تمرد مرتزقة فاغنر… ومخاطر الجماعات المسلحة على أمن دولها؟
شكلت محاولة تمرد مجموعة مرتزقة فاغنر الروسية على النظام الحاكم في روسيا وخاصة على رئيسه فلاديمير بوتين الداعم والممول والمسلح مع نظامه لمرتزقة فاغنر بقيادة «طباخ بوتين» يفغيني بريغوجين الذي قاد تمرد اليوم الواحد الأسبوع الماضي ـ انقلاب السحر على الساحر ـ وجرس إنذار مدوٍ للأنظمة التي تسمح وتترك جماعات مسلحة تكبر وتقتات وتتغذى على ما تقدمه الدولة من دعم وإسناد. وبذلك ينطبق قول الشاعر:
أعلّمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني
اعترف بوتين في خطاب بعد أيام من محاولة الانقلاب الفاشلة، تمويل الحكومة الروسية مجموعة فاغنر بما يصل لـ86 مليار روبل، ما يعادل 1.1 مليار دولار سنوياً، وذلك لخدمة وتعزيز مصالح روسيا في الشرق الأوسط وأفريقيا ودعم أنظمة سلطوية وميليشيات مسلحة واستغلال ونهب الثروات الطبيعية من نفط وذهب ومصادر طبيعية من سوريا إلى ليبيا إلى مالي وبوركينا فاسو ودعم نظام الأسد في سوريا وخليفة حفتر في ليبيا وحميدتي في السودان. وآخرها القتال الضاري في أوكرانيا دعماً لمشروع روسيا وحربها على أوكرانيا. وبرغم ذلك اختلف بريغوجين مع المؤسسة العسكرية الروسية وخاصة مع وزير الدفاع شويغو ورئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف. وانتقد إدارتهما للحرب في أوكرانيا وتأخرهما بإمداد مقاتليه في باخموت، وطالب بوتين بعزلهما.
لينقلب بريغوجين على النظام الممول ويتقدم على رأس 25 ألف مرتزق انطلاقاً من الداخل الروسي بعدما قاتل وخسر 25 ألف مقاتل في باخموت ـ شرق أوكرانيا وحدها، بعد قتال ضار لعدة أشهر. وذلك بعدما عجز الجيش الروسي عن احتلالها، لينطلق من داخل أوكرانيا إلى العاصمة موسكو. وسيطر على المقار العسكرية في مدينتي روستوف وفورونيج على بعد 500 كلم من العاصمة موسكو، ليوقف تقدمه على مسافة 200 كلم من موسكو ـ وموافقته على إنهاء التمرد والتقدم حقناً للدماء واستجابة لوساطة الكسندر لوكاشينكو رئيس روسيا البيضاء وتابع بوتين. يصفه الإعلام الغربي بـ«آخر ديكتاتور في أوروبا» ـ لكن الواقع أن لوكاشينكو حذر زعيم مرتزقة فاغنر أن بوتين سيسحقهم إذا استمروا في التقدم في اتجاه موسكو!
وهكذا انتهى كما بدأ بشكل مفاجئ بعد يوم أقصر عملية تمرد وانقلاب ضد الدولة الروسية! لكن ليس قبل أن تترك الكثير من التأثير السلبي والتساؤلات المشروعة وأسئلة أكثر من إجابات على أبعاد ومخاطر وتأثير ذلك كله على مكانة وهيبة ونظرة الداخل والخارج للدولة الروسية. وعلى سمعة وهيبة الرئيس الروسي بوتين والتساؤل عن مستقبل مجموعة فاغنر نفسها وخاصة دور ومستقبل رئيسها بعد موافقته على الانتقال والنفي إلى روسيا البيضاء واسقاط التهم الجنائية عنه وعن مقاتليه الذين شاركوا في الزحف على موسكو والسماح عن مرتزقته الذين لم يشاركوا في التمرد والزحف على موسكو. وهل سيسمح له بممارسة أنشطته في الخارج؟ وماذا عن مهام وأنشطة مجموعة فاغنر في سوريا في دعم نظام الأسد، وفي ليبيا والسودان ودول أفريقية لمجموعة فاغنر وجود عسكري وتقاتل فيها وتدعم أنظمة مستبدة. ما يسمح لروسيا بمنافسة وحتى إزاحة نفوذ فرنسا التقليدي في غرب أفريقيا. كما زاد نفوذ فاغنر في جمهوريات جنوب الصحراء ـ في الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى ورواندا وموزامبيق وأنغولا وزيمبابوي ومدغشقر.
ما جرى يطرح تساؤلات جوهرية حول ثلاثة محاور مهمة:
تأثير دور ازدواجية أنشطة التنظيمات المسلحة من خارج رحم الدول ومنافسة ومزاحمة وحتى الاشتباك ضد قوات الدول النظامية المسلحة، في إضعاف هيبة واستقلالية وسيادة الدول التي تنشأ وتعمل في كنفها وعلى أرضها ومشاركتها في عمليات خارج حدودها ـ دون تحمل تلك التنظيمات مسؤولية الدولة…وخاصة عندما تقحمها في عمليات عسكرية تقود للانتقام. كما نشهد في لبنان والعراق واليمن.
مخاطر ومساوئ دور وتأثير ودعم الأنظمة للتنظيمات والجماعات والميليشيات وحتى المرتزقة في دولهم. وكيف يقود ذلك لتهديد أمن واستقرار تلك الدول ومصادرة قرار السلم والحرب، وإقحام الدول في مغامرات مكلفة وغير محسوبة العواقب.
يبرز ذلك بوضوح في دور وهيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية بسلاحه وقدراته العسكرية والقتالية التي يفاخر أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بامتلاك 100 ألف صاروخ و100 ألف مقاتل مدعوم ومسلح من إيران بأنشطة ووجود عسكري قتالي ومستشارين في سوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى دوره في النظام السياسي اللبناني ممثلاً بنواب ووزراء في الحكومة اللبنانية ومصادرة قرار السلم والحرب في المواجهة مع إسرائيل وخدمة المشروع الإيراني، ليصبح فاعلاً أقوى من الدولة اللبنانية نفسها التي تقترب من مرحلة الانهيار والفشل بخلو منصب الرئيس منذ ثمانية أشهر وحكومة تصريف أعمال وبرلمان نادرا ما يجتمع، وفشل في انتخاب رئيس للمرة 12! ويبرز ذلك في انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية في اليمن منذ عام 2014 ـ وفي تشكيل الحشد الشعبي الذي انضوى ويمول من ميزانية الدولة العراقية تحت شعار فتوى مقاتلة تنظيم داعش الذي هزم واندحر منذ عام 2019 في العراق وسوريا. وبرغم ذلك بقي تنظيم الحشد الشعبي ليقارع وينافس القوات النظامية العراقية. وآخر تجليات القوة العسكرية من خارج نطاق القوات النظامية الحرب المستعرة في السودان منذ 15 أبريل الماضي بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات التدخل السريع التي تقاتل ضد الجيش السوداني في حرب عدمية تعمّق جراح السودان وتزيده وشعبه فشلاً ومعاناة ومآسي!
مدى مساهمة محاولة تمرد مجموعة فاغنر بإضعاف هيبة ومكانة روسيا والرئيس بوتين، برغم الادعاء عكس ذلك. وتأثيرها على مشروعه ونظرة حلفاء روسيا بصواب التحالف معها؟ وهل يمكنه استعادة مكانة بلاده وتأسيس نظام عالمي متعدد الأقطاب؟ وفي ذلك دروس وعِبر!
وسوم: العدد 1039