلابي ووافق عليه ورضي به . أما الأحزاب التي صنعتها الكنيسة وينفق عليها ساويرس وتتسمى بأسماء براقة ، فهي باقية لأنها تحكم بقوة جنازير الدبابة !
دستور زليخة طائفي وفئوي واستبدادي ولا يعبر عن الشعب لأنه يقوم على إرادة من عينه قائد الانقلاب رئيسا ومنحه حق توزيع الكوتة على النصارى والعمال والفلاحين والنساء . إنه دستور الانقلاب الذي قرن تاريخه المشين 30يونية بوصفه ثورة في ديباجته الإنشائية بثورة 25 يناير الموءودة بالعصا الغليظة!