الأزمة الوطنية السورية تتمادى عمقا واتساعا وارتفاعا.. ومن يبالي؟؟
بعيدا عن القيل والقال..
وكتبت منذ أيام قريبة مقالا رصدت فيه حالات الانتحار في المناطق التي يسيطر عليها بشار الأسد..
تلك المناطق بالنسبة إليّ أرض سورية، والذين يعيشون عليها، مواطنون سوريون، ولكل إنسان طريقته في التفكير.
وتوقفت عند أكثز من حالة انتحار، رصدها الراصدون، في تلك المناطق، وكان أشدها إيلاما عنصر ميليشيات أسدي يقتل ابنته ثماني سنوات، وابنه ست سنوات، ثم ينتحر.
في الظاهرة المرصودة في المناطق التي يسيطر عليها الأسد أكثر المنتحرين، أو الذين يحاولون الانتحار من بقايا الميليشيات العسكرية، أو إذا شئت من حطامهم، واعقد على هذا بوصفك دارسا اجتماعيا، ومهتماسياسيا، بأبعاد ما يسمى الانتصار الأسدي، التي بات يرعاه المجتمع الدولي والإقليمي؛ اصبعَك، لتعلم أيّ انتصار!!
ومنذ كتبت مقالي ذاك، بدأت تصلني رسائل وأخبار كلها تؤكد المقولة الشعبية الذائعة "ما حدا أحسن من حدا" وأن ظروف الاختناق التي يعيشها السوريون بأبعادها المختلفة، تعطي المخرجات نفسها، ولكن باختلافات بسيطة.
وتابعت من أخبار الأمس محاولتي انتحار في المنطقة التي نصفها بالمحررة!! محاولتان في يوم واحد، تقوم بهما امرأتان، تنجح واحدة فتموت، وتخفق الأخرى فتحمل إلى المشفى!!
يحدث هذا في تجمع بشري يؤمن كل من فيه، أنه من تحسّى سما فسمه في يده لا يزال يتحساه في نار جهنم، ومن وجأ نفسه بحديدة فحديدته بيده يجأ بها نفسه في نار جهنم، يحفظون هذا، ويؤمنون به، ويخافونه، ومع ذلك يقدمون على الانتحار، ولك أن تعلم بل أن تقدر أي حال كانوا يعيشون حتى ارتضوا أو ارتضين لأنفسهن هذا المصير..خلود في نار جهنم والعياذ بالله.
ويسألك الطبيب النفسي: هل مرت على ذهنك فكرة الانتحار قط؟؟!!
وأعتقد أننا لم نخلق لندير ظهرنا للأزمات. وأن الحوقلة والحسبلة لا معنى لهما، إن لم تكونا مفاتيح للمبادرة لمصادرة أسباب المصيبة. ونحن من قوم يعلمنا إيماننا أن ندفع الأقدار بالأقدار. ندفع الأقدار بالأقدار ولسنا جبريين، ولا مستسلمين. نفر من قضاء الله وقدره إلى قضاء الله وقدره.
أعني لا نحوقل ثم ننام..
وإذا توليتَ أمورَ الناس فأعط الولاية حقها. قال يا أبا ذر نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيها.
وحقوق هؤلاء وأولئك في عنق من "تولى وتخلى"
ستة أشهر تفصلنا عن مطلع العام وثماني وثلاثون حالة انتحار في المناطق التي لا يسيطر عليها الأسد!! أكثر من ست حالات في الشهر الواحد، فتأمل يا رعاك الله..
يقولون أكثر الحالات في طارينا، من النساء، من الأخوات والبنات، وبعضنا لا يذكر أن النساء عوان ضعيفات، إلا عندما يريد أن يتسيد أو يتأمر عليهن، فلا يذكر الضعف على أنه مدعاة للرفق والتخفيف وجميل الرعاية، وحسن المدارة..خففوا عليهن خفف الله عنكم.
ثقُل الواقع عليهن فوجدنه لضعفهن، أخف من نار جهنم ؛ وهل ترون أقسى من هذا التعبير!!
وأخشى ممن يسيء الفهم فيقول أنني أسوغ أو أدافع عن الانتحار!!
تنتحر بناتنا وأخواتنا في المحرر حزنا وأسفا ويأسا واكتئابا.. ولعل لمسة رفيقة تخفف بعضن ما يعشن فلا تبخلوا بها، وأناديكم فلا أسمع رجع صدى…
وتنتحر بناتنا وأخواتنا في المحرر- وأنقل لكم عن إحصاء- بسبب قسوة الرجال، بسبب قسوتنا نحن الرجال، بسبب قسوتنا نحن الآباء والإخوة والأزواج..
أي رسالة تصلنا في ذلك: قال صلى الله عليه وسلم:
رويدَك يا أنجشة سوقَك بالقوارير. بأواني الزجاج. تعودنا عندما نحمل أواني الزجاج أن نكتب على محاملها "سريع العطب" هل تحتاج هذه العبارة في السياق الذي أكتب فيه إلى شرح وتفصيل، وتقديم وتأخير!! يفررن من جحيم تمثل لهن في سلوكنا وطرائقنا، إلى نار جهنم، ويجدنها ضعفا منهن أخفّ وطأة، فأي جحيم هذا الذي هن فيه؟؟!!
ومرة أخرى لمحدود التأمل، أنا لا أدافع عن الجناية ولا أسوغها، وإنما أدعو إلى مصادرة أسبابها.
وتنتحر بناتنا وأخواتنا في المحرر، من الجوع والحاجة وضيق ذات اليد، وبؤس الحياة وقسوتها..
وكل ذلك وأولئك لنا فيه جميعا أوفى نصيب.
وتبقى أزمة الانتحار المستشرية على الأرض السورية، أزمة إنسانية، وجزء من الأزمة السورية الممتدة، ونبقى جميعا معشر المبالين بمصير سورية والسوريين مسؤولين عن مصادرة أسباب الأزمة في تلافيفها الكبرى والصغرى.
وقال عمرو بن سالم يوم أنشد:
يا رب إني ناشـــــــــد محمدا
حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قال:
إن قريشا قد أخلفتك الموعدا
وهذا العالم اجمع أبتع أبصع قد أخلفنا معشر السوريين الموعدا..
وبتنا بحاجة أكثر وأكثر وأكثر إلى عقل العقلاء، وتدبير المدبرين، وحزم أهل الحزم…
وسوم: العدد 1041