مُهَجَّرون في عَصْرِ الثورة والهِجْرة
في يوم الهجرة، نمضي، بعيونٍ مُكحَّلةٍ بدم شهدائنا الأبرار، ترفرف حولنا أرواحُ أطفالنا التي أزهقها الهمجُ الطائفيّون الخونة، والصامتون، والمتواطئون، والخاذلون، وأوباش الروس،.. والمجوس.. ودجّالو البنتاغون والبيت الأبيض.
نمضي، مُزَوَّدين بعزم خنساوات سورية الثائرة الهادرة، وبإصرار مجاهديها الأبطال، من أحفاد الفاروق عمر والسيف المسلول خالد.. فالشام وطن الأحرار، وطننا، يستقرّ خالداً بين ضلوعنا، لا يُفَارق صدورنا، ولن يغيب عن حدقات عيوننا وثنايا أعماقنا.. إلا بوقف أنفاسنا، وافتراق أرواحنا عن أجسادنا!..
* * *
يوم الهجرة، هو اليوم الذي استدار فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب على راحلته.. استدار إلى وطنه مكة المكرّمة قبيل هجرته إلى المدينة المنوّرة.. ناظراً إلى أفقها البعيد، مُوَدِّعاً أغلى وطنٍ وأحبَّه إلى نفسه، قائلاً بمرارة المهاجر المتألم المقهور: [والله إنكِ لخير أرضِ الله، وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منكِ ما خرجت.].. (رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان).
إذ عندما ضاقت السُّبُلُ بالمجاهد العظيم صلّى الله عليه وسلّم، خرج مهاجراً من دياره إلى أرض الغربة، ليجدَ في ذلك بركةً وقوةً ومَنَعة.. خرج بدينه، وخرج أصحابه القادرون على الهجرة، إلى أرضٍ يستطيعون فيها أن يعبدوا الله عزّ وجلّ. ولا يُعدم الرسول العظيم وسيلةً للتهيئة لهذا الأمر، لأنّ المجاهد الحق واعٍ حصيف حكيم، يُخِّطط لخطواته كلها التخطيط المحكم، حتى يبلغَ النجاحَ والانتصارَ بعونٍ وفَتحٍ من الله عزّ وجلّ..
يخرج العزيز الكريم من أرضه ووطنه، يأبى أن يمسَّه الضعف أو الهوان، ويهيِّئ الله له أنصاراً آمنوا به حَقَّ الإيمان، فيُستقبَلُ أعظم استقبال، ويُعزَّز ويُكرَّم، وذلك بعد ثلاث عشرة سنة من الجهاد والعمل الدؤوب الهادف، فيُقيم دولةَ الإسلام رغم أنوف الطغاة عبيد الأصنام والأهواء، ويسقيها بالإيمان، فتترعرع خيرُ دولةٍ على وجه الأرض، وينمو المجتمع الذي لا مثيل له..
* * *
مَن ذا الذي هجر الوطن الحبيب.. لا يتحرّق شوقاً إليه، ولا يتلوّى ألماً عليه، ولا يسكن إلى عبرات الحنين لكل نسمةٍ عليلةٍ كانت تلامس -في رحاب الوطن- وَجْنتيه؟!..
مَن ذا الذي لا تَحْمَرّ مُقلتاهُ عذاباً لفراق الوطن الغالي العزيز، ولا يذوب قلبه كَمداً عليه، ولا يتوق إلى رَيْحانِ ترابه العذب المعفَّر بلظى ذكراه؟!..
مَن ذا الذي يغادر وطنَه من أبنائه الأبرار الحقيقيّين؟!.. لولا أنّ الوطن صَيّره الطغاة المتجبِّرون دمعةً حزينة، وأنّةَ ثكلى، وشلاّلَ دمٍ مهراق، ولُقمةً مغمَّسةً بالدم والذل، وأرضاً تَميد بأهلها، وسَوْطاً مُسلطاً على الرقاب، وقَبواً مظلماً، وكرامةً مُضَيَّعة، وزُوّارَ ليلٍ بَهيم؟!..
* * *
حين نفقد الوطن، ويتعذّر علينا أن نُقيمَ داخله، فَسَنَبْنِيهِ في نفوسنا، ونُسكِنه في أعماقنا، ليصيرَ جَناحَيْنِ لروحنا، نُحِسّ به، ونستشعر عُلُوَّه ومكانته، ونندفع لتحريره.. فمَن تعذّر عليه أن يسكنَ في وطنه، عليه أن يُسكِنَه بين ضلوعه، ليتذكّر في كل وقتٍ وحين، أنّ الإنسان لا قيمة له من غير وطن، فمَن يستردّه في أعماقه، لا بد أن يستردّه من مُـحتلِّيه وخَوَنَتِهِ الذين باعوه لأوباش الأرض!..
* * *
في يوم الهجرة، تنفجر الأشجان، لِتُذكِّرَنا، أننا نتوق إلى وطنٍ آمنٍ عزيزٍ كريمٍ حُرٍّ مَنيع، تبنيه سواعدنا المضمَّخة برحيق ياسمين الشام وبَياض فُلِّها، ولسانُ حالنا يردّد أهزوجةَ الثوار بين جنبات النفوس الواثقة: [ما لَنا غيرُكَ يا الله].. نعم، نتوق إلى وطنٍ حُرٍّ ولسانُ حال إنساننا، يردّد بين جنبات النفس العليلة بِفَقْدِ الوطن، ماردّده قبلنا سيّد خَلْقِ الله، الـمُهاجِرُ المجاهدُ محمّدٌ صلى الله عليه وسلم: [اللهم إليك أشكو ضَعفَ قوّتي، وقلّةَ حيلتي، وهواني على الناس.. يا أرحم الراحمين، أنتَ ربُّ المستضعَفين وأنتَ ربي.. لكَ العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلا بك]!..
ولايسعنا في هذه المناسبة، إلا أن نُجَدِّدَ عهدنا مع الله عزّ وجلّ، إننا على طريقه (صلى الله عليه وسلّم).. سائرون، ثابتون، ثائرون.
وسوم: العدد 1041