الميتافيرس.. هل أدركه العرب؟
الميتافيرس، والتي تعني “العالم الخيالي أو العالم ما وراء التقليدي “كلمة قد لا تكون متداولة أو معروفة في العديد من بقاع العالم لا سيما في مجتمعاتنا العربية، إلا أن المجتمعات العلمية الغربية تكثف جل اهتمامها للبحث في هذا النوع من العلوم المتقدمة الخارقة للطبيعة، والتي تشير كل التقديرات العلمية أنها ستكون حقيقة يعيشها الناس خلال العقود القليلة القادمة، مخلفة وراءها كل تقنيات عالمنا الأن في مجال التواصل والاتصالات مكدسة في سلال المهملات.
ولعلنا لا نعرف من “الميتا” سوى أنها جزء من “ميتا فلات فورمز” وهي الاسم الجديد للشركة المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة “فيس بوك” و”واتس آب” و”إنستغرام”، مع أنه في حال نجاح التجارب على هذا العلم فستكون تلك الشركة واحدة من أكبر ضحاياها، لأن نجاح هذا العلم سيعني إلغاء كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المعروفة حاليا، وبالطبع تغيير آليات عمل كافة وسائل الاتصال، وإحداث طفرة علمية فيها لا تختلف كثيرا عن أطروحات أفلام الخيال العلمي.
توقعات العلماء تشير إلى أن الإنسان العادي في العقود القادمة قد يبدأ يومه بارتداء النظارات الافتراضية التي لن تمكث طويلا لتتحول لمجرد عدسات وسماعات قد لا يمكن مشاهدتها دون تركيز فيها، يتواصل بها مع الآخرين بمجرد تحريك عينيه أو أصابعه، ويصدر أوامره لتشغيل الآلات ويقود بها عملية الإنتاج والزراعة والصناعة عبر نسق متكامل من الإعجاز العلمي.
وبالطبع سيتبع ذلك تغيرا جذريا في أنماط معيشة الناس واهتماماتهم وسلوكياتهم، ومنها بالتأكيد إدارة استراتيجيات الحرب والسلام، والسيطرة على الجموع، والتحكم في وعي الناس واعتقاداتهم ومعتقداتهم، وهو الأمر الذي يزيد من عوامل التحفيز الواجبة علينا كعرب أو كمسلمين لخوض غمار هذا العلم مبكرا.
والشيء المعيب حقا أننا هنا لا نجد كتبا تتحدث عن هذا العلم باللغة العربية، وإن وجدناها فإن القارئ سيبذل الكثير من الجهد لفهم المصطلحات والترجمات الخاصة بهذا العلم، ما يتوجب معه سرعة قيام مجامع اللغة العربية باستحداث الألفاظ وتعريب تلك المصطلحات، مع قيام وكالات الترجمة بالتركيز قليلا على هذا العلم، حتى لا ننهض ذات عام من غفوتنا ونجد أنفسنا خارج حسابات الكوكب علميا.
الاستشعار المبكر
في أزمة كورونا التي هاجمت العالم السنوات الماضية وما زالت، بنى الكثيرون اعتقاهم بأنها نتاج مؤامرة بيولوجية سرية تشنها بعض القوى العظمى في العالم في إطار تنفيذ خطة “المليار الذهبي” أو تخفيض عدد سكان العالم لأقل من الربع، ودللوا على ذلك بالعديد من الأفلام السينمائية الغربية القديمة التي كانت تتحدث عن تصنيع هذا الوباء لدرجة أن بعضها ذكره بالاسم.
وبنفس الحالة، وجدنا العديد من الأعمال السينمائية الغربية القديمة تتنبأ بالاستخدامات المرعبة المحتملة للميتافيرس، ثم وجدنا بعد ذلك علماء الميتافيرس يتحدثون عن تقنيات مشابهة لما ورد في تلك الأعمال الفنية، ولعل من المثير أن نجد اسم شركة “ميتا” يتكرر في الحدثين، بعد أن سبق أن نسبت إلى مالكها تصريحات قديمة تحدثت عن تصنيع الكورونا، ثم عاد ليتبرأ من نسبة التصريحات إليه ويقول إنها “مفبركة”.
من تلك الأفلام مثلا فيلم ” Ready Player one لاعب جاهز واحد” ويتحدث عن هيمنة إحدى الشركات الاقتصادية على العالم باستخدام هذه التقنية عام 2045، وفيلم” Minority Report تقرير الأقلية” وتدور أحداثه في عام 2054 ويتحدث عن استخدام الميتافيرس في قتل المجرمين والإرهابيين- وبالطبع معروف من المقصود بالإرهابيين.
وفيلم “Avatar أفاتار” يتحدث عن استخدامه لتغيير معتقدات الناس وسلوكياتهم، وفي “Iron man الرجل الحديدي” يتحدث عن قيام رجل باستخدام سلاح فتاك لا يمكن مضاهاته لقتل الملايين، وفي “Wreck it Ralph حطمه رالف” يتحدث عن عملية التدمير الجماعي ودفع الناس لاتباع السلوكيات المنحرفة، أما فيلم “الرعب horror” فنجده يتحدث عن استخدام الميتافيرس للتأثير في عواطف البنات الجنسية.
وهناك أفلام كثيرة تسير في نفس المنوال مثل ” Herهير ” و” Smart house المنزل الذكي” و Tron و ” The Matrix المصفوفة (ماتريكس) ” و” Strange days أيام غريبة ” وعشرات غيرها تتحدث فيما يشبه اللامعقول، لكن عودتنا التجارب السابقة أن كل ما اعتقدنا أنه غير معقول؛ حدث!
هل فات الوقت؟
لم يفت بعد، فمن سار على الدرب وصل، لكن ينبغي على الأنظمة العربية أن تبقى على يقين بأن الاستثمار الحقيقي ليس بإنشاء المدن والأبراج والكباري والأنفاق دون حاجة إليها، ولكن فقط بالإنفاق على العلم والعلماء بكافة فروعه.
وليعرفوا أن العلماء هم أصحاب الفضل على البشرية، فمنهم من غيّر حياتنا باختراع الكهرباء وعديد استخداماتها، ومنهم من عالج الأوبئة المستعصية، ومنهم من صعد للقمر، أو هبط لجوف الأرض، ومنهم أيضا من صنع القنبلة الذرية فاستطاع أن يفعل بها ما تعجز أن تفعله جيوش بها ملايين الجنود، وملايين الأطنان من المتفجرات وقت الحرب، وأن يوفر بها لدولته الأمان العسكري اللازم وقت السلم.
تحيا الأمم مستقلة فقط حينما يُحترم العلماء وتتوفر الإرادة.
وسوم: العدد 1038