متى تدرك إسرائيل أنها تحارب شعباً في أرضه ؟!
دخلت العملية العسكرية الإسرائيلية العدوانية على جنين يومها الثاني ، وما زالت المقاومة صامدة ، ومنع صمودها العدو من اقتحام المخيم رغم قوته الكبيرة ، 150 عربة عسكرية ، وطائرات استطلاع وطائرات مسيرة ، وما لم يكشف عنه من وسائله القتالية الأخرى . وفي رعب قواته من المقاومة ، اتخذ المدنيين دروعا بشرية للانتقال من مكان إلى آخر ، وفي إحدى الحالات احتجز جنوده 11 طفلا مع أمهاتهم في بناية ليأمنوا إطلاق المقاومة النار عليهم . وابتهج نتنياهو بالعملية التي لم تنته حتى الآن فقال إن المعادلة تغيرت ، وإن إسرائيل ستضرب " الإرهاب " أينما كان ملمحا إلى حزب الله وربما إلى إيران . ولا ندري ما التغير الذي حدث في معادلة صراع إسرائيل مع المقاومة . إسرائيل لم تكف منذ أن وجدت عن العدوان على الشعب الفلسطيني وعلى المحيط العربي الذي غرست فيه . وانحسار دور هذا المحيط في الصراع معها بعد اتفاقات الصلح والتطبيع أخلى الساحة لتفردها بالعدوان على الشعب الفلسطيني الذي ساق له الله _ عز وجل _ سندا جديد مجسدا في حزب الله وفي إيران . فهي ، إسرائيل ، تسير على ذات المتوالية من العدوان متى استطاعت إليه سبيلا ، وتنجحر ساكنة متى خافت سوء عاقبته . وفي مسيرة عدوانها الطويلة على الشعب الفلسطيني لم تدرك حقيقة واضحة تسطع أمام عينيها الرمداوين ووعيها المشوه الملوث بدخان الأوهام وغبارها . الحقيقة هي أنها تحارب شعبا في أرضه لا جيشا وراء الحدود تنتهي الحرب معه بحال أو بأخرى . ومنبع غياب إدراكها لهذه الحقيقة الكبرى أنها ، إسرائيل ، لم تتحرر من وطأة الكذبة الخرافية عن خلو فلسطين من شعب آخر ، وتابعت مسارها في ضلالها بوهم أن يختفي الفلسطينيون من وطنهم ، وأغراها به نجاحها في إبعاد جزء منهم في حرب 1948 خارج فلسطين . وعقب انتصارها في حرب 1967 رغبت في إعادة شيء من ذلك النجاح ، وأخفقت لتغير الأحوال فلسطينيا وعالميا .وما زلنا نسمع من عناصر الحكومة الجديدة من يراوده شيطان وهم إخلاء الفلسطينيين من وطنهم ، وهم في هذه المراودة يعبرون عن كل الإسرائيليين . في النهاية لافرق بين متطرفهم ومعتدلهم ، وعاقلهم ومجنونهم ، كلهم متطرفون وكلهم مجانين عصابيون ، وكلهم يمضون في ذات السبيل التي اختطتها لهم أوهام الحركة الصهيونية الاستيطانية . ويغويهم بالمضي فيها تفوقهم العسكري المطلق على الفلسطينيين ، واحتضان أميركا لعدوانهم عليهم ، والتخلي الكامل للدول العربية عن الفلسطينيين ، وتخطى كثير منها التخلي إلى التعاون معها ضدهم .وتظل الحقيقة الفلسطينية البشرية في فلسطين أكبر من القوة العسكرية الإسرائيلية ، وأكبر من احتضان أميركا لها ، وأكبر من مأساة التخلي العربي عن الفلسطينيين والتعاون معها ضدهم . هذا صراع وجودي ستحسمه لصالح الفلسطينيين قوتهم البشرية في وطنهم التي تفوق القوة البشرية الإسرائيلية بمليوني نسمة . في سبعينات القرن الماضي تباهى شارون على الأميركيين بأن الإسرائيليين نجحوا في غزة نجاحا لم ينجحوه في فيتنام ! قضوا على المقاومة في غزة ، ولم يقضِ الأميركيون على المقاومة الفيتنامية ! طبعا تجاهل كليا الفرق العظيم بين المكانين ، وفي النهاية كان هو من أجبرته ضربات المقاومة على اتخاذ قرار الانسحاب من غزة . وما حدث في غزة قد يحدث في الضفة ، وتاليا في كل فلسطين . وعلى الإسرائيليين أن يصحوا ويسألوا ذاتهم ما دلالة أن يهاجموا قوة مقاومة فلسطينية صغيرة بدائية السلاح قليلته بكل هذه القوة الهائلة ؟! وما دلالات تصاعد المقاومة الفلسطينية ضدهم دون أي تراجع ؟! في عدوان يونيو 1982 الذي استهدفت فيه إسرائيل المقاومة الفلسطينية في لبنان ؛ تألفت قوة الهجوم الإسرائيلية من أربعة آلاف آلية عسكرية ، وحين علم ضابط فرنسي في اليونيفيل بهذا العدد قال إن فرنسا لا تملك مثله ، وفي النهاية انقطع دابر إسرائيل عسكريا في لبنان بعد ظهور حزب الله وتنامي قوته العسكرية . القوة العسكرية وحدها لا تصنع حقوقا وشرعية من العدم ، وهذا ما تعجز إسرائيل عن إدراكه . إنها في فلسطين تحارب شعبا يملك وحده الحق والشرعية فيها ، ولا تحارب جيشا وراء الحدود تنهي معه الحرب بحال من الأحوال .
وسوم: العدد 1039