ثلاثة مواقف عالمية مناصرة للشعب الفلسطيني

القضية الفلسطينية قضية حق وعدل وإنسانية وشعور أخلاقي ، وهذه الصفات المتلاحمة المتوائمة في ضفيرة واحدة تحرك نحوها  بين زمن وآخر مواقف عالمية من قوى تتصف بهذه الصفات ، وترى الإنسان أخا للإنسان مهما اختلفت الأعراق والثقافات والأديان والأوطان ، وتؤمن بأن مناصرة الحق في مكان مناصرة  له في كل الأماكن ، ومؤازرة الظلم والعدوان مؤازرة لهما في كل الأماكن . وفي الأسبوع الأخير نُصِر الشعب الفلسطيني في ثلاثة مواقف عالمية . أولها إطلاق المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي منصة على الإنترنت تسمح للفلسطينيين بعرض شكاواهم من جرائم إسرائيل بالصور والفيديوهات ، وثانيها إخفاق مندوب إسرائيل إسحق لير في الفوز بمنصب المحاسب لمنظمة المهندسين والمصممين المعماريين العالمية في مؤتمرها الأخير في كوبنهاجن عاصمة الدنمارك ، وفوز مندوب مصر بالمنصب وسط غضب واستياء في المؤتمر من كل أعمال إسرائيل وسياستها ضد الفلسطينيين ، وثالث المواف تصويت البرلمان البرتغالي بالأغلبية على قرار يعترف بنكبة الشعب الفلسطيني في 1948 ، ويشيد بنضاله لنيل حقه المشروع في تقرير مصيره في وطنه . في الموقف الأول ، تتأسس  للشعب الفلسطيني منصة دولية قانونية  لعرض ما تفعله به إسرائيل من قتل واعتقال لا ينكفان  ، وهدم لبيوته ومدارسه ومساجده ، وتدمير لمزارعه ومنابع رزقه ، وتضييق  عليه في تنقلاقه بحواجزها التي تتجاوز 600 حاجز في الضفة تضييقا يعطل  أعماله ونشاطه الحيوي ، ويفقدها الانسيابية والسهولة والسرعة . وسيسهل تعدد وسائل التصوير وسرعتها وما تتصف به من فردية التنفيذ التقاط صور الجرائم الإسرائيلية وفيديوهاتها صوتا وصورة ، فيراها العالم ، وينقلها كل من يراها إلى كثيرين آخرين ، فتتأجج النقمة على إسرائيل التي تفعل بالفلسطينيين من غرائب الجرائم والفظائع ما لا يتخيله الناس في أرجاء العالم ، وتختفي الصورة الوردية المتألقة  التي احترفت تقديمها للعالم عن نفسها ، وصورة الإرهابيين الفلسطينيين التي ترفقها مع صورتها الكاذبة المزورة . ويجب أن ينشىء  الفلسطينيون مؤسسة إعلامية لجمع الصور والفيديوهات وإرسالها إلى المنصة التي ستحاربها إسرائيل حربا منظمة متشددة ، وتقدمها  ضربا من معاداة السامية . حرب الوعي والإعلام  والأفكار والصور  في خطورة حرب النار ، وقد تكون أخطر في بعض الحالات والأوقات . نحن لا نطلق الرصاص في كل المواقف لننتصر فيها . ورب انتصار كبير لا تطلق فيه رصاصة واحدة ، ورب رصاص ونار يصنعان الهزيمة إذا لم يصاحبهما إعلام حيوي وذكي وصادق ومقنع ، وقضيتنا بطبيعتها مؤهلة لهذا الضرب من الإعلام . ودائما لا يصح سوى الصحيح ، ودائما حبل الكذب قصير ، وما أصح رواية قضيتنا ، وما أكذب رواية عدونا . وتكبر فاعلية المؤسسة الإعلامية المقترحة حين تزود بما تجمعه من صور وفيديوهات جهات عالمية أخرى تعيد بثها في بلادها . ما من نجاح يقبل على الناس  تلقائيا مسهلا . كل نجاح يتطلب جهدا وخططا وشعورا صادقا بالمسئولية وجدية في الوصول إليه . ويجسد إخفاق مندوب إسرائيل في الفوز بمنصب محاسب منظمة المهندسين المعماريين والمصممين العالمية استنكارا وإدانة عالمية لجرائم إسرائيل المهولة الشاذة التي تنكب بها الفلسطينيين ، ويليق هنا بيان أنها لا تستأهل هذا المنصب الذي يصنف ثالثا من حيث الأهمية في هذه المنظمة العالمية . هذه منظمة ترمز لهندسة العمران وتصميمه وتطويره بما ينفع الإنسان ، وإسرائيل كيان هدم لعمران الشعب الفلسطيني . هدمت بعد جريمة قيامها الشيطاني الأثيم 400 قرية فلسطينية ، وتابعت وما زالت تتابع هدم العمران الفلسطيني بيوتا ومدارس ومؤسسات ومساجد . وهي الدولة الوحيدة التي تفعل هذا متعمدة إبادة مظاهر وجود شعب كامل ، وهي الوحيدة التي تخير أحيانا أحد أبناء هذا الشعب بين هدم بيته بنفسه وهدمها هي له على حسابه ، وتصل تكلفة هدم بعض البيوت 30 ألف دولار . كيان الهدم لا صلة له بمن وظيفتهم التعمير ، ولا موضع للشوكة بين الزهر ، ولا للغراب بين اليمام . وفي الموقف الثالث ، يقر  البرلمان البرتغالي ضمنيا بسرقة إسرائيل وطن الفلسطينيين ، وينفي شرعية وجودها ، ويقر ترتيبا على ذلك بأن فلسطين أرض فلسطينية ، ولشعبها الحق في تحريرها ، ونضاله لهذا التحرير شرعي وأخلاقي وإنساني . إنه ينسف الرواية الإسرائيلية الكاذبة ، ويقتلعها من جذورها التي لم تتغور بعدُ في فلسطين . ما 75 عاما في مجرى التاريخ على أهوال ما فعلته بالفلسطينيين ؟!  ويفتح الإقرار البرلماني البرتغالي بالنكبة الفلسطينية السبيل واسعة مديدة لإقرار برلمانات دولية أخرى بهذه النكبة ، وفي غياب فاعلية فلسطينية رسمية في هذه السبيل ؛ تتحمل الفاعلية الشعبية الفلسطينية عبء توسيع هذه السبيل وتمديدها قدما ، والشعب الذي يفدي وطنه بالشهداء والدماء والآلام يستطيع هذا التوسيع والتمديد . ولن تكون المواقف العالمية الثلاثة المناصرة للشعب الفلسطيني سوى بدايات لكثير مثلها  آتٍ .  

وسوم: العدد 1042