وقفات مع المشهد المصري 5
وقفات مع المشهد المصري
5/ مصر...إلى أين؟
عبد العزيز كحيل
· بين السيسي وبينوتشي:
إذا كان هناك من رافضي الإسلام والإسلاميّين والديمقراطية من يعتبر الجنرال السيسي بطلا أنقذ مصر فهناك أيضا من غلاة اليمينيّين وأصحاب المصالح من يعدّ الجنرال أوغستو بينوشي بطلا أنقذ التشيلي من الشيوعية، لكنّه الإنقلاب العسكري هنا هناك والدكتاتورية بفظائعها هنا وهناك.
لقد صبر شعب التشيلي على النظام الدكتاتوري العسكري الذي أطاح بالرئيس الشرعي للبلاد " سلفادور ألندي " سنة 1973 زمنا طويلا ، وكان صبرا إيجابيا اتّسم بالمقاومة السلمية القوية المتواصلة حتى أعاد الحياة الديمقراطية ثم شرع عبر الجمعيات الحقوقية في متابعة الجنرال بينوتشي قضائيّا على الجرائم التي ارتكبها نظامه القمعي في حقّ الأفراد ومكونات المجتمع المدني وفتح الإصرار على متابعته عليه أبواب الجحيم، فتوالت محاكماته عبر عدة أعوام وعلى أكثر من مستوى قضائي وطارده ضحاياه بالليل والنهار ولم ينفعه الفرار إلى الخارج فاسترجعته العدالة الشيلية وأودعته السجن ومات كبير السنّ محبوسا ... فماذا نتوقّع ان تكون نهاية الجنرال السيسي؟ هل يعتقد هو وعصابته أن تذهب دماء آلاف الأبرياء هباء؟ أم يظنون أن سلطتهم الانقلابية ستدوم وأن الجهاز القضائي سيبقى مدجّنا كما يأملون؟ العدالة الدولية بالمرصاد لمن تلطخت أيديهم بالدماء في الجرائم ضدّ اإنسانية ولا بدّ أن يتحرّك الأحرار من رجال القانون لتوثيق جرائم الانقلاب البشعة في حقّ رجال ونساء وأطفال مسالمين لم تعهدهم " رابعة " وغيرها من الميادين سوى راكعين ساجدين ، تالين للقرآن الكريم ، معتصمين سلميّا نصرة للشرعية الدستورية ، وقد مضى زمان الحصانة التي كان ينعم بها كبار المجرمين، ولن يفلتوا من العقاب أبدا، وستقرّ أعين الناس بمثول السيسي وأعوانه أمام القضاء المصري أو الدولي ليلحقوا ببنوتشي ومجرمي البوسنة و الدكتاتوريات الإفريقية البائدة في التوجو وليبريا وغيرهما.
وقد بدأ التحرّك القوي مع الأحرار في مصر وخارجها لتكوين فريق قانوني قويّ يحمل على كاهله جمع عناصر اتّهام موثقة ضدّ السيسي وطغمته وقد اجتمع في لندن الفريق القانوني الدولي الذي بدأ التحرك في المحاكم البريطانية لمحاكمة السيسيي ومساعديه والداعمين للإنقلاب الدموي في مصر من ضباط الجيش والشرطة والإعلاميّين الفاسدين ورجال الدين العملاء.
ويضمّ الفريق أكثر من 30 من كبار المحامين المهتمين بحقوق الانسان في العالم على رأسهم المدعي العام البريطاني السابق ومحام بريطاني مختصّ في حقوق الانسان ( وهما مستشاران للملكة إليزابيث) ومقرّر الأمم المتحدة السابق لحقوق الانسان،كلّ هذا في انتظار انعتاق القضاء المصري من القبضة السياسية التي تسيّره منذ مدّة طويلة وازدادت بشاعة وسفورا بعد الإنقلاب، فيتولّى بنفسه محاكمة المجرمين ومؤيديهم.
· ما الذي تعلمه الاخوان من الأحداث؟
ليس الإخوان حزبا سياسيا ولا هم سياسيون محترفون، إنما عهدناهم جماعة ربانية تشتغل بإصلاح المجتمع وفق منهج سلمي متكامل تتجاور فيه الدعوة والتربية والسياسة، لذلك لم يهزمهم الانقلاب العسكري ، فهم يعرفون طريقهم وعراقيله وتحدياته كما يعلمون أن المحن تزكّي النفوس وتمحّص الصفوف، و لا شكّ أنهم تعجّبوا من انتقال فصيل يرفع الشعار الإسلامي إلى صفّ الانقلابيين والعلمانيّين،وكيف تحوّلت مشاعر هؤلاء " الشيوخ " إلى علاقة دافئة حميمة مع الظلمة والطغاة، وموادة لهم في الظاهر والباطن، وتأييدا لهم على باطلهم بالقول و بالعمل، وفي المقابل معاداة للصالحين وإغراء بهم، وفرح بما يصيبهم من البلاء بأيدي هؤلاء الظلمة .
ومن المعلوم أَنَّ خروج العلمانيين عن الدين أبعد بكثير من أخطاء الإخوان الواقعة أو المتوهّمة وأَنَّ رفض الشريعة أبعد عن الحق من انحراف الرئيس مخمد مرسي عن الحقّ لو حدث منه انحراف !!!
قال الدكتور محمد صلاح الصاوي - الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا و رئيس الجامعة الدولية وجامعة مشكاة الإسلامية- "لقد بلغت الفتنة في واقعنا المعاصر أن يفضي الخلاف بين الإسلاميين في ذلك إلى البراءة من أهل الدين، والحط عليهم، ومشايعة الطغاة عليهم، والفرح بما ينزله بهم الطغاة من فجائع وويلات تقشعر لهولها الأبدان! ثم نسبة ذلك كله إلى أهل السنة والجماعة! ونَعْتِهِ بأنه مذهب أهل الحق! ومثل ذلك لا يصح إلا إذا صح أَنَّ الحجاج -الذي قال فيه عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم -أنه أولى بالحق من عبد الله بن الزبير الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وحنكه بيده، وأثنى على أبيه وأمه !!!
ولو كان هؤلاء المحتسبون ممن ينتحلون مذهب الخوارج في التكفير بالذنوب والمعاصي لأمكن قراءة هذا الموقف بشيء من التعسف! أَمَّا أَن يكون هؤلاء ممن ينتسبون في الجملة إلى السنة، وممن لم يعرفوا بانتحال عقائد الخوارج، ثم يظاهر عليهم العلمانية والعلمانيين فذلك أمر يعسر فهمه وتوجيهه."
وقبل هذا تعلّم الإخوان من غير شكّ أنه كلما وُجدت ثورة واجهتها ثورة مضادّة لا تجدي مداهنتها ولا التقليل من حجمها وضررها شيئا،فتكون أولوية الأولويات تفكيك دولة الاستبداد والظلم البائدة وعدم التسامح مع رموزها وتطهير مفاصلها تطهيرا كاملا بدءا بجهاز الشرطة والعدالة وقطاع الإعلام، فهذه – بالدرجة الأولى – معاقل المؤامرات والإفساد إلى جانب الجيش الذي أصبح هو الدولة الحقيقية في معظم الأنظمة العربية الدكتاتورية.
وقد وجد الإخوان – ومعهم الفصائل الإسلامية الرشيدة – أنفسهم وجها لوجه مع الثورة المضادّة التي قادها البلطجية وغلاة العلمانيّين تدعّمهم دول الخليج المعروفة وتباركهم الدولة الصهيونية ، وغاب عن ساحة الدفاع " الثوّار " الذين يقولون إنهم هم من أطاح بحسني مبارك، بل انحاز بعضهم أو أكثرهم للإنقلاب نكاية في الإسلاميّين لأنّ الشعب زكّاهم ، فهل تعلّم الإخوان الدرس من هؤلاء واستخلصوا العبر احتسابا لجولات المستقبل؟
وأعتقد أن الإخوان قد تعلّموا كذلك أن التأييد الشعبي هو عُدّتهم الأكبر وضمان نجاح برنامجهم، وقد رأى الشعب انهم لم يخذلوه، ولو قدّموا المصالح على المبادئ لبقوا في السلطة، ثم إن الشعب يقارن بين وضع الحريات في عهد الرئيس مرسي وفي ظلّ نظام الإنقلاب الذي أحيا أحقاب السجون والدماء والتضييق القانوني والفعلي على الحريات الفردية والعامة، وتسلّط الأقلية الإيديوليجية على الأغلبية ، إضافة إلى " الرخاء " الإقتصادي الذي جلبه الإنقلاب لمصر ولن تستطيع جملات التضليل تغطيته مهما جنّدت من منابر وعملاء.
وما أجمل أن يتأمّل الدعاة هذه الكلمات التي دبّجها يراع الشهيد سيّد قطب، العارف بسنن الله في خلقه وبقوانين النصر والهزيمة: " قد يبطئ النصر لأنّ الباطل الذي تحاربه الأمّة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تمامًا، فلو غلبه المؤمنون حينئذ قد يجد أنصارًا من المخدوعين فيه لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله فتظلّ له جذور في نفوس أبرياء لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى ينكشف عاريًا أمام الناس، فيذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية "
وها قد انكشف الباطل ممَثلا في أدعياء الديمقراطية الكَذَبة وأدعياء الإسلام المغفَّلين والمنهزمين أمام الباطل و " الثوار " المنحازين لمصالحهم والأنظمة الإقليمية التي تصدّر التشدد الديني وترفض المشروع الإسلامي اوسطي المعتدل...فهي – إن شاء الله – مؤشرات غد قريب ينكشف فيه الباطل تمامًا فينتصر الحق نصرا مؤزّرا نهائيا...وهذا درس الأمل الذي تعلمناه جميعا من أحداث مصر.