السلاح الفلسطيني الذي لا يحارب إسرائيل ليس فلسطينياً
منذ الانقسام الفلسطيني في 2007 ، تمسكت السلطة الفلسطينية بمطلبين في كل اجتماع فلسطيني لإنهاء ذاك الانقسام . الأول : اعتراف كل الفصائل الفلسطينية بما وقعته منظمة التحرير الفلسطينية من اتفاقات " دولية " ، والمقصود طبعا اتفاق أوسلو مع إسرائيل ، والثاني : وحدة السلاح ، وبعبارتها هي " سلطة واحدة وسلاح واحد . " . والمطلبان إسرائيليان شحما ولحما . ومن يسمع أبا مازن أثناء إصراره في أحاديثه على تمسكه بهما يشعر أنه يتكلم وأذن إسرائيل العريضة تلاصق فمه . ومطلب وحدة السلاح مؤداه أن السلطة وحدها تملك شرعية حيازة السلاح ، وأنه لا شرعية لأي سلاح في يد المقاومة . وسلاح السلطة لا يقاوم إسرائيل جنودا ومستوطنين عند اعتداءاتهم على الفلسطينيين ، وما أكثرها وما أقذرها ، ويتعقب كل من يقاوم أولئك الجنود والمستوطنين من الفلسطينيين . وتطبيقا لبند " المطاردة الساخنة " في اتفاق أوسلو فإن قوات الأمن الوطني وقوات الشرطة الفلسطينية ملزمة بإخلاء مواقعها فورا لتمكين القوات الإسرائيلية وتأمينها في مطاردتها " الساخنة " لمن يقاومها من الفلسطينيين ، وهذا ما فعلته أجهزة السلطة الأمنية في عدوان إسرائيل الكبير الأخير على جنين حين غادرت المخيم والمدينة . أوسلو بكل بنوده كان نكبة فلسطينية ثانية ، وما كان شيمون بيريز الذي كان طرفا كبيرا فيه من الجانب الإسرائيلي مغاليا حين نعته بأنه أعظم إنجاز للحركة الصهيونية منذ قيام إسرائيل في 1948 ، وأنه من ألفه إلى يائه كتب بيد إسرائيلية ، وما أخطأ الذين نعتوه من الفلسطينيين والعرب بأنه أسوأ اتفاق وقعته حركة وطنية في التاريخ . ونرجع للسلاح . كيف يحرم شعب من سلاح يحارب به احتلالا استيطانيا إحلاليا كل أفراد مجتمعه الاستيطاني جنود عاملون وجنود احتياط وجنود في الانتظار ؟! وحدة السلاح لا تكون إلا في وطن حر ، وهذه ليست حال فلسطين والشعب الفلسطيني . وكان طبيعيا أن تتمرد المقاومة الفلسطينية على هذه الوحدة الخطيرة التي تحمي الاحتلال الاستيطاني ، وأن تصنع السلاح محليا ولو بمواصفات بدائية ، وأن تهربه من الخارج ، في قطاع غزة ، عبر الحدود على صعوبة التهريب وخطورة مشكلاته وتعقيداته التي تكون حياة القائمين به أحيانا ثمنا له . ولنا تخيل صعوبة وخطورة تهريب سلاح من ليبيا والسودان عبر مصر إلى قطاع غزة . وكان السلاح المهرب من السودان إيراني المصدر ، وأجبرت دول خليجية السودان على وقف تهريبه . وحاربت إسرائيل صناعة السلاح في غزة بقصف مخارط الحدادة وتدميرها إلا أن المقاومة غالبت كل المشاق ونقص مواد التصنيع ، وصنعت من مدفعية الهاون ما أفرغ حياة سكان المستوطنات في غزة من الأمان والاطمئنان اللذين نعموا بهما في بداية عهد السلطة حتى اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب من غزة في 2005 . وواجهت في حروبها وجولاتها القتالية التالية معها صعوبات ومخاطر جعلت كل حرب أو جولة قتال مكلفة وضارة لها في مستوطنات الغلاف ، وفي المناطق الداخلية البعيدة عن غزة التي وصلتها صواريخ المقاومة المصنعة محليا والمهربة .
وتوقفت إسرائيل بعد عدوان 2008 _ 2009 عن الدخول بريا إلى غزة ، وفي حرب 2014 التي دامت 51 يوما لوحت مرارا بالدخول البري ، لكنها عجزت عنه . ولولا سلاح المقاومة في غزة لاستباحتها القوات الإسرائيلية بين حين وحين ولو للقبض على مطلوب تصنفه إرهابيا . إسرائيل تخاف ولا تتعفف . وهذه حالها في لبنان بفضل سلاح حزب الله الشجاع الذي يفهم شخصية إسرائيل فهما يعترف به الإسرائيليون ويحسدونه عليه . لا أمان ولا بقاء لشعب بلا سلاح ، والشعب الواقع تحت وطأة الاحتلال أشد الشعوب حاجة للسلاح لتحرير أرضه وذاته منه ، فمال الحال إذا كان الاحتلال الذي يقع الشعب الفلسطيني تحت وطأته الهائلة الساحقة استيطانيا إحلاليا ؟! في هذه الحال يكون امتلاك السلاح في أعلى مستويات الشرعية والأحقية . وهذا ما تتخلى عنه السلطة في إصرارها على أن تكون هي الجهة الفلسطينية الوحيدة المالكة للسلاح في الضفة وغزة . سلاحها لا يحارب إسرائيل جنودا ومستوطنين ، ويحميهم من المقاومة الفلسطينية ، وهو بهذه الوظيفة المنكرة ليس فلسطينيا ، ولا شرعية فلسطينية له ، والسلاح الشرعي هو سلاح المقاومة التي تحارب إسرائيل جنودا ومستوطنين . وتظل الحقائق حقائق ، ويظل الباطل باطلا .
وسوم: العدد 1043