نقول للسويد قرآننا خط أحمر
أثارت واقعة إحراق عراقي مقيم في السويد نسخة من المصحف الشريف انتقادات واسعة، بعد تكرار تلك الممارسات تحت مسمى "حرية التعبير"، وهذه الحرية المدّعاة تتعارض مع المواثيق الدولية لـ"حقوق الإنسان".
يوم الأربعاء الأول من عيد الأضحى المبارك مزق رجل مصحفا وأضرم فيه النار عند مسجد ستوكهولم المركزي وسط حراسة مشددة من الشرطة، داس سلوان موميكا وهو عراقي يبلغ 37 عاما فر من بلاده إلى السويد قبل سنوات، داس على نسخة من المصحف مرات عدة وأحرق صفحات منه أمام المسجد الكبير في ستوكهولم.
وشاهد نحو 200 شخص موميكا وهو يمزق صفحات من المصحف ويمسح حذاءه بها قبل أن يضع فيه لحم الخنزير ويضرم النار فيه.
ورفضت الشرطة السويدية بداية عدة طلبات في الآونة الأخيرة لتنظيم احتجاجات لإحراق المصحف، لأنها تعرف التداعيات على مثل هذا الفعل الشنيع والمستهجن وما يثيره من أحقاد وبغضاء وردّات فعل، لكن المحاكم أبطلت هذه القرارات قائلة إنها "تنتهك حرية التعبير التي تكفلها البلاد".
وفي حقيقة الأمر فإن حرق المصحف يمثل جريمة كراهية ولا يمثل بأي حال من الأحوال حرية للتعبير.
ويتنافى حرق المصحف مع حرية التعبير والمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تكفل حماية الأديان وعدم انتهاك حرمتها.
وتنص تلك المادة على أن "لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة"، حسب "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، وأن المساس بالأديان لا يندرج إطلاقا تحت إطار "حرية التعبير"، وبالتالي فإن المسؤول الأول عن واقعة حرق المصحف هو "الحكومة السويدية"، وعلى الأمم المتحدة معاقبة السويد بعد الانتهاك الصارخ والصريح لحرية الأديان.
وإن حرق المصحف في ذلك التوقيت يستهدف استفزاز مشاعر المسلمين بشكل واضح ولا يمت لحرية التعبير بأي صلة.
وبحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان فإنه تتوقف حرية الرأي والتعبير عند "التعدي على خصوصيات الآخرين"، وبالتالي ما حدث هو "أمر مستنكر بشكل تام"، وهذه الأفعال ضد "الإنسانية" تؤجج مشاعر التطرف والإرهاب الفكري.
استفزاز "متعمد"؟
لقد جاءت هذه الواقعة المستهجنة بينما يحيي المسلمون في أنحاء العالم عيد الأضحى المبارك، وفيما كان موسم الحج السنوي في مكة بالسعودية يقترب من نهايته، وهذا يدل على تعمد اختيار موعد أول يوم لعيد الأضحى لحرق المصحف، وأن هذه الواقعة تمس كرامة المسلمين وتستهزئ بشعائرهم الدينية.
ونقول لحكومة السويد وقضاتها: إن حرية التعبير لا تعني استهداف مشاعر وأديان الآخرين، ويجب احترام الحقوق المعنوية والدينية لدى المسلمين، وما قام به هذا النكرة وبحماية الشرطة أمر مستهجن ومرفوض ويتنافى مع احترام الأديان، ويؤجج الاحتقان وتزيد الأحقاد بين البشر، وبالتالي احترام المشاعر الدينية للمسلمين وأصحاب كافة الديانات السماوية أمر لا مساومة عليه، وأن تلك الأفعال المشينة التي تحدث في السويد غير مقبولة إنسانياً، لأنها تغذي مشاعر الكراهية والتطرف والحقد، والأديان السماوية لا تقبل التطرف والكراهية والحقد، ويمثل حرق المصحف إرهاب فكري قد يقود لتداعيات خطيرة قد يقوم بها مليار ونصف مليار مسلم حول العالم، وحينها ستفلت زمام الأمور ويقع العالم فيما لا يحمد عقباه.
كما وإن "حرق المصحف"، يتنافى مع وثيقة الإخوة الإنسانية، التي وقعها شيخ الأزهر، أحمد الطيب، والبابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في 4 فبراير/شباط 2019، بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي.
وقائع متكررة
لقد وقعت أحداث من هذا الفعل الشنيع والمستهجن مرات عدة في السويد أو دول أوروبية أخرى بمبادرة من "اليمين المتطرف" أحيانا، وأثارت توترات دبلوماسية، ومثال ذلك ما وقع في يناير/كانون الثاني عندما قام متطرفون سويد بالتظاهر وأحرقوا خلالها نسخة من المصحف في ستوكهولم أمام سفارة تركيا، وأثار هذا الفعل الشنيع غضب أنقرة والعالم الإسلامي، وأدت إلى تظاهرات ودعوات لمقاطعة المنتجات السويدية في العالم الإسلامي.
وترتبت على حرق المصحف على يد المتطرف السويدي الدنماركي المناهض للإسلام، راسموس بالودان، عواقب دولية خطيرة، حيث أثار سلسلة من الاحتجاجات الرسمية في الدول المسلمة، وتكرر حرق القرآن لأكثر من مرة بالسويد نتيجة سماح السلطات السويدية بـ"إهانة مشاعر المسلمين" تحت مسمى حرية التعبير، وهذا يدل على أن هناك تعمدا وراء تكرار تلك الوقائع وحدوثها أمام الملأ لإشعال مشاعر المسلمين، وهذا يزيد من الكراهية نحو المسلمين، ويؤدي لمشكلات أمنية في المجتمع السويدي وخارجه، والسويد كثيرا ما تتشدق بحقوق الإنسان، لكن هناك خللا لديها في المفاهيم المتعلقة بحرية التعبير، والحكومة السويدية مطالبة بوقف تلك الأفعال الاستفزازية والمقززة، والتأكيد أن حق المعتقد مكفول وهو من حقوق الإنسان الأساسية، التي لا يجب الاقتراب منها.
تداعيات "حرق المصحف"
إن التحريض واستفزاز مشاعر المسلمين وممارسة الإرهاب الفكري، يؤدي لزيادة التطرف، ويخلق أجواء من العنف، ويحذر العقلاء في معظم دول العالم من تكرار الوقائع التي تستفز مشاعر المسلمين، لأن ذلك قد يؤدي ببعض الأشخاص لممارسة العنف واستهداف صاحب هذا السلوك السفيه، أو مصالح السويد، ما يترتب عليه انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان، لذلك يجب أن يكون هناك موقف دولي حازم تجاه تلك الممارسات، التي تؤذي مشاعر المسلمين، وتؤدي إلى تداعيات لا تحمد عقباها في حالة عدم اتخاذ خطوات جادة لوقف تلك الأعمال العنصرية البغيضة، ونقول للسويد مؤكدين أن قرآننا خط أحمر.
وسوم: العدد 1039