التكديس وبناء الحضارة في فكر مالك بن نبي أو مايسمى بهندسة الواقع
يحتاج بناء الحضارة إلى تخطيط وتنظيم وتحديد للهدف بشكل مسبق لمعرفة ما نريد. وفي كتابه شروط النهضة يقول مالك بن نبي:" إن علينا أن نكون حضارة، أي أن نبني لا أن نكدس، البناء وحده هو الذي يأتي بالحضارة، لا التكديس. ولنا في الأمم المعاصرة أسوة حسنة، الحضارة هي التي تكون منتجاتها وليس العكس، إذا من البديهي أن الأسباب هي التي تكون النتائج وليس العكس، فالغلط منطقي ثم هو تاريخي، لأننا لو حاولنا هذه المحاولة، فإننا سنبقى ألف سنة ونحن نكدس ثم لا نخرج بشئ". إذا عملية البناء تقوم على استقطاب العلوم والمعارف والتنقيب عنها. أما التجميع والتكديس ويقصد به جمع العلوم والأفكار بشتى الوسائل، دون تفكير، أو من خلال التقليد الأعمى!
كأن يتوجه عالمنا العربي بشكل عام والإسلامي بشكل خاص إلى صيدلية الحضارة الغربية، التي انطلق منها الاستعمار للبحث عن علاج لمرضه ودواءه وربما هذا الدواء لا يناسبه أو ربما يكون سلاح ذو حدين قد يشفيه وقد يميته. وبذلك يكون بن نبي قد أشار إلى حالة التخلف، التي يغلب عليها تكديس الأشياء لا صناعتها.
والتباين بالأسباب والخصوصية وكذلك بالنتائج. وقد يكون التجميع ناجم عن العشوائية في جمع أفكار غير موضوعية وغير ناضجة، بينما يحتاج البناء إلى منهجية فكرية واعية، وأي خطأ في هذه التركيبة يؤدي إلى نتائج غير محمودة. لذلك تهيئة العقل الواعي والمثقف بالأفكار الملائمة للبيئة والواقع المعاش، وتوجيهها بسلوك واع، هو بداية الوقوف على الطريق الصحيح. لأنه القادر على إدراك متطلبات البيئة و الظروف المحيطة بوعي ومحاكمة صحيحة. وكذلك تأصيل الأفكار التي تناسب بيئتنا وواقعنا، وإدراك تحسين اتخاذ القرارات بضرورة تتوافق مع معطيات صحية كذلك مهمة في مضمار التأصيل والتحصيل والنتائج المحمودة. إن إفساد النهضات كما قال بن نبي:" يكون بإنتاج إنسان النصف، أي تلميذ يذهب إلى المدرسة ليقضي ساعات طويلة، دون أن يفهم ما يحصل عليه من معلومات، فقط يريد تحصيل الشهادة ويستمر به الأمر حتى إنهاء الشهادة الجامعية، ليكون إنسانا نصفيا، هدفه فقط تحصيل الشهادات للتوظيف دون جديد. وهذا يفسد النهضة، ويؤدي إلى كوارث يورثها لأبنائه، وهنا تستحيل الحضارة مع إنتاج يكرر نفسه ولا يؤدي إلى جديد".
إن استبداد الجهل والسلطة في واقعنا استسهل التكديس والنقل وابتعد عن البناء والتحليل، وتحاول الأنظمة الشمولية حرماننا من الحضارة الإنسانية. بينما يكمن سر تطور وتقدم بعض الأمم والشعوب في البناء، التي ربما لا تملك إرثا حضاريا. لكنها تملك إرادة التطور والحداثة. أما نحن العرب عجزنا عن امتلاك أدوات تطورنا بسبب سياسات التجهيل المعتمدة من النخب الحاكمة، وحرصها على مراكمة كل عناصر ومقومات عجزنا وتخلفنا بدلا من اللحاق بركب التطور. وهذا يعيق تقدمنا، حيث لا سبيل للأجيال القادمة، إلا كنس كل عوامل تخلفنا وعجزنا، وخلق منظومات قيمية وأخلاقية تمهد الطريق لخلاصنا على كافة المستويات والصعد، التي نرزح تحت وطأتها، بسبب الحرص على المصالح الخاصة والفئوية على حساب الإنسان كمواطن يليق به العيش الكريم وأيضا معيشة تحفظ كرامته بل وتحافظ على وجوده.
وسوم: العدد 1041