تصريحات نادرة لرئيس سابق للموساد تشقّ الطريق لمحاكمة القيادات الإسرائيلية أمام “الجنايات الدولية”
أصابت أقوال رئيس الموساد السابق تمير باردو المنظومةَ السياسية الإسرائيلية بالصدمة، وسط مخاوف من أنها ستشقّ الطريق السريع أمام مقاضاة الوزيرين إيتمار بن غفير وباتسلئيل سموتريتش على خلفية أفعالهم وأقوالهم، في المدة الأخيرة، خاصة الدعوة لإحراق حوارة، ولتكريس تفوّق اليهود على الفلسطينيين بالحق بالحركة.
ونقل موقع “واينت” عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن استخدام باردو لمصطلح أبرتهايد تسبّبَ بضرر كبير، ليس فقط لصورة إسرائيل، بل من ناحية زيادة احتمال مقاضاة ساستها في محافل قضائية دولية. يشار إلى أن محكمة الجنايات الدولية في هاغ تستعد، في هذه الأيام، لإصدار حكم رداً على سؤال قدّمته السلطة الفلسطينية، حول إن كان الاحتلال مؤقتاً، كما تزعم إسرائيل، أم أنه متواصل. كذلك من المفترض أن تشرع “الجنايات الدولية” في تحقيق حول ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وفي حديث مطوّل لوكالة الأنباء الأمريكية، قال باردو إنه في منطقة جغرافية يعيش فيها شعبان يديران حياتهما وفق منظومتين قضائيتين مختلفتين، فهذا يعني أننا نعيش في نظام فصل عنصري (أبرتهايد).
وكشف باردو أنه سبق وحذّر، خلال إشغاله رئاسة الموساد (2011-2006)، رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، عدة مرات، من استمرار الفراغ، ودعاه لاتخاذ قرار حول السؤال ما هي حدود إسرائيل، وإلا سيدخل دولة اليهود تحت تهديد تدميرها. باردو، الذي امتنع عن إصدار مثل هذه التصريحات والمواقف حتى الآن، خاصة عندما كان في موقع صناعة القرارات، يضيف في هذا المضمار: “على إسرائيل أن تقرّر ماذا تريد، فدولة بلا حد هي دولة بلا حدود وضوابط”. وتطرّقَ باردو لتصريحات بن غفير العنصرية حول الحق بالحركة، وقال إن “بوسع المواطنين الإسرائيليين التجوال في مراكبهم في طول وعرض البلاد، بما في ذلك الضفة الغربية، بينما يحرم الفلسطينيون من ذلك، ويضطرون لطلب الإذن من أجل الدخول لإسرائيل والتحرك داخلها”. وتابع: “هذا ليس رأياً، بل حقيقة”.
اعترفَ باردو بأنه، حتى وهو على رأس الموساد، آمَنَ بأن الشأن الفلسطيني هو واحد من القضايا الضاغطة جداً، بل هو أكثر إلحاحاً على إسرائيل من المخطّط النووي الإيراني.
هذا ليس موقفاً متطرفاً.. هذه حقيقة
وشدّد باردو على أن مواقفه هذه حيال واقع الحال في الضفة الغربية، التي أثارت، فور نشرها، عاصفةً من ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة، “ليست متطرفة بل حقيقة”. ورفضَ الإجابة على السؤال عما إذا كان يحمل هذه المواقف خلال إشغاله منصب رئيس الموساد، ومع ذلك ذكر أنه آمَنَ، وقتها أيضاً، بأن الشأن الفلسطيني هو واحد من القضايا الضاغطة جداً، بل هو أكثر إلحاحاً على إسرائيل من المخطّط النووي الإيراني. كما اعتبر باردو أن السجالات الداخلية في إسرائيل لها جذور أعمق مما يبدو في الواجهة، منها ما يرتبط بالصراع بين من يريدها دولة دينية ومن يرغب بفصل الدين عن الدولة فيها، علاوة على سجال خفي بين من يريد ترسيم حدودها، ويبحث عن تسوية القضية الفلسطينية، ومَن يتجاهلها بدون خطة إستراتيجية، علاوة على تآكل أخلاقي نتيجة ذلك”.
تلميح للنازية
يشار إلى أن باردو، الذي عيّنه نتنياهو في رئاسة الموساد، تحوّلَ، منذ إنهاء منصبه، لواحدٍ من أشدّ المعارضين له ولحكومته ولخطة الانقلاب على النظام الذي تقوده.
في تموز/ يوليو الماضي، قال باردو للإذاعة العبرية العامة إن نتنياهو فَقَدَ البوصلة، بعدما أدخل عناصر متطرفة وغيبية لحكومته، وإن بعض الوزراء يتطابقون مع وزراء عنصريين في العالم.
وذهب باردو لأبعد من ذلك، في تلميح خطير بقوله إنه لا يريد التطرّق لأمثلة من سنوات الثلاثين في القرن الماضي”، في إشارة للنازية. وقال إن الوزراء العنصريين في ائتلاف نتنياهو الحاكم يشبهون التنظيم الإرهابي الغربي “كو كلوكس كلان” المؤمن بتفوّق البيض، ويتبنّون نظريات عرقية عنصرية، وكراهية للأقليات.
وتتوالى ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة على تصريحات باردو، إذ قال المحامي الإسرائيلي نيك كاوفمان (عمل محامي دفاع في محكمة الجنايات الدولية) إن تصريحات وزراء إسرائيليين، كتلك التي يمكن تفسيرها كدعم لسياسات رسمية تؤيد أفعالاً غير إنسانية في إطار نظام قمع واضطهاد وتفوّق عنصري، من شأنها أن تسرّع إجراءات قضائية ضد مسؤولين إسرائيليين في الجنايات الدولية. وقال كاوفمان إن محكمة الجنايات الدولية طالما استصعبت العثور على أدلّة تجرّم السياسات الإسرائيلية، لكن “تصريحات إشكالية لبعض وزرائها، كتلك التي أدلى بها بن غفير، تقدّم للدعوى المقدمة على طاولتها ضد إسرائيل الأساس المطلوب على طبق من فضة”. محذراً من أن حكماً للجنايات الدولية يؤكد أن إسرائيل تدير احتلالاً طويل الأمد، لا مؤقتاً، سيورّطها من الناحية القضائية.
وأوضح أنه إن كان الحديث يدور عن احتلال للمدى البعيد، فيمكن التعامل معه كضمّ فعليّ، مع كل المعاني المترتبة على ذلك من ناحية القضاء الدولي. ويضيف: “في مثل هذه الحالة تشق الطريق لفرض عقوبات على إسرائيل، وربما عزلها”.
ذخيرة سياسية وقضائية بيد الفلسطينيين
ونقل “واينت” عن مصدر قضائي إسرائيلي محجوب الهوية قوله إنه عندما تقوم شخصية إسرائيلية مرموقة بـاستخدام مصطلح “أبرتهايد”، في سياق الحديث عن السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، فهذا “يسقط ثمرة ناضجة بيد من يحاولون إثبات هذه التهمة قضائياً”. كما نقل عن “مصدر سياسي كبير” مهاجمته لباردو بقوله إن الحديث يدور عن تصريحات مبالغ بها تمنح دعماً لأعداء إسرائيل. وتابع المسؤول المذكور: “إن استخدام مصطلح “الأبرتهايد” من قبل من كان في قمة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يلحق بنا أذى زائداً، وسنسدّد أثماناً في المحاكم الدولية.هذه مقولة زائدة جداً، وخسارة أنها قيلت”.
اعتبرَ باردو أن السجالات الداخلية في إسرائيل لها جذور أعمق مما يبدو في الواجهة: الصراع بين من يريدها دولة دينية، ومن يرغب بفصل الدين عن الدولة، علاوة على سجال خفي بين من يريد ترسيم حدودها، ويبحث عن تسوية القضية الفلسطينية.
“الليكود”: “تصريحات كاذبة ومخجلة”
فيما يلتزم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الصمت على تصريحات باردو الهامة، حمل حزبُه عليها، واعتبرها “كاذبة ومخجلة”. وزعم “الليكود”، في بيان، أنه لا توجد دولة في العالم تحارب “الإرهاب” بمستوى أخلاقي عال كما تفعل إسرائيل، مدعياً أن جيش الاحتلال يسعى لحماية المدنيين الإسرائيليين وسط تحاشي المساس بأبرياء. وضمن نفي “الأبرتهايد” قال “الليكود” أيضاً إن المستشفيات الإسرائيلية تعالج مرضى ومصابين يهوداً وفلسطينيين على حد سواء، وإن العرب واليهود يعملون جنباً إلى جنب. وتابع “الليكود” في بيانه: “بدلاً من الدفاع عن إسرائيل وجيشها يتورط باردو في وصمها والتشهير بها”.
تقرير أممي شامل وهام
يشار إلى أن المبعوث الأممي الخاص بمعاينة حقوق الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 1967 مايكل لينك قال أيضاً إن إسرائيل تمارس نظام فصل عنصري. ففي تقريره للأمم المتحدة، الأسبوع الفائت، قال لينك، عشية تباحث محكمة الجنايات الدولية حول السؤال عن شرعية الاحتلال الإسرائيلي، إن إسرائيل تنتهك القانون الدولي، وسط ضمّ أرض محتلة، ومسّ بحقوق المواطنين، وإدارة نظام فصل عنصري أبرتهايد”.
في تقريره الممتد على 107 صفحة، والذي تمّ إعداده بالتعاون مع الجامعة الوطنية في إيرلندا، يؤكد لينك أن الاحتلال ليس شرعياً، ولذا ينبغي وقفه، والانسحاب الكامل من الأرض المحتلة عام 1967 دون قيد أو شرط، مع إلغاء القوانين العنصرية.
يشار إلى أن لينك بروفيسور في الحقوق ويشارف على إنهاء منصبه الأممي، بعد سبع سنوات من إشغاله، ويعتبر تقريره المذكور واحداً من أكثر التقارير الأممية شمولية حول الاحتلال ووقف الاستعمار وحق تقرير المصير.
محو حوارة
إلى جانب باردو واعترافاته يقدّم عدد من الوزراء اعترافات أخرى، على شكل تصريحات عنصرية سافرة من شأنها أن تشكّل ذخيرة دعائية وقضائية وسياسية بيد مناهضي الاحتلال. من بينهم وزير المالية والوزير الإضافي في وزارة الأمن باتسلئيل سموتريتش الذي دعا، في الصيف الماضي، لمحو قرية حوارة الفلسطينية، وما لبث أن تراجع به، وحاول أن يصحّح مقولته الجنائية الإجرامية. ومع ذلك يعمل سموتريتش وزيراً إضافياً في وزارة الأمن، ويستأثر بصلاحيات ما يعرف بـ “الإدارة الذاتية”، ويسعى عملياً لضم فعلي للضفة الغربية المحتلة، وإفشال تسوية الدولتين.
وهكذا التصريحات العنصرية للمستوطن المدان بالإرهاب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي قال، قبل نحو أسبوعين، إن حقه وزوجته وأولاده بالحركة داخل الضفة الغربية تسبق حق الفلسطينيين بها، حيث يرى مراقبون بهذه التصريحات العنصرية السافرة تعزيزاً للموقف الذي يعتبر أن إسرائيل تدير نظام فصل عنصري.
يذكر أنه، في الشهر الماضي، وجّه النائب السابق لرئيس الموساد، عميرام ليفين، انتقادات شديدة اللهجة لحكومة نتنياهو، على خلفية خطة إضعاف القضاء، مشيراً إلى أن ما تشهده الضفة الغربية، بعد 57 عاماً من الاحتلال، هو أبارتهايد، وأن “الجيش الإسرائيلي بدأ التورط في جرائم الحرب، وفي عمليات عميقة تذكرنا بالعمليات التي حدثت في ألمانيا النازية. وتابع ليفين، في تصريحات للقناة 12 الإسرائيلية: “إذا تجوّلت في مدينة الخليل سترى شوارع لا يستطيع العرب السير فيها، إنه أمر مؤلم وغير سار، ولكنه الواقع. من الأفضل لنا كإسرائيليين التعامل مع هذا الواقع رغم صعوبته وعدم تجاهله كأنه لا يعنينا”.
وسوم: العدد 1048